«ساقية وفرن طين ورحايا»: تفاصيل جدارية التراث الصعيدي في قنا

بطول يبلغ حوالي 53 مترا نفذ النحات عبدالرسول الدويك الجبلاوي والفنان أحمد الأسد، جدارية «التراث الصعيدي» أو جدارية «مستشفى الأميري» كما كان يطلقون عليها في الماضي، بجوار مستشفى قنا العام وتحت إشراف المحافظة.

«ساقية وفرن طين وعربة جاز وربابة ورحايا» رموز وصور من التراث الشعبي والريفي والمعتقدات الموروثة القديمة، جسدتها الجدارية بدقة متناهية، وهي مفردات تغيب عن المدينة تمامًا حاليًا، وأختفي معظمها بشكل كبير من القرى. الجدارية أصبحت بمثابة مخزن معلومات ومصدر سعادة لدي الجميع بالمدينة خاصة الأطفال، لأنها تعرفهم بتراثهم الشعبي والريفي القديم.. «باب مصر» يستعرض تفاصيل الجدارية.

جدارية التراث

يحكي النحات عبدالرسول أحمد علي، وشهرته «عبدالرسول الدويك الجبلاوي»، ابن قرية الجبلاو بقنا، 37 عاما، تفاصيل الجدارية لـ«باب مصر» ويقول: “طلب مني محافظ قنا عمل تصميم جدارية في مكان ما، ففكرت في عمل نحت مختلف عن جدارية المعنا التي نحتها عن التراث الفرعوني منذ أكثر من عام، وبدأت بالفعل منذ 4 شهور في تصميم الجدارية عن التراث الشعبي وطلبت من المحافظ عدم التدخل في الأمر وترك لي الاختيار في الموضوع”.

وتابع: أثناء عملي في نحت الجدارية تفقدها المحافظ أكثر من مرة ليرى ما سأقدم فيها، ولكنه لم يتدخل، ونفذت الجدارية تحت ضغط نفسي مني بسبب ضيق الوقت والمساحة فكنت أعمل في مساحة مترين فقط أو أقل.

يشير الجبلاوي إلى أنه نحت الجدارية وركز فيها على التراث الشعبي محاولا إظهار المعتقدات الشعبية الموروثة القديمة والمتعلقة بالحسد والعادات والتقاليد وطبيعة الحياة وكيفية المعيشة في البيوت القديمة. فمثلًا جسدت العروسة على الفرن القديمة. حيث كانت تنهي عن الحسد، وهو معتقد قديم كان سائد منذ وقت طويل. وتعني أيضًا العروسة الخصوبة والنماء وتمنع السحر والشرور. وكذلك الخرزة الزرقاء التي تمنع الحسد، والحذاء البالي، وورن البحر الذي يوضع أعلى الباب على المنازل القديمة.

التراث القديم

يحكي الجبلاوي أنه أغلق الجدارية على نحت مجسم في صورة الفرن البلدي وعربية الجاز القديمة، وذلك لمعايشة التراث القديم بمعتقداته والحياة الريفية التي كنا نعيشها. ويري أنه حاول تقديم رسالة من خلال نحت الجدارية لأبناء المحافظة ليعرفون قيمة التراث الشعبي القديم لمحافظتهم وبلدهم.

يقول الجبلاوي: “يبلغ طول الجدارية 53 مترا وارتفاعها من 5 إلى 6 أمتار. بجوار مستشفى قنا العام. لافتا إلى أنه انتهي منها خلال 4 شهور وهذا كان عبء كبير عليه ولكنه أنجزه، نظرا لقيامه بالنحت بمفرده لكل المجسمات التي حوتها الجدارية”.

ويوضح أنه استخدم مواد بسيطة في عملية النحت مكونة من الأسمنت وأدخل فيها الحديد وبعض العناصر الأخرى قبل مرحلة التلوين. ويذكر أنه كان يتمنى استخدام مواد أخرى ولكنه مرتبط بميزانية محددة أيضا.

يضيف أن تلك الجدارية تمثل له حياته، لأنه كان يعيش وسط تلك البيئة منذ 25 عاما، لذلك ركز على التفاصيل بدقة شديدة، وكان متأثر بتلك الحياة ومتعايش مع الجدارية بشكل كبير، ليقدم لأبناء قنا تراثهم من خلال فن النحت.

تلوين الجدارية

يقول أحمد الأسد صلاح الدين، مدرس تربية فنية بمدرسة أجيال المستقبل بقنا الجديدة، وهو من قام بتلوين الجدارية بعد انتهاء الجبلاوي من نحتها: “استغرق التلوين حوالي شهر كامل على طول الـ53 مترا. بذلت فيها مجهود كبير في التلوين واستخدام خامات مختلفة. ركزت على التفاصيل في التلوين وأيضا استخدام ألوان توحي بالطبيعة والواقع”.

وتابع: كنت مستمتع أثناء تلوين التفاصيل لأنها متعلقة بالتراث “شميت فيها ريحة أيام زمان” رائحة الخبيز البلدي والفرن القديمة، والساقية والحقول الخضراء وجرن القمح. لونت الجدارية لأعطيها بعد ومنظر جميل وعمق أيضا في الرؤية لكي تظهر خلفية حقيقية.

ينحاز صلاح الدين للمدرسة التأثيرية والواقعية لعلاقتهما بالجدارية. ويضيف أن الجدارية خلقت حالة من المعرفة خاصة الأطفال، ففي أثناء عمله بالجدارية سأله أحد الأطفال عن اسم الساقية المجسمة في الجدارية لأنه لم يكن يعرف ما هي. وأيضا سأله عن بعض الرموز الأخرى المستخدمة في الجدارية لأنه ولد في المدينة ولم يكن يعرف كثيرا عن التراث الشعبي.

انبساط الأهالي

ويشير صلاح الدين إلى أن الجدارية بعثت حالة انبساط وراحة نفسية لدي الأهالي الذين يزورون قنا وجسدت لهم معايشة مع الواقع الموجود في قريتهم. كما أنه بدأت العرائس والشباب يتوجهوا للجدارية والتقاط الصور التذكارية أمامها.

ويقول: “الجدارية تحاكي التراث الصعيدي الذي اختفي منه الكثير. فأنا كفنان عشت وسط البيئة البسيطة ولم اقرأ عنها فقط، لذلك استخدمت الألوان بدقة كبيرة وركزت على التفاصيل بشدة”.

فالجدارية تحاكي التراث الصعيدي الريفي الذي اختفي منه الكثير. وهو كفنان عاش وسط تلك البيئة لفترة وليس فقط قرأ عنها أو درسها لذلك استخدم الألوان بدقة كبيرة وركز فى تفاصيلها. فكان يذهب للحقول والشوارع والبيوت القديمة ويشم رائحتها ويعود لكي يلون الجدارية -حسبما يذكر.

تفاصيل الجدارية

أما عن تفاصيل الجدارية فهي جسدت الساقية التي تسقى الزراع قديما، ومنزل الرجل الذي يبيع الجاز وعربيته قديمًا. وبنت معها جردل الجاز. ونحت لفتى مراهق يعزف الناي بجوار الساقية في الزرع. وهناك الرجل عازف الربابة، وسيدة تصب الشاي للرجل أمام منزلهما على ديوان قديم. السيدات يملئن البلاليص من الطرمبة. وطفل يتعلم المشي على الكراتة. الرجل يحرص الخبز أما المنزل، سيدة تدخل الخبز داخل الفرن، والفرن الطين القديمة. وسيدة تطحن الغلة على الرحايا القديمة المكونة من الحجارة.

يختتم صلاح الدين حديثه ويناشد محافظ قنا عمل متحف في المدينة عن التراث الشعبي لجذب عدد كبير من الجمهور وإدرار دخلا ماديا للمحافظة. ويشارك أيضا فيه عدد من طلاب وأساتذة فنون جميلة وتربية فنية بقنا والأقصر، وذلك لخلق حالة ثقافية وتراثية داخل المحافظة وللحفاظ على تراث القرى القديمة.

اقرأ أيضا

 «عشرة بلدي»: عرض مسرحي يجسد تأثير الاضطرابات النفسية على الإنسان

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر