أوراق من مذكرات مالكه.. حكاية فندق «شبرد» ملاذ الملوك ومُلهم الأدباء

«لا تعتبر نفسك مسافرا عالميا إذا لم تزر فندق شبرد في القاهرة» هذه الجملة التي ذكرها مايكل ج. بيرد في مذكرات «صاموئيل شبرد»، لخصت مكانة الفندق التاريخي الذي كان سببا لتحول القاهرة في القرن التاسع عشر، باعتباره أول فندق في مصر.

فندق شبرد

إذا سرت في شوارع حي “جاردن سيتي” بالقاهرة سترى فندق يحمل اسم “شبرد” لكنه ليس الفندق التاريخي الذي بناه صاموئيل شبرد، الطاه الإنجليزي، بل هو مبنى أُنشأ حديثا في خمسينات القرن الماضي لاستغلال الاسم نفسه.

لا تتوفر الكثير من المعلومات أو الصور عن فندق شبرد الحقيقي، الذي احترق في حريق القاهرة عام 1952. يتعدد وصفه في الروايات الأجنبية لكن كيف كان شكله ولماذا حظي بوصف خيالي لم يتكرر.

توصل «باب مصر» إلى عدد من الكتب الإنجليزية التي ذكرت تاريخ بناء فندق شبرد وأهميته التاريخية. كان أولها مذكرات مالكه الشخصية، وأوراق وصور جمعها حفيده، وكتيب صغير دعائي صدر أوائل عشرينات القرن الماضي بواسطة شركة الفنادق المصرية المحدودة التي امتلكت حينها عدد من العقارات الكبرى.

مذكرات صاموئيل شبرد
مذكرات صاموئيل شبرد
تصميم الفندق

في مذكرات شبرد، سرد مايكل بيرد وصفا كاملا لأول فندق في مصر، وكتب عنه:

“مبنى فخم مكون من 3 طوابق كانت واجهته المزينة متراجعة عن الرصيف يواجهها مجموعة كبيرة من الدرجات التي يزينها نخلتان قصيرتان. أما المدخل كان مزينا بمصابيح جدارية. وجزءا كبيرا من الجدران في الطابق الأول عبارة عن مشربية تسمح بدخول أشعة الشمس.

ويجاور المشربيات تمثالان حجريان حصل عليهما صاموئيل من معبد سيرابيس في ممفيس. أما الأرض كانت عبارة عن بلاط مزين بزخارف زرقاء وخضراء وبرتقالية ذات شكل مغربي، ومجهزة بكراسي وطاولات على ارتفاع مترين من الشارع.

والتصميم الداخلي كان على الطراز الفرعوني يزين السلم تمثالان لامرأتان من مصر القديمة شبه عاريتان. مع وجود أعمدة من المرمر يعلوها زهرات اللوتس في القاعة الرئيسية وهي نسخة من تلك الموجودة في معبد الكرنك بالأقصر.

والجدران كانت مزينة بلوحات ورسومات لمصر القديمة، مع وجود أواني زجاجية مزخرفة. ولُقب مطعم فندق شيبرد بـ”البار لطويل” لأن البار كان دائما مزدحما، واستغرق تقديمه وقتا طويلا، وخلال الحرب العالمية الثانية، قال روميل: “سأشرب الشمبانيا في الجناح الرئيسي في شيبرد قريبًا” مشيرًا إلى خطته للاستيلاء على القاهرة، كان الناس يمزحون أن الصف الطويل سيحمله.

صورة مرسومة يدويا عن فندق شبرد
صورة مرسومة يدويا عن فندق شبرد
تاريخ الفندق

بحسب الكتاب الدعائي النادر، يبدأ الكتاب بوصف اسم شبرد: “من منا لم يسمع عن فندق شبرد، في قصص المسافرين والروايات ومغامرات الطفولة. اليوم سنكشف قصته، إنه ليس مجرد فندق بل تاريخ غني لا يمكن وصفه”.

ووصف البقاء في الفندق خلال فصل الشتاء: “تمتد القاعات الفسيحة ويصافح الغرب مع الشرق قبل اجتياز بواباته”.

ويذكر تاريخ تأسيس فندق شبرد في عام 1841 أي قبل 28 عاما من افتتاح قناة السويس، في العام الذي أنهت فيه القوى الأوروبية الحرب بين محمد علي باشا مصر والسلطان الترك. الذي منح عائلة محمد علي الحق في حُكم مصر بالوراثة، وفي ذلك الوقت كانت الرحلة من أوروبا إلى الهند والشرق الأقصى تستغرق شهورا.

وكان المسافرون سعداء بالانتقال إلى مكان في القاهرة خلال رحلتهم عبر السويس مع القوافل التجارية إلى أوروبا.

هذه الرحلات كانت سببا في وجود المزيد من المسافرين والأجانب في مصر. وفي ذلك الوقت كانت توجد بحيرة تسمى “أزبك” – كانت تقع مكان حدائق الأزبكية الحالية، بالقرب من ميدان الأوبرا.

والأزبكية اسم مشتق من اسم الأمير إيزيك الذي تصدى للسلطان التركي بايزيد في نهاية القرن الخامس عشر. وتم بناء مسجدا على اسمه في هذا المكان. وبالقرب من هذا المسجد أسس الإنجليزي صاموئيل شبرد أول فندق في القاهرة، في البداية كان أشبه بمنزل صغير لإيواء المسافرين في طريقهم إلى الهند والشرق.

الفندق البريطاني الجديد

ثم أطلق على فندقه اسم “الفندق البريطاني الجديد” وكان اختيار الاسم سببا في نجاح المشروع. وفي نفس العام انتقل إلى منزل آخر أكبر في مكان الفندق، بعدما أصبح قصرا للأميرة زينب ابنة محمد علي باشا.

ولموقع فندق شبرد أهمية تاريخية. إذ ارتبط بأهمية جغرافية وكان سابقا مدرسة أجنبية أيضا.

ويرجع تاريخ مكان فندق شبرد الأصلي إلى الجنرال كليبر الذي كان قائدا للجيش الفرنسي خلال عودة نابليون إلى فرنسا. وأسس مقره باختيار شجرة كبيرة ضخمة والتي ظلت موجودة أمام الفندق.

وظل الفندق في يد شبرد حتى عام 1861. وعندما استلمه السيد “ف. زيك” أعاد بناءه بالكامل في عام 1891، وفي هذا الوقت كانت القاهرة الحديثة قد ظهرت. وكان للأجانب جزء خاص بهم يقع ضمنه السوق ومحطة تروماي. وكانت ترفض الحكومة تقديم أي رعاية لهم ليلا إذا اجتازوا الأماكن المخصصة لهم.

الكتاب الذهبي

وبحسب ما ذكره مسافر عبر شركة “إس إن” للسفر والرحلات عن الطريق البري القديم عام 1859. كان هذا الفندق ملاذا آمنا للأجانب في القاهرة وكان نزلاء الفندق يشاهدون المباني في القاهرة وأماكن القنصليات.

تم توسعة الفندق 4 مرات على الأقل، خلال أعوام 1899، 1904، 1909، 1927، وبحسب الكتيب القديم باللغة الإنجليزية، كان الفندق ملاذا للأجانب من باقي القاهرة.

واتبع الفندق لأول مرة نظام عمل موحد وتوفير سيارات وباعة وحاملو الحقائب لخدمة سكان الفندق فقط، فضلا عن رصف الأرض بالحجارة.

فكر صاموئيل شبرد في طرق جذب أكثر إثارة، وابتكر “الكتاب الذهبي” وهو كتاب كان يوجد في الطابق الأرضي باستمرار وكان يوقع بداخله أبرز الشخصيات. ويعد هذا الكتاب واحدا من السجلات الأكثر إثارة للاهتمام مقارنة بسجلات أي مؤسسة تجارية أخرى.

وتضمن “الكتاب الذهبي” توقيعات عدد لا يحصى من المشاهير من جميع الجنسيات في الأدب والسياسة. مثل أبطال التمرد الهندي، المستكشفين الأفارقة، ستانلي، روزفلت، الرائد ويسمان، وتيليكي، بيترز.

مُلهم الأدباء

كان الفندق مُلهما للأدباء وصناع السينما من حول العالم. إذ كتب ستانلي كتابه الشهير “إغاثة أمين باشا” في إحدى غرف شبرد، وذُكر اسم الفندق في القصة القصيرة “الأنثى غير المحمية في الأهرام” لأنتوني ترولوب.

ذكرت الكاتبة الإنجليزية أجاثا كريستي، اسم الفندق أيضا في رواية “المنزل الأعوج”. كذلك في روايات إليزابيث بيتر عام 1861، وكان ملهما للأعمال السينمائية، وتم تصوير الفيلم البريطاني “الجمال آتية” عام 1934 في فندق شبرد.

كذلك تحدثت الكاتبة أميليا إدواردز في كتابها الكلاسيكي “ألف ميل على النيل” الصادر عام 1873 عن فندق شبرد. وكتبت عنه: “يتجمع هنا يوميًا ما يقرب من 200 إلى 300 شخص من جميع الرتب والجنسيات. وهنا معاقون يبحثون عن الصحة؛ فنانين يبحثون عن مواضيع؛ الرياضيون الحريصون على اللياقة، رجال الدولة في عطلة، هواة جمع البردي والمومياوات، رجال العلم ذوي الأهداف العلمية، عاطلون عن العمل يحبون السفر. وأشخاص يمضون وقتا بلا هدف”.

فندق شبرد - صورة مُعاد تلوينها
فندق شبرد – صورة مُعاد تلوينها

فيما كتبت الكاتبة الإنجليزية “بلانش ماكمانوس” عن فندق شبرد الكثير من المقالات، خلال فترة عملها في مصر عام 1911، والتي كانت على حد وصفها شيقة. وهذا بعض مما كتبته:

“يحصل المرء على منظر آخر للحياة الغريبة من مقاعد الأوركسترا على شرفة فندق شبرد المطل على النيل. إنه مزيج غريب في الشوارع القديمة في القاهرة. أصبح هذا الفندق الأكثر روعة متفوقا على فنادق أوروبا التي انتشرت في الآونة الأخيرة. وجود فندق شبرد جعل القاهرة ملتقى دوليًا للمسافرين بين الغرب والشرق، لا شيء يحل محل التراس في شرفة بفندق شبرد مع طاولات الشاي الصغيرة المصنوعة من الخيزران. وأنت تشاهد أشخاص من جميع الفئات والمستويات يجتمعون لسماع الموسيقى”.

كلير بوث لوس، الكاتبة المسرحية ، والمشرعة، والدبلوماسية الأميركية ، على شرفة فندق شبرد تناقش خطط جولتها في الشرق الاوسط مع دوغلاس وليامز المستشار الصحافة، القاهرة 1942

كلير بوث لوس، الكاتبة المسرحية ، والمشرعة، والدبلوماسية الأميركية ، على شرفة فندق شبرد تناقش خطط جولتها في الشرق الاوسط مع دوغلاس وليامز المستشار الصحافة، القاهرة 1942
صور نادرة

مع غياب تقنيات التصوير، لا توجد الكثير من الصور لفندق شبرد التاريخي. لكن احتفظ بعض الرسامين بشكله من خلال الرسم في الكتب وأوراق البريد، التي حاول حفيد صاموئيل شبرد جمعها بعد عرضها في مزادات متفرقة على مدار أكثر من 50 عاما.

كان لدى ريشارد بايلاندر من ولاية إلينوي الأمريكية اهتمام خاص بفندق شبرد منذ أن امتلكه جده الأكبر. واستطاع جمع العديد من صور الفندق التاريخي مع تعديلها عبر برامج تعديل الصور لضبط الألوان وحالة الصور.

وقدم تحليلا شاملا لتاريخ الصور التي تبدو أنها لمصور غير معروف. لكن يوجد اسمه في بعض هذه الصور، وفي صورة عام 1890 يظهر الفندق كأنما أعيد بناؤه وإضافة شرفة جديدة.

اقرأ أيضا

أبراج سكنية على أرض متحف بورسعيد القومي

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر