«أرشيف شبرا»: مينا إبراهيم والبحث عن المدينة القديمة

كان لنشأته في حي شبرا الأثر الأكبر في تكوينه. طالما أعجب بالحكايات التي رويت عن الحي والتحولات الكبرى التي عاشها. من هنا فكر في استدعاء ذاكرة الحي الذي نشأ بداخله.

لم يكن مينا إبراهيم، مؤسس مشروع “أرشيف شبرا” واثقا في البداية من قدرته على الوصول إلى حلمه. حيث ظل لما يقرب من خمس سنوات يحلم بتوثيق تاريخ حى شبرا، ويفكر في الصيغة الأكثر ملائمة لهذا الأمر. اهتدى إلى فكرة البحث عن التراث الشفاهي الذي تختزنه ذاكرة سكان الحي. وقبل عامين بدأ مشروعه يرى النور. «باب مصر» يتحدث معه للاقتراب أكثر من المشروع.

تغيرات عمرانية

يتحدث إبراهيم عن رحلته داخل حي شبرا لاستجماع تراث المدينة. كانت البداية أثناء إعداده لرسالة الدكتوراه والتي كان جزءا منها عن شبرا. فكر حينها في إعادة تقديم شبرا بعيدا عن الجانب الأكاديمي الذي تناولته الأبحاث، إذ بدأ يوثق للمدينة، فقدم رفقة مجموعة من الباحثين دراسات لحي شبرا وتحديدا عن التراث غير المادي الموجود داخلها، والذي وفقا لما يقول لم يتم تناوله بالقدر الكافي، فقد أراد من خلال مشروعه توثيق سينمات شبرا التي تم هدم أغلبها، وكذلك رصد التغيرات العمرانية التي حدثت داخل المدينة وحتى اليوم.

تأريخ شفاهي

كانت دراسة مينا الأساسية هي «الأنثروبولوجي» التي حاول أن يربط بينها وبين دراسة التراث. أطلق مبادرته، وخصص مكان للمشروع لخلق ذاكرة تاريخية للمدينة. وقد قام بعد ذلك بعمل زيارات ميدانية مع الأشخاص الذين عاصروا الحي بشكله القديم، وشاهدوا التحولات الموجودة داخله خلال السنوات الماضية، وذلك لتقديم تأريخ شفاهي عن الحي. وبالتوازي مع ذلك  بدأ عملية جمع الخطابات القديمة الموجودة بالحي، وكذلك الأحياء المجاورة له، في محاولة منه وفريقه لبناء القصص المستندة على هذه الخطابات “نحاول إتاحة هذه الوثائق فيما بعد، لأن المشرع في الأساس يهدف لإتاحة الأرشيف للناس كي يطلعوا على تراثهم الموجود داخل المدينة”.

مينا إبراهيم، مؤسس مشروع "أرشيف شبرا"
مينا إبراهيم، مؤسس مشروع “أرشيف شبرا”
أرشفة ترام المدينة

يقول مينا: “خلال الفترة الحالية نركز على فكرة أرشفة ترام القاهرة. إذ قمنا بتجميع للوثائق التاريخية التي تناولت الترام، وكذلك قمنا بجمع التراث الشفهي حول ذكريات الناس مع ترام القاهرة، وقمنا –أيضا- باستدعاء المشاهد السينمائية الموجودة داخل الأفلام وكذلك الروايات التي حكت عن ترام المدينة وذكريات الناس معه، لأننا نرغب في إعادة بناء الذاكرة الجمعية للترام الذي تداخل ونشأ داخل القاهرة، فهو لم يعد موجودا داخلها خلال الوقت الراهن لذلك كان لابد من تنفيذ المشروع لاستدعاء الذاكرة”.

ويستطرد: نحن-حاليا- في المراحل النهائية من المشروع. إذ أننا من خلال البحث والتدقيق اكتشفنا أن الترام لم يكن مجرد وسيلة مواصلات، لكنه كان مكان للترفيه، وكذلك في بدايته كان مكانا “للخناقات” إذ كان يتشاجر العمال المصريون مع العمال الأجانب في بداية الأمر عندما أنشأته الشركة البلجيكية. وكان مكانا للخلافات الطبقية التي كانت تحدث بين الأغنياء والفقراء داخل المدينة. كما اكتشفنا أنه كان محببا للعلاقات العاطفية، والكثير من الذكريات الأخرى التي قمنا بتجميعها؛ فمن خلال الترام بدأنا نبني قصتنا في التوثيق عن الحي التاريخي”.

يضيف مينا: “عملية جمع التراث الشفاهي تمت من خلال إجراء حوارات مع سكان الحي. فرغم تخوفهم في البداية، لكننا بدأنا أولا التوثيق مع عائلتنا، ثم بعد ذلك قمنا بعقد حوارات مع المقربين منهم، وبعدها انطلقنا لشوارع المدينة المحيطة بنا، وبدأنا نروج الفكرة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي. ولاقت الفكرة  قبولا من المواطنين داخل القاهرة”.

الترام في شارع شبرا أوائل القرن الماضي
الترام في شارع شبرا أوائل القرن الماضي
نقطة انطلاق

رغم أن المشروع  يسمى “أرشيف شبرا” إلا أن  مينا يري أنه يخص تراث المدينة ككل (القاهرة). ويقول: “هذا الاسم كان رمزيا في محاولة منا لتخصيص مكان لأرشفة تاريخ شبرا داخله. لكن المشروع نفسه نسعى من خلاله لتوثيق ترام القاهرة ككل وليس شبرا وحدها، فالترام داخل المدينة كان متعدد الاتجاهات. وقد ربط شبرا بالأحياء المحيطة بها. وفي نفس الوقت فمشروع توثيق ترام شبرا أضاف إلينا الكثير، نظرا لأنه كان نقطة انطلاق حقيقية نحو توثيق المدينة. هذا المشروع هو مجرد بداية لتوثيق أحياء القاهرة ككل فيما بعد. وبالفعل في شهر مارس الماضي قمنا بتنفيذ ورشة مع جمعية خزانة للتراث، وكانت حول “شبرا الترفيهية”. إذ قدمنا خلالها نبذة عن الأماكن الترفيهية الموجودة داخل حي شبرا. قدمنا عرضا للسينمات والمقاهي، وكذلك الرحلات النيلية التي كانت موجودة داخل الحي”.

يضيف: استمرت الورشة لمدة تقترب من الشهر والنصف. قدمنا خلالها تأريخا لكرة القدم، والتي ازدهرت داخل شبرا من خلال نادي إيسكو. وهذا الأمر فتح لنا أفكار جديدة، في محاولة منا لتوثيق الأندية الشعبية التي تواجدت داخل الأحياء الشعبية. لذلك نحاول في الوقت الراهن دراسة المدينة من خلال الناس، التعرف على طريقة معيشتهم داخلها.

فالترام مجرد نقطة انطلاق لأمور كثيرة، مثله مثل كرة القدم. فهناك الكثير من الذكريات الشفهية التي يحملها الناس عن هذه الرياضة داخل المدينة والتي نسعى لتوثيقها وجمع المادة الشفاهية حولها.

صدفة بحتة

يقول مينا: “نحن في الأساس نوثق الأشياء التي أحبها الناس داخل المدينة. فأنا وثقت سينمات شبرا تحديدا لأني وجدت أن الناس داخل الحي أول شيء يتذكروه حين يتحدثون معي كانت السينما التي ظلت عالقة في أذهانهم، وعلاقتهم بها وذكرياتهم معها. والأمر نفسه مرتبط بالكرة، فالناس هم من يفرضون علينا المشاريع وكأنهم “نداهة” وهم من يحددون لنا رؤيتهم عن المدينة التي أحبوها وعاشوا داخلها من خلال حكايتهم”.

أما بخصوص الوثائق التي جمعوها حول ترام المدينة، يقول مينا إنهم وجدوها داخل “سوق الأنتيكات” وكذلك دار الكتب: “هذه الوثائق وجدناها بالصدفة البحتة أثناء بحثنا عن تذاكر للترام “. ونستعد خلال الوقت الراهن لتنفيذ كتاب عن هذا المشروع، وذلك بالمشاركة مع دار “هن” للنشر والتوزيع، فالكتاب سيكون متعلق بالأبحاث التي كتبها الباحثين خلال المشروع.

وفي 16 يونيو الجاري سننشر كتالوج يتضمن ملخصا للمشروع، يوضح ما توصلنا إليه وكذلك المنهجيات التي اتبعناها. وفي العام المقبل سيتم ترجمة بعض هذه المقالات مع الجامعة الأمريكية”.

اقرأ أيضا

«أماني محفوظ» فنانة تشكيلية تحول «القلل» لأنتيكات بصورة عصرية

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر