عاشت الأسامي| تشويه "إيليت" أقدم مطعم يوناني في الإسكندرية

“إيليت” تعني بالعربية النخبة أو علية القوم، والكلمة هي اسم مطعم مبني خشبي عبارة عن طابقين أرضي وآخر علوي، يأخذ شكل الكوخ الخشبي، واجهته عبارة عن منافذ كبيرة مصممة من الزجاج الأبيض الشفاف.
أما جدرانه تتميز باللون البني، معلق عليهم مصابيح إنارة بيضاء اللون، وله مدخل لبوابتين يأخذان الشكل الدائري، هذا هو مطعم “إيليت” بشارع صفية زغلول في منطقة محطة الرمل وسط الإسكندرية.
يعد “إيليت” من أقدم المطاعم  اليونانية في الإسكندرية، أنشأته مدام “إيليت” في أوائل القرن العشرين، وكان المطعم خال من أي مبان،  فكان عبارة عن كراس مرصوصة في الشارع، محاطة بالأسوار.
وفي عام 1922 استأجرته “كريستينا كوستانتينو” من الكنيسة اليونانية وأدارته هي وزوجها ميخال، وهي من أشهر اليونانيين الذين أقاموا بالإسكندرية، وكانت إحدى ملهمات الشاعر المعروف قسطنطين كفافيس في سنواته الأخيرة، بحسب الدكتور محمد بشري، أستاذ التاريخ اليوناني بجامعة الإسكندرية.
يقول بشري إن علاقة اليونانيين بالإسكندرية خاصة جدًا، كانت قائمة على تاريخ جمع الاثنين في الإسكندرية لفترات طويلة، حتى طبعت ملامح الشعب اليوناني على تصاميم وجدران الثغر، خاصة في شوارعها القديمة ومطاعمها ومحالها.
ويضيف بشري أن الشاعر اليوناني قسطنطين كفافيس، كان يأتي بشكل يومي لتناول إفطاره بالمطعم، إلى أن رأى كريستينا ملهمة أشعاره، التي أهداها بورتريه خاص له وبعض أعماله المدونة بخط يده والتي علقتها بدورها على جدران المحل.
تاريخ علي الجدران
حينما تدخل “إيليت” تجد اللون البني الداكن يسيطر على المكان بجانب الديكورات الخضبية، وفي الواجهة تجد البار، وطرقة طويلة زينت الجدران على الجانبين بمجموعة من اللوحات لأشهر الفنانين العالميين، منها لوحة للفنان اليوناني فافياديس والفرنسي براك وبورتريه لكفافيس شاعر الإسكندرية، ولوحة للفرنسي ماتيس وآخر للوحات سيف وأدهم وانلي ومعهما بيكاسو وعصمت داوستاشي، وجميعها لوحات لا تقدر بثمن.
وعلى الجانب الآخر تجد مجموعة من الصور القديمة لمدام إيليت صاحبة المقهى الأصلية، وصور أخري للمالكة الثانية بعدها وهي كريستينا، وكلها لوحات قيمة لا تقدر بثمن، أما في نهاية هذا الممر الذي يأخذاك للصعود إلى الطابق الثاني من المطعم عبر سلم خشبي قصير علي مدخله تمثال أحد آلهة اليونايين القدامى، لكي تتجه إلي قاعة الموسيقي اليونانية، التي يجلس فيها “الزبائن” محبو الموسيقي.
عشق المدينة
“ايليت ليس مطعم أو مقهى، لكنه تاريخ يوناني قديم جعلنا جميعا نعيش في الإسكندرية وكأننا في بلدنا الأصلية” هكذا يقول الخواجة كلاياني خلييس، صاحب احد المحال بمحطة الرمل.
خلييس، اليوناني الأصل، يقول إن والدي كان من زبائن المحل، وكان صديقًا شخصيا لمدام كريستينا صاحبة المطعم، لذلك فقد أصبحت صداقتي موصوله بنجلها الخواجة ألخيس ماسيوس.
ويقول خلييس إن كريستينا اشترت “إيليت” من مالكيه الأصليين في عام 1953، لعشقها وحبها في أبناء الجالية اليونانية بالثغر، حتى ذاع صيتها، وتحولت إلى سيدة مصرية بملامح أوربية هادئة، فقد كانت جميلة المضمون قبل الشكل، بجانب أن هذا المكان كان ملاذا لأصحاب الذوق الرفيع والفنانين وعشاق الموسيقي اليونانية.
ويضيف خليسس أن من أشهر رواد المكان الذين كانوا يأتون بصفة يومية الشاعر اليوناني السكندري كفافيس، والتي تحمل جدران المطعم أحد بورتريهاته لوجود صلة صداقة قوية كانت بينه وبين كريستينا صاحبة المحل.
مشاهير مروا من هنا
عم محمد أمين، أحد العاملين قديما بمحل إيليت، يقول عملت هنا لنحو 50 عاما، وتركت العمل عقب وفاة مدام كريستينا.
يضيف أن المحل كان ملتقى الفنانين والمشاهير، لأنها كانت عاشقة للفن والحياة، فكانت تحتفظ بلوحات أعظم الفنانين وتضعها علي جدران المحل للتوثيق فكان يأتي الرواد ليشاهدوا هذا المتحف الفني.
يتابع أمين أن أشهر الشخصيات الذين زاروا “ايليت” السيدة أم كلثوم والروائي نجيب محفوظ والملكة فريدة والملكة ناريمان وزوجها، والمغني اليوناني السكندري ديميس روثوس والفنانة داليدا ويوسف شاهين والشاعر أدونيس وأمل دنقل وغيرهم، كما أن المطعم كان ملتقى دائم لأبناء الجاليات الفرنسية واليونانية والبريطانية.
تغير الملامح
اثينوس بارتيني، أحد اليونايين القدامي الذين يعشيون في الثغر، يقول تغيرت ملامح “ايليت” تلك المقهي العريق.
بعد رحيل الخواجه ماسيوس، نجل مدام كريستينا صاحبة المحل، استأجر مجموعة من رجال الأعمال المصريين  المحل وطمسوا معالمه القديمة.
ويضيف بارتيني أن المحل كان مشهورًا بجدرانه المونة بالأزرق والأبيض، أما الآن فقد تحول إلى بني داكن، واختفت لوحات كثيرة كانت قيمة جدا، مضيفًا: مع الأسف شوهوا طراز المحل وقاموا ببناء جزء خارجي، وخصصوه للأكلات السريعة والكنافة والبيتزا.
الدكتور محمد الغريني، الباحث الأثري بوزارة الآثار بالإسكندرية، يقول مع الأسف هناك مطاعم شهيرة وقديمة جدًا بالمحافظة، لكن لا يمكن إدراجها ضمن جدول الآثار، لأن جدول الآثار لا يشمل دخول المطاعم والمحال كأثر ولا يمكن للهيئة التدخل في منع مالك من تغيير أو طمس تراث يوناني قديم، لأنها ليس لها سلطة قانونية عليه.
ويوضح أن وزارة الثقافة لم يكن في وسعها تحويله إلى قصر ثقافة، بالإضافة إلى عدم امتلاكها نظامًا لإدارة المطاعم الأثرية أو التاريخية.
ويتابع الغريني يجب تعديل قانون الآثار وإدراج تلك المحال والمباني القديمة للجدول، لكي لا ندمر شكل وحضارة التاريخ القديم، التي تميزت به محافظة الثغر، التي اندمجت مع الثقافة اليونانية وأخذت شكل وطابع اليونان.
قيمة فنية
الفنان التشكيلي حامد منير، يقول إن “إيليت” يحتوى علي مجموعة نادرة من اللوحات لمجموعة من كبار الفنانين والرسامين، وكان يجب أن تتدخل وزارة الثقافة للحفاظ علي هوية هذا المكان التراثي العظيم، الذين شوهوا منظره الجميل، وقد كان بوسع وزارة الثقافة أن تفعل شيئًا تجاه ذلك حتى لا تفقد الإسكندرية هويتها التاريخية.
ويتابع منير، جميعا كنا نفخر بـمطعم إيليت لأنه كان بمثابة سجل فني للتراث السكندري ورواده من أهل الفن والأدب والفكر.
ويقول فريدرك قسطانيون، محامي بطريركية الروم الأرثوذكس بالإسكندرية، إن الكنيسة لا تعرف أي شيء عن إدارة المحل الحالية، وأنها مجرد مالكة للأرض المبني عليها المطعم، والتى أجرتها لهم منذ الستينيات ولا دخل لها فيما يحدث بين الملاك، موضحًا أن تلك المطعم من أهم الاثار اليونانية المتواجدة في الثغر.
فيما حاولت “ولاد البلد” التحدث مع إدارة محل “إيليت” الحالية، إلا انهم رفضوا التحدث أو التعليق عن الأمر تماما.
 
 
 

 

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر