موسم الحكاوي 14| «من آمنك لا تخونه».. من التراث الشعبي بدشنا

الصورة المستخدمة في المقالة من صفحة “موسوعة صور مصر” على “فيسبوك”

يروي عبدالرحيم الغول، 50 عامًا، من عزازية دشنا، حكاية شاب دفعه ظلم أخويه إلى مغادرة بلدته، ليهيم في الصحاري والجبال وهناك يلتقي بباعة الكلام ويشتري كلمات غيرت مسار حياته، وكانت سببا في إنصافه أمام أخوته. ومن هذه الكلمات عبارة «من آمنك لا تخونه».

حكاية مثل «من آمنك لا تخونه»

يقول الغول: “كان ذلك الشاب هو الأخ الأصغر لشقيقيه المتزوجين، وقد خلف لهم والدهم ثروة كبيرة من الغلال والحقول والمزارع، وفي أحد الأيام جلست كلتا الزوجتين معا وتبث كل منهما حقدها على ذلك الفتى الذي سوف يقتسم ثروة أبيه مع أخويه، بالرغم من أنه صغير السن وليس له زوجة أو أبناء، وقررا أن يحرضا زوجيهما على طرده أو منعه من أخذ نصيبه الشرعي..
وبالفعل استجاب الأخوين لتحريض المرأتين واتفقا على دفع شقيقهم الأصغر ترك ثروته بإرهاقه المستمر في العمل، فتفننا في إسناد المهام الصعبة إليه كل يوم، ما بين الحقول والمطاحن والمزارع؛ وفي أحد المرات شعر الأخ الأصغر بالمذلة من كثرة ما يسند إليه من أعمال، بينما أخويه لا يفعلا شيئا سوى إعطاء الأوامر، فصرخ فيهما قائلا: “أليس هذه التركة لنا معا؟ ألستم شركاء فيها؟ فلماذا أقوم أنا بالعمل وحدي بينما أنتم جالسون مع زوجاتكم تنعمون بالمال والراحة؟ لماذا لا تعملون معي؟، فرد الإخوة عليه في برود: نحن تعبنا وعملنا كثيرا مع والدنا الراحل، بينما كنت أنت طفل صغير تلهو، وآن لنا أن نرتاح ونقضي مزيدا من الوقت مع أبنائنا”.
احتدم النقاش بين الأخوة وأبدى الأخ الأصغر رفضه لذلك المبدأ، وطلب من إخوته إعطاءه نصيبه من التركة ليرحل بعيدا عنهم، فقال له أخوه: إن “نصيبك من التركة 300 جنيه فقط، أما الباقي فهو لنا لأنه نتاج كدنا وعرقنا لعشرات السنين”، صمت الأخ الأصغر وقد أدرك أن إخوته طمعوا في حقه، وأن عليه إما أن يقبل بما قسموه له ويرحل أو أن يعيش خادما لهم ولابنائهم طيلة عمره دون مقابل؟ وأخيرا رد مستسلما: حسنا يا إخوتي أعطوني نصيبي حتى أغادر، أخذ الفتى الجنيهات وجمع ثيابه في صرة وغادر هائما لا ينوي على شيء.

بياع كلام

قادته قدماه إلى مكان في الجبل، ليجد رجلا هناك ينادي على بضاعة للبيع، فيهرع إليه أملا أن يكون لديه طعام أو شراب، وعندما وصل إليه سأله: ماذا تبيع يا عم؟ فرد: أنا بياع كلام، فتعجب الشاب قائلا: كلام، ظننتك تبيع طعاما أو شرابا، ولكن قل لي بكم تبيع الكلمة؟
فرد البائع: بمائة جنيه، فأعطاه الشاب المال، وقال له: هات ما عندك، فقال له الرجل: “حب حبيبك ولو كان لونه أسود”، انصرف الشاب باحثا عن طعام أو شراب، ليجد رجلا آخر، فيسأله ماذا تبيع؟ فيرد أبيع كلام، والكلمة بمائة جنيه، فيعطيه الشاب المال، ويقول الرجل الكلمة هي “من امنك لم تخونه ولو كنت خاين”، يمضي الشاب في طريقه، ليتوقف عند رجل ثالث، فيسأله عن بضاعته؟ فيرد: بضاعتي الكلام وسعر الكلمة مائة جنيه، فيعطيه الشاب آخر ما تبقى من نصيبه من تركة أبيه ويقول: أخبرني عن الكلمة، فيرد البائع قائلا: “ساعة الحظ ما تتعوضش”، يغادر الشاب وقد اشترى بكل ما يملك ثلاث كلمات، وتسوقه قدماه إلى قرية فينزل بها أملا في أن يجد عملا أو مكانا يأويه.

حب حبيبك ولو كان أسود

يقع نظر الشاب على طاحونة مهجورة ويتذكر أيام أبيه حين كانت لديهم أكبر طاحونة بالبلدة.. فيسأل بعض أهالي القرية عن تلك الطاحونة ورغبته في أن يعيد تشغيلها.. فيجيبونه بأن الطاحونة مهجورة منذ سنين لأن كل من يدخلها يموت.. لذلك هجرها العمال، ويأس صاحبها منها فتركها. وهنا حدث الشاب نفسه قائلا: “لم أعد أملك شيئا، وقد ظلمني إخوتي.. لأذهب إلى تلك الطاحونة لعلي أجد الخلاص”.
وبالرغم من تحذير الأهالي له، مضى إلى الطاحونة وألقى بجسده على أرضيتها ونام.. وقبيل الفجر بساعة ظهرت له جنية بشعة المنظر.. ومعها بنتين إحداهما شقراء بيضاء شديدة الجمال، أما الأخرى فسوداء فحماء قبيحة المنظر.. قالت له الجنية: سأخيرك بين ابنتي هاتين، فمن تختار؟
تذكر الفتى الكلمة الأولى “حب حبيبك ولو كان أسود”، فاختار السوداء.
وهنا قالت الجنية: “أنت الوحيد الذي اختار السوداء وكل من جاء قبلك اختار البيضاء، فكنت أقتلهم لذلك.. أما وقد اخترت السوداء فسوف أرحل عن المكان واتركه لك”.
وفي الصباح فوجئ أهالي القرية بالفتى وهو ينظف الطاحونة ويشغلها ولم يمت.. واستمر فيها لثلاثة أيام، فاستغربوا وبعثوا إلى صاحبها.. وأخبروه أنا شابا غريبا حضر منذ ثلاثة أيام، وبات في الطاحونة ولم يمت حتى الآن.
حضر صاحب الطاحونة والذي كان من أغنى أغنياء القرية، ولكنه لم يرزق بأبناء.. وسأل الشاب كيف لم تمت وكل من سبقوك ماتوا؟
فرد الشاب: إنها إرادة الله.. فطلب منه صاحب الطاحونة أن يشاركه بالنصف في ربح الطاحونة.. فاستكثر الشاب نصف الربح وقال للرجل: بل سآخذ أنا الثلث وأنت الثلثين.
واستقرت الأحوال بالفتى وقد عادت الطاحونة إلى العمل من جديد.. ولاحظ الرجل الثري إن الفتى شديد الأمانة والإخلاص في عمله.. فازدادت محبته وثقته فيه، وقرر الاعتماد عليه في كل شئونه.

من آمنك لا تخونه

قرر الرجل الثري الذهاب إلى مكة لأداء فريضة الحج، واستودع الشاب أملاكه وأعماله وأوصاه برعاية زوجته في غيابه وقضاء حوائجها، وفي أحد المرات استدعت الزوجة الشاب في بعض الأعمال بالمنزل، وهناك راودته عن نفسه، فتذكر الكلمة الثانية “من امنك لم تخونه ولو كنت خاين”، فدفعها في عنف وفر هاربا إلى الطاحونة التي كان يبيت فيها، شعرت الزوجة الخائنة بالغضب الشديد لإهانتها من ذلك الشاب، وقررت أن تكيد له عند زوجها، فمزقت ثوبها ووضعته في صرة، وعند عودة زوجها من الحجاز، أحضرت الصرة وقالت لزوجها: “انظر ماذا فعل رجلك الأمين، لقد مزق ثيابي وحاول النيل من شرفي لولا أن دفعته خارج المنزل، لابد أن يقتل ويقطع”، يتعجب الرجل من ذلك لثقته الكبيرة بالشاب، ولكن أمام إصرار زوجته وتأكيدها على فعلته وافقها على قتل الشاب، فأرسل لعبدين من عبيده ويقول لهما: سوف تختبئان في بستاني البعيد، وأمري لكما أن تقتلا أول شخص يحضر إلى البستان حتى لو كنت أنا أو زوجتي، وبعد قتله قطعوه وتركوه للكلاب لتأكله”، فرد العبدان: “سمعا وطاعة ياسيدي”، ذهب الرجل إلى الطاحونة وهناك أمر الشاب بأن يأخذ طعاما إلى البستان البعيد لإطعام الفلاحين هناك، أخذ الشاب الطعام وقصد البستان البعيد وهو لا يعرف ما دبره الرجل الثري له.

ساعة الحظ ما تتعوضش

في طريقه للبستان، وجد الشاب بعض عازفي الربابة والمزمار، ومباراة التحطيب.. فتذكر الكلمة الثالثة “ساعة الحظ ماتتعوضش”.. فتوقف للاستماع إلى العزف وشارك في الرقص والتحطيب، فغاب عن مشواره ما يزيد عن الساعة.
وأثناء ذلك أرادت الزوجة أن تتأكد من موته وتقطيعه، فذهبت إلى البستان البعيد. ووصلت قبل الشاب.. وبمجرد أن وصلت، انهال عليها العبدان بالفؤؤس فقتلوها وقطعوها كما أمر سيدهما من قبل “اقتلوا وقطعوا أول من يدخل البستان.. حتى لو كنت أنا أو زوجتي”.
وبعد لحظات وصل الشاب إلى البستان ليجد الزوجة مقتولة.. فيذهب إلى الرجل الثري ويخبره بما حدث.. فيسرع بالذهاب إلى البستان، ويسأل العبدان: كيف فعلتما ذلك؟
فيردا فعلنا كما أمرتنا، فقد كانت زوجتك أول من حضر إلى البستان.. نظر الرجل إلى الشاب في عطف واحترام وقد أدرك أنه لم يخنه.. وصارحه بأنه هو من كان المقصود بالقتل بعد أن أخبرته زوجته أنه راودها عن نفسها.
انفعل الشاب قائلا: هي راودتني عن نفسي وانأ لم أخنك، فرد الرجل: حسنا، ولكن أخبرني ما حكايتك.
جلس الشاب وقص على الرجل حكايته منذ أن ظلموه إخوته.. وتنقل في الجبال وقابل بائعي الكلام واشترى منهم الكلمات الثلاث التي كانت سببا في نجاته.. في المرة الأولى من الجنية، التي كنت تقتل كل من يدخل الطاحونة.. والمرة الثانية حين رفض الانصياع لرغبات الزوجة.. والمرة الثالثة حين توقف للاستمتاع بالغناء والرقص لينجو من القتل.
تعجب الرجل من قصة الشاب، وأحس بأن الله قد بعثه ابنا له، بعد أن حرمه من نعمة الإنجاب. فقال للشاب: من اليوم أنت ولدي، وسأهب لك كل ما أملك”.

عفوت عنكم

بعد فترة من الزمن مات الرجل الثري وآلت كل أملاكه للفتى، الذي أصبح من أثرى أثرياء القرية، وأرسل بعض رجاله ليتحسسوا أخبار أخويه، فعرف أن أحوالهم تدهورت، وقد فرغت المخازن وخربت المطاحن وبارت الحقول، وأنهم يفكرون في بيع ما لديهم للإنفاق على أسرهم، فوكل الشاب أحد رجاله  لمراقبتهم وعندما عرف نيتهم لبيع شيء من ممتلكاتهم فليشتريه، ومع الوقت راح الأخوين يبيعا ما لديهم شيئا فشيئا وفي كل مرة كان أخاهم يشتري منهم، وأخيرا باعوا المنزل، وأقاموا في عشة بجانب النهر، لم يرض الشاب النبيل أن يقاسي إخوته مرارة وذل الفقر، فذهب إليهم في عشتهم، وكشف عن حقيقة أنه اشترى جميع ممتلكاتهم بما فيها المنزل حفاظا على ميراث والده، وقال لهم: بالرغم من أنكم ظلمتموني، إلا أنني لا أرضى لكم الهوان، فعودوا إلى منزلكم وعودوا إلى حقولكم وأعمالكم، أما أنا فقد عفوت عنكم، عسى الله أن يعفو عنكم”.
للاستماع للحكاية اضغط هنا
مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر