نور الشريف خواطر واستنتاجات.. حول قصة المقتنيات!

بقدر ما أثار مقال مقتنيات نور الشريف على الرصيف من ردود أفعال إيجابية، تمثلت في غضب الكثيرين وحزنهم، وسعي البعض إلى الفهم والبحث عن حلول لإنقاذ مقتنيات كبار الشخصيات العامة والمؤسسات الهامة وغيرها من المواد الأرشيفية التي تحتاج إلى الحفظ والصون،.بقدر ما أثار المقال بعض ردود أفعال، معظمها خواطر وانفعالات تتجاهل الحقائق الثابتة وتساهم في مزيد من تشتيت وتمييع المشكلة، كعادتنا في تغليب العواطف والقفز بالاستنتاجات بدلا من التمعن في الوقائع.

***

كان هم البعض أن يدافع عن أسرة نور الشريف وينكر قيامهم بالتفريط في هذه المقتنيات. ولا أحد يستطيع أن يدعي أن الأسرة تعمدت التفريط. بالعكس هناك ما يثبت أنهم لا يعلمون شيئا عن طبيعة هذه المقتنيات، بدليل وجود صور عائلية شخصية للزوجة الفنانة بوسي والابنتين سارة ومي، وأوراق شخصية جدا لنور الشريف، لا يمكن لعاقل أن يتصور أنهم فرطوا فيها عمدا. كذلك يعلم الجميع مدى العلاقة القوية التي كانت تربط بين نور الشريف وابنتيه. ولابد أنهما تشعران بالحزن من قصة المقتنيات، لكن هذا لا ينفي أن إهمالا غير مقصود قد حدث.

وأنه تم السماح لأناس غير مسؤولين بدخول شقة المهندسين والسطو على مقتنياتها في غياب رقابة الأسرة. وكان يفترض أن تقوم الأسرة بنفسها بمعاينة وجرد محتويات الشقة بأنفسهم، قبل استدعاء الأغراب، أو ترك الشقة نهبا لهم. ربما، بل غالبا، كان لدى السيدة بوسى وابنتاها أعذارا قوية منعتهن من القيام بذلك. وربما لم يخطر ببالهن وجود أشياء قيمة وشخصية في الشقة. لكن هذا كله لا يمنع أن هناك خطأ كبيرا قد حدث، وأن الشقة ومحتوياتها كانت في حوزتهن عندما تم تفريغ محتوياتها.

***

البعض الآخر، دفاعا عن الأسرة، زعم أن مقتنيات نور الشريف تم اهدائها إلى مكتبة الإسكندرية. وفيما قال البعض أنها موجودة في المكتبة، تساءل البعض الآخر عما إذا كانت المقتنيات المعروضة في السوق قد تم تهريبها من المكتبة وليس من منزل الأسرة. النصف الأول من الكلام غير دقيق، والنصف الثاني استنتاجات بلا سند.

ولعل ذلك ما دفع مكتبة الإسكندرية إلى إصدار بيان تؤكد فيه أن لديها (بعض) المقتنيات. وهي بالتحديد 6022 كتاب، وبعض الأوراق الخاصة التي تحمل ملاحظات بخط يد الفنان الراحل. بالطبع مقتنيات نور الشريف لم تكن مجرد 6022 كتاب وبعض الكراسات بخط يده. ولكنها حصاد عمر لإنسان كان يهتم بتوثيق وحفظ كل ورقة وشريط، كما يدل حرصه على تجليد كل كتاب في مكتبته ووضع توقيعه عليه، وكتابة تاريخ ومكان كل صورة على ظهرها.

الحقيقة القائمة هي أن مكتبة الإسكندرية لم تحصل سوى على بعض الكتب وقليل جدا من الأوراق التي كانت موجودة في شقة الشيخ زايد. لكن شقة المهندسين التي كانت تمتلئ حتى آخرها بالأوراق والمقتنيات الأخرى، والتي تحتوي على سيناريوهات وبوسترات وصور فوتوغرافية وشرائط فيديو قام نور بتصويرها أو يظهر فيها وأفلام وأوراق خاصة ويوميات ومذكرات وجوائز ودروع ونياشين..إلخ، هي التي تم سلب محتوياتها.

***

خواطر اليافعين، التي تكيل الاتهامات للأسرة بغير دليل، أو تحاول إعفاءها تماما من الخطأ، ليس لها محل من الإعراب هنا. علينا أن نعترف أن عائلات المشاهير ليست مسؤولة عن الحفاظ على ميراث هذه الشخصيات العامة. هذا حكم أخلاقي لا يمكن فرضه أو افتراضه. هناك أسرة فنان كبير آخر قامت ببيع مقتنياته بمساعدة المحامين وكذبوا على وزارة الثقافة مدعين أن كل ما لديهم بضعة ملابس وصور. الأبناء والأحفاد وأبناء العم والخالات هم أحيانا آخر من يهتم بقيمة الشخصية العامة في عائلتهم، وأكثرهم يسعى إلى الاستفادة من هذه القرابة ماديا ومعنويا.

وغالبا يلتمس المرء العذر لهذه العائلات الفقيرة التي تملك مصدرا للرزق تريد الاستفادة منه. أو تشعر بأن الجهات المسؤولة تريد الاستحواذ على هذه المقتنيات مجانا. والمصيبة الأكبر أن هناك موظفين في هذه الجهات المسؤولة يقومون ببيع وتهريب بعض ما يصل إلى هذه الجهات من مقتنيات. ولذلك يقول لسان حال ابن أو حفيد الشخصية العامة: بما أن أحدا لا يهتم، وبما أن المسؤولين أنفسهم باعوا وثائق أبي، فليكن بيدي لا بيد عمر.

وأسرة نور الشريف أسرة عادية، لم يخطر ببالهم بالطبع أن يبيعوا شيئا من مقتنيات الراحل. ولكن في الوقت نفسه ليس لديهم القدرة ولا الطاقة على حفظ هذه المقتنيات ورعايتها. وهذه ليست مسؤولية العائلات كما ذكرت. بل مسؤولية “الجهات المعنية بالأمر”. وقد بح صوتنا على مدار عقود من أجل إنشاء أرشيف للسينما، وأرشيفات أخرى لغير السينما، تملك سلطة قانونية ومالية لشراء وحفظ تاريخنا الملقى على الأرصفة، والذي سافر أغلبه للعمل في الخليج و محطة “بي بي سي” ومكتبات الجامعات الأمريكية والأوروبية وغيرها.

المسألة لا تتعلق بنور الشريف وحده. لقد تحولنا إلى أمة تعيش على بيع آثارها وتاريخها، مثل بطلات أفلام حسن الإمام اللواتي يضطررن إلى احتراف الرقص!

اقرأ أيضا: 

نور الشريف على الرصيف في سوق الروبابيكيا

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر