تجربة الفرنسي “توماس” في تحويل رواية مصرية إلى “كوميكس”

أقيم خلال مهرجان كايروكوميكس الثاني لقاء جماهيري مع الفنان الفرنسي توماس آزويلوس، رسام القصص المصورة، الذي قدم بدوره قصة مصورة، مستلهمة من رواية “اللجنة” للكاتب صنع الله إبراهيم “قصة مستوحاة من الرواية بشكل حر”.

يذكر أن مهرجان كايروميكس هو مهرجان مختص برسوم القصص المصورة (الكوميكس)، ويقام للعام الثاني في حرم الجامعة الأمريكية، ويهدف إلى التركيز على الطرق التي يحكي بها الفنان قصته مهما كان أسلوب رسمه.

الفرنسي توماس آزويلوس تحدث مع الجمهور عن تجربته فى تحويل الرواية إلى كوميكس، وعن مدى الالتزام بالنص الأصلى للرواية.

يذكر أن آزويلوس أقام في مصر لفترة طويلة، وخلال إقامته بدأ بقرائة رواية صنع الله ابراهيم “اللجنة” وكانت مترجمة باللغة الفرنسية، وهي أول رواية يقرأها آزويلوس من الأدب المصري، ووصفها بأنها استثنائية.

أحداث الرواية، التي تناولها الفنان بالرسم، تدور في مصر خلال فترة زمنية تبدأ من أول عقد الثمانينيات، وشهدت توترًا سياسيًا بعد اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، وكانت الفترة التي سبقت ذلك مليئة بموجات من الاعتقالات لمختلف الاتجاهات السياسية وللكتاب والمبدعين.

رواية اللجنة

بطل الرواية كان يسعى لتحقيق النجاح في المجتمع عن طريق مقابلة اللجنة، هذه اللجنة التي يحيط بها الغموض، فلا أحد يعرف حقيقة ما إذا كانت موجودة أم لا ومن هم أعضاؤها.

لكن الرواي يقابل اللجنة وتناقشه ثم تكلفه ببحث موضوع عن أهم شخصية عامة في المجتمع، وبالبحث عن مركز القوى في المجتمع توصل إلى شخصية الدكتور، وهو شخصية تتحكم في الكثير من الأمور من خلف الكواليس، ويكتشف الراوي أبعاد مخفية، فيتحول من الواقع للروئ المسرحية، حتى أن شعوره بالوحدة الشديدة يقوده لكثير من الخيالات.

الفنان بدأ العمل على الرواية عام 1997، وواجه صعوبات في تحويل أحداثها ومعالجتها إلى كوميكس، لأنه كان يرى تشابهًا بين أسلوب الرواية وبين أسلوب كافكا، وكذلك لأن طابع الراوي يميل إلى الحكي، فأغلب الأحداث كانت داخل رأس بطل الرواية، فترك توماس العمل على مشروع الرواية ثم عاد إليه عام 2011 عقب ثورة 25 يناير.

الرجوع إلى “اللجنة”

يقول توماس: بعد عدة محاولات للرجوع إلى المشروع وزيارات عدة لمصر وجدت أن المصريين لديهم تسليم بفكرة الانقياد للجمع “هيه كده عشان لازم تكون كده”، لكن حدوث الثورة غيرت تلك الفكرة  وعدت مجددًا لأحول “اللجنة” إلى كوميكس.

توماس أجرى مسلسلا للأحداث بعيدًا عن الرواية، وبدلا من أن تدور الرواية خلال عدة أشهر، جعلها في الكوميكس تدور خلال سنوات عديدة بدأت من عام 1981 بعد اغتيال السادات 2011 فى ميدان التحرير.

والبعد الأدبي للرواية جعل صنع الله ابراهيم دقيق في بعض التفاصيل الفنية، بينما في تحويلها للكوميكس بهذه الدقة والتفاصيل هو أمر غير محبب، وهناك أبعاد لبناء الحكاية في الكوميكس غير موجودة في الرواية الأصلية بأسلوب صنع الله، فمن هم اللجنة ومن هو الرواي تلك أشياء تعمّد صنع الله تركها لخيال القارئ بإجاباته الخاصة.

اهتم توماس بالتوازن بين البعدين التوثيقي والفني المسرحي في الكوميكس، فاختار تقسيمًا لأبواب الكوميكس طبقًا للتايخ المعاصر خلال أحداث الثلاثين عامًا، فبداية الكوميكس توثيق للسيدة زينب، من حيث المكان والناس وتنوع الأزياء بين الزي الريفي وزي الحضر، وكذا المعيشة في الأحياء الشعبية في مصر.

في حي السيدة

والأبواب الأخرى في الكوميكس تنتقل من السيدة زينب إلى ميدان طلعت حرب، ليتعمق في وسط المدينة، وينتقل من مشهد إلى آخر، وينقل مشهدًا عن موظفي الحكومة المصرية، ومشهد عن تحضير الموازنة المصرية وبداية الخصخصة والقطاع العام في مصر، والنيوليبرالية، والاقتصاد الشرس في مصر، والإعلانات وجذب الرؤية، وباب كامل عن أحداث المحلة الكبرى في 6 أبرايل 2008، ودور النقابات العمالية في مصر وسلسلة أحداث سبقت 2011، وفي كل هذه المشاهد البطل يبحث عن اللجنة، ويحقق حلمه بمقابلة اللجنة وتحقيق النجاح الشخصي وفى المقابل المجتمع المصري يتجه بشكل عكسي نحو الانفجار الثوري، والبطل بدلا من الوصول إلى الدكتور يصبح هو الدكتور.

الكوميكس بالرغم من بعده عن الرواية الأصلية إلا أنه قريب من منطق الرواية، والاهتمام بما وراء الواقعية وعدم الانقياد للخطاب الرسمي أو الرواية الحكومية للأحداث، ورسالة الرواية الأصلية هي عدم الانسياق خلف الخطاب الرسمي أو الخطاب الجمعي السائد، واكتشاف الأسطورة التي تؤدي إلى الرقابة الذاتية من الفرد للحفاظ على إطاعة قواعد السلطة، فالناس في تركيا تؤمن بخطاب السلطة حول إنكار مذابح الأرمن، وفي إسرائيل يؤمنون برواية أنه لم يكن هناك قبل 48 غير الحجر.

يأمل توماس بترجمة الكوميكس إلى العامية المصرية، وأن تكون متوفرة في المهرجان الكتاب المقبل.

أما الأدب يعتمد بشكل أساسي على اللغة وإتاحة الفرصة لخيال القارئ، لتخيل الصور والرؤى والموسيقى كذلك، إلا أن الكوميكس يقدم تلك الخيالات والصور مرسومة ومصنوعة، كما يقدم التسلسل الزمني بين كل خانة وأخرى.

وصعوبة معالجة رواية اللجنة جاءت بسبب أن الراوي فيها هو البطل ويستخدم ضمير المتكلم أنا، وتحتاج لإقناع المتلقى بأشياء خيالية مثل جملة “إن كل الحروب تبدأ وتنتهي بكوكاكولا”

وهناك مدرستان لتناول البطل في كوميكيس، الأولى هي الأمريكية وتعتمد على البطل السوبر، ويعرف في الصور من اسمه المكتوب على ملابسه، والثانية هي المدرسة البلجيكية التى تضع سهمًا يشير إلى البطل في الصور، وفى كوميكس اللجنة كان البطل موجود فى كل الأبواب ولكن بشكل مختلف في كل باب .

عن توماس أزيلوس

Thomas Azuélos ولد عام 1972 فى منطقة سيتا- هريوليت بفرنسا، درس الفنون التشكيلية بمونبليه وإيكس أون بروفانس، وهو رسام قصص مصورة وكاتب لها، عمل فى العديد من المجلات منها اللومند au Monde, au Monde de l’Argent, au Monde des Livres، كما قدم معالجات لكتب مثل تيليماكوس لديفيد كالفو، وإخناتون لديفيد كالفو، الوصيفة مارتيني، وليلة الأطفال، وفانتوم الأرمني .

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر