الصدفة تقود لاكتشاف ظاهرة تعامد الشمس بـ«أبوسمبل»

تتجه أنظار العالم إلى معبد أبوسمبل يومي 22 فبراير وأكتوبر من كل عام، لمتابعة ظاهرة تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني، والتي تتواكب مع بدء الزراعة والحصاد، وفقًا لتقويم السنة النجمية عند القدماء المصريين، الأثري حسام عبود، يروي لنا قصة اكتشاف تلك الظاهرة:
“كانت الروائية الإنجليزية إيميليا إدواردز، أول من اكتشف ظاهرة تعامد الشمس على وجه الملك رمسيس الثاني بأبوسمبل عام 1874، أثناء قيامها برحلة في نهر النيل من الإسكندرية إلى الجندل الثاني، من أجل تأليف كتابها “ألف ميل على النيل”، إذ كانت تقف أمام كل قرية أو معبد على نهر النيل لتأليف هذا الكتاب”.. بهذه الكلمات يروي الأثري حسام عبود، قصة اكتشاف ظاهرة تعامد الشمس على وجه الملك رمسيس الثاني بأبوسمبل، والتي تتكرر مرتين سنويا يومي 22 فبراير وأكتوبر من كل عام.
ويضيف عبود أن الكاتبة إيميليا إدوارز وصلت ليلا إلى منطقة معابد أبوسمبل، وانتظرت حتى شروق الشمس، لتزور معبد أبوسمبل، وتصادف أنها وصلت في نفس يوم تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني، لدرجة ان الرسامين الذين كانوا برفقتها رسموا صورة مشهورة لها داخل قدس الأقداس وهي تنظر إلي التماثيل أثناء تعامد أشعة الشمس عليها، وعقب نشر الكتاب عام 1899 بدأ الباحثون في رصد كيفية دخول أشعة الشمس وتعامدها على وجه رمسيس الثاني بمعبد أبوسمبل.
ويتابع: أن إيميليا كانت مهتمة بعلم المصريات، فأنشأت جمعية الاستكشافات المصرية في إنجلترا، والتي مازالت تعمل حتى الآن في الاكتشافات الأثرية بمصر، ولها 12 بعثة أثرية في مصر حاليًا، ويوجد فرع لهذه الجمعية بالقاهرة.
نحت الجبل
يوضح الأثري أن الإنسان المصري القديم أبدع في نحت معبد أبوسمبل داخل الجبل، ووضع واجهته الضخمة في اتجاه الشرق الحقيقي بزاوية ميل معينة حتى يواجه الشمس مباشرة؛ بحيث تتعامد أشعة الشمس على التماثيل الثلاثة في قدس الأقداس على شكل مستطيل من الضوء، والذي يتكون بسبب مرور أشعة الشمس على أربعة أبواب متتالية داخل صالات المعبد، وكل باب من هذه الأبواب يقوم بتركيز أشعة الشمس تدريجيا حتى تصبح الأشعة على شكل الإطار المستطيل على التماثيل.
قدس الأقداس
وقال إن أشعة الشمس في يوم التعامد تنير ثلاثة تماثيل من الأربعة الموجودة داخل قدس الأقداس؛ وهي تمثال رمسيس الثاني، الذي قام بتأليه نفسه ولم يعتبر نفسه “نصف إله”، يتلقى التعليمات من الآلهة كما كان يعتقد باقي فراعنة مصر، ولكنه اعتبر نفسه إله كامل، ووضع نفسه في مجمع قدس الأقداس مع أكبر ثلاثة آلهة في مصر؛ وهم آمون، ورع حور أختي، وبتاح.
راعي الفنانين
ويوضح أن أشعة الشمس تتعامد على التماثيل الثلاثة داخل قدس الأقداس يوم التعامد، بينما لا تتعامد على تمثال بتاح الذي كان يسمى عند الفراعنة إله الظلام أو العالم السفلي ورب الفنانين والصناع والتجار، والعجيب أنه حينما تم تصميم جائزة الأوسكار لم يجد القائمون على هذه الجائزة سوى صورة تمثال “بتاح”، باعتباره أقدم راعي للفنانين.
عجائب الدنيا
ويشير حسام عبود إلى أن معبد أبوسمبل لم يدخل ضمن عجائب الدنيا السبع القديمة، لأن هذا المعبد كان مغطى بالرمال ولم يتم اكتشافه إلا منذ 200 عام فقط، لدرجة أن القدماء المصريين شيدوا جدارًا من الطوب اللبن بالقرب من المعبد لحمايته من زحف الرمال، ولكنها تطايرت حتى ردمت واجهة المعبد، لذلك يطالب البعض بإدراج معبد أبوسمبل باعتباره ثامن عجائب الدنيا القديمة.
انقذوا النوبة
ويقول إن هذا العام يمر اليوبيل الذهبي لإنقاذ معبد أبوسمبل من الغرق على يد منظمة اليونيسكو أثناء بناء السد العالي في فترة الستينيات من القرن الماضي، إذ شرعت مصر في إنشاء مشروع قومي عظيم وعملاق لبناء السد العالي، من أجل تحقيق الخير والنماء لمصر، ولكن كان من سلبياته تعرض معابد النوبة لمخاطر الغرق في بحيرة السد، والتي كانت ستكون مدفن لكل معابد النوبة لولا الجهود الكبيرة التي قادها الدكتور ثروت عكاشة، وزير  الثقافة والإرشاد القومي وقتها، لإنقاذ معابد النوبة بواسطة منظمة اليونيسكو، التي أعلنت عن حملة دولية لإنقاذ آثار النوبة يحمل عنوان “انقذوا النوبة”، كانت حملة ضخمة للغاية في كل دول العالم، استهدفت ركاب المترو والأتوبيسات وطلاب المدارس، وكانت ملصقات الحملة عبارة عن صورة لواجهة معبد أبوسمبل والمياه تغمر تمثال الملك رمسيس الثاني، وكان لهذه الصور تأثير  خاص على الاوروبيين الذين تبرعوا بمبالغ مالية كبيرة، كما تم تنظيم حملات للتبرع بين طلاب المدارس الذين كانوا يدفعون مبالغ من مصروفهم الشخصي، بعد أن يستمعوا لحصة عن التراث المصري وأهمية معابد النوبة.
أنظار العالم
يوضح الأثري أن مشروع إنقاذ معبد أبوسمبل بدأ في عام 1964، واستمر لمدة 4 سنوات، وتم فتح المعبد للزيارة في 22 سبتمبر من عام 1968، بعد أن تم تفكيكه وإعادة تركيبه في مكان يبتعد 200 متر خلف الموقع القديم،  بارتفاع قدره 60 مترًا، ومنذ ذلك الوقت وأنظار العالم تتجه إلى معبد أبوسمبل مرتين سنويا يومي 22 فبراير وأكتوبر من كل عام، لمتابعة ظاهرة تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني، والتي تتواكب مع بدء الزراعة والحصاد وفقا لتقويم السنة النجمية عند القدماء المصريين.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر