“البيت النوبي” في الأقصر.. هنا يحافظ النوبيون على تراثهم

على مقربة من كوبري البغدادي، الرابط بين شرقي الأقصر وغربها، يجذب أنظارك على الطريق بيت، شيدت عمارته بقباب مزخرفة بفنون من التراث النوبي الأصيل.

عندما تجتاز البيت أول ما يقابلك صالة استقبال الزوار يتوسطها  “مندرة” مربعة الشكل محاطة بستائر مزخرفة بثمار الدوم، وعلى أطرافها مداخل لكل بيت من بيوت الحرف المختلفة التي يحويها البيت الكبير.

تاريخ الإنشاء

تقول المهندسة إيمان عياد، مدير البيت النوبي، أنشئ عام 2007 في عهد الدكتور سمير فرج محافظ الأقصر الأسبق، وكان الهدف منه الارتقاء بصناعة الحرف النوبية والحفاظ على هذا التراث من الاندثار، وتعويض أبناء النوبة المهاجرين عن بيئتهم الطبيعية التي افتقدوها بعد تهجيرهم.

يلتقط طرف الحديث منها جمال لطيف، مدير المبيعات بالبيت النوبي، وهو فنان نوبي الأصل، متناولًا الظروف التي مهدت لإنشاء “عام 2007 كان محافظ الأقصر الأسبق سمير فرج يزور قرية منشية النوبة بالطود، فأعجب بالمنازل هناك، التي أنشئت في الجبال على شاكلة البيت النوبي الحالي، وانبهر بتصميماتها المختلفة، فاقترح عليه عدد من شباب القرية إنشاء مركز يحفظ هذا التراث من الزوال، وهو ما قد كان”.

يتابع أن المحافظ خصص المكان ليكون على مقربة من قرية منشية النوبة، حيث يسكنها النوبيون بعد عمليات تهجيرهم عام 1933، خلال تعلية خزان أسوان لاستكمال بناء السد العالي، وتكلف إنشاء البيت 15 مليون جنيه.

هندسته المعمارية

في مظهره وتكوينه لم يكن مكانًا لحفظ التراث فحسب، بل نفذ صورة طبق الأصل من البيوت النوبية الأصلية، فالرسوم التي تزين الجدران من الطبيعة النوبية، تقص عاداتهم وتحكي عن تقاليدهم.

ومن الخارج تبهرك القِباب فوق كل بيت، التي  صُممت بهدف توزيع حرارة الشمس، حتى لا تكون مسلطة بشكل عمودي على سطح أفقي فتنقل كل الحرارة إلى داخل البيت.

التصميمات تحمل حضارة وهوية معمارية مختلفة تُعبِّر عن ذوق رفيع ووعى بالبيئة وباحتياجات الفرد، مستخدمة في ذلك منتجات طبيعية.

عم جمال اصطحبنا في جولة داخل البيت للتعرف على محتويات هذا الإرث النوبي، فالبيت يحتوي على عدة بيوت، وكل بيت مخصص لحرفة معينة من حرف النوبة وفنونها، حتى تلك المهن أو الحرف التي استحدقت لمواكبة العصر، مثل صناعة غطاء الهاتف المحمول “الجراب”، فقد صمم من الخرز بأشكال من وحي الفن النوبي.

يقول عم جمال إن البيت يحوي بداخله 6 غرف كل منها بها فتيات يعملن في حرفة تختلف عن الأخرى ومنها:

بيت الخوص والجريد

في أحد غرف البيت معروضات لحقائب ذات ألوان وأشكال مختلفة، تصنعها أيادي العاملات بالبيت، قد لا تصدق أنها مصنوعة من خوص النخيل.

ما زلنا مع عم جمال الذي يقول “خوص النخيل الذي يحرقه بعض الناس نحوله نحن إلى أدوات مفيدة، منها الشنط التي تستخدم في التسوق وأخرى لحفظ الأغراض الشخصية، كما نتعاون مع بعض المزارعين لشراء الخوص الأصفر لاستخدامه في صناعة منتجات البيت.

انتقلنا مع عم جمال إلى بيت آخر، حيث حرفة الفركة.

حرفة الفركة

على مشغل من الخشب، تفرد إحدى الفتيات النسيج، تظل في عملها ذلم لساعات طويلة خلال النهار، لتحول خيوط الأقمشة الرفيعة إلى حجاب ذي ألوان رائعة يعرض في البيت للبيع بأسعار مخفضة.

الخرز والمشغولات اليدوية

إلى جانب غرفة الفركة نجد غرفة مجاورة وقد اجتمع عدد من الفتيات، وانهمكن في تشكيل الإكسسوارات “الهاند ميد”، بشكل مبهر، بجانب المصوغات المزركشة برسومات نوبية، ومنها: القرط، والسلسلة، والعقد، والإسورة، إضافة إلى الميداليات ذات الألوان المبهجة.

صناعة الفخار

داخل الغرفة الخاصة بصناعة الفخار، محرقة لحرق الطين وتحويله إلى طين أحمر يستخدم لصناعة الفخار، هناك تجد أشكالًا مختلفة من الطين وألوان مختلفة أيضًا.

وتتنوع الأشكال بين الأواني الفخارية والفناجين، وتماثيل تعبر عن البيئة النوبية، وأدوات زينة ومبخرة كل هذه الأدوات يصنعنها الفتيات.

يجاور غرفة الفخار أخرى لصناعة الشنط والحقائب المختلفة للفتيات وقد صنعت من الجلد على أشكال تواكب العصر، فمنها شنط “الكتف”، وأخرى “كروس” وأخرى تحمل باليد دون رابط أو حامل.

كما توجد غرفة  لصناعة السجاد، ويقول عم جمال إنه من الممكن أن يأتي المشترون الذين يطلبون نوعًا محددًا من السجاد بألوان بعينها، فيصنعها الفتيات بحسب المواصفات المطلوبة فقد أصبحن ماهرات.

وعن جمهور البيت النوبي يوضح عم جمال أن مبيعاته لم تقتصر على جمهور بعينه أو فئة بعينها، بل كل منتجاته مطروحة لجميع المواطنين.

ويشارك البيت النوبي بعرض منتجاته بمعرض ديارنا التابع لوزارة التضامن الاجتماعي، والذي يقام كل عام، والمقرر إقامته في الفترة ما بين أغسطس الحالي وسبتمبر المقبل، لكن حتى الآن لم يحدد موعده.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر