اليوم ذكراه: كيف ألهم مصطفى كامل شعراء المناسبات الوطنية؟
آمن الزعيم الراحل مصطفى كامل (14 أغسطس 1874- 10 فبراير 1908) بأن الثقافة هي السلاح الجوهري لارتقاء الشعب واستقلاله، فقد كان ظهوره بالحياة السياسية امتدادا للثورة العرابية، ولكن مع الفارق بأن كامل يعد من أوائل المثقفين الذين آمنوا بثورة الشعب، ودعا كل رجال الثقافة إلى الانضمام إليها باعتبارها وسيلة تحرر.
محمد عبده
الوعي والمعرفة أسلحة أساسية من أسلحة النصر، استطاع الزعيم مصطفى كامل أن يحدد من خلالها معنى وهدف عميق للثقافة وربطها بمصير الشعوب، ولم يكن لم يكن فيلسوفا بنقل المبادئ والأفكار مثل المفكر لطفي السيد ولم يكن مصلحا اجتماعيا مثل الإمام محمد عبده، بل وضع مفهوما جديدا للثقافة ودورها، «الثقافة هي السلاح الأهم في الثورة» مبدأ سار عليه الزعيم المصري الذي يحل اليوم ذكرى ميلاده، معتبرا المثقفين هم الفئة التي تقع على كاهلها عبء قيادة الشعب في كل زمان. لم يؤمن مصطفى كامل بالإصلاح التدريجي البطيء كما آمن الشيخ محمد عبده، فقد رأى مصطفى كامل أن حل المحنة التي يعيشها الشعب تتخلص في أمرين هما «الثورة والوعي» فقط. وكانت قد تحولت نظرة الإمام محمد عبده من الصوفية إلى الفلسفة والكتابات الأدبية، بعد نفيه من مصر إلى لبنان وأثر عليه هناك جمال الدين الأفغاني، ووفقا لما ذكر في كتاب «عبقري الإصلاح محمد عبده» للكاتب محمود عباس العقاد، فإن محمد عبده كان ثائرا لكنه لم يكن عرابيا ولم يؤيد يوما الثورة العرابية ومبادئها.
أحمد لطفي السيد
كان هناك نوع آخر من المثقفين في عصر مصطفى كامل، ولكنهم استخدموا ثقافتهم للتعبير عن طبقة معينة فقط في مصر – الإقطاعيين وأصحاب المصالح – كما كان يُطلق عليهم حينها، وظهر هذا التيار الثقافي في تأسيس المفكر والفيلسوف المصري أحمد لطفي السيد لجريدة «الجريدة».واعتبر المحيطون بـ لطفي السيد أنه المفكر الأول لهذا التيار، وكان ينادي بالحرية والاستقلال وبأن تصبح مصر للمصريين مع المناداة بالدستور والنظم الديموقراطية ولكن أفكاره انحصرت فى الدفاع عن طبقة واحدة في المجتمع المصري.
الثقافة سلاح
اعتمد كامل في كفاحه على وسيلتين الأولى هي تنبيه الرأي العام الأوروبي للقضية المصرية، والثانية توعية المصريين بقضيتهم، واستعمل في كلتا الوسيلتين وسيلة واحدة اعتبرها أقوى من الأسلحة وهي «الثقافة».رحلة إلى أوروبا تلو الأخرى اعتمد في كل منها على إلقاء الخطب في المناسبات مع تقديم بيانات واضحة عن الوضع السياسي في مصر، مثل البيان الذي قدمه في عام 1895 باسم الأمة المصرية لرئيس مجلس النواب الفرنسي.ولم يكتف حينها بتقديم البيان فقط، بل اعتمد على وسيلة أخرى تجسد فيها مقولة «الصورة بألف كلمة» من خلال تقديم لوحة تصور حال مصر في الديموقراطية الغربية، مع الكتابة بالصحف الأوروبية ومنها صحيفة اعتاد الكتابة بها وهي «لانوفل ريفير» من إصدار مدام جوليت آدم (والدته الروحية). دافعت مدام جولييت عن قضية مصطفى كامل بكل الطرق الثقافية الممكنة، مقالات عن مصر والتنديد بالاستعمار البريطاني، ونشر صور من مصر وغيرها من الوسائل الثقافية والتي اعتبرتها إنجلترا بمثابة تهديد قوي لها وحاربت مصطفى كامل وكل معاونيه ومنهم مدام جولييت.
تثقيف المصريين
الاعتماد على الثقافة كانت وسيلته في أوروبا، وفي مصر من خلال توعية المصريين أنفسهم وذلك بعدما اتضح له عدم الاعتماد على فرنسا، عندما انكشفت له العلاقة النفعية الاستعمارية بين إنجلترا وفرنسا في عام 1904 .. وقال :«إننا لم نيأس، ولن نيأس أبدا من مستقبل الوطن العزيز، ولكننا يائسون من تعضيد يأتينا من أوروبا». تحول الاهتمام من إلقاء الخطب في أوروبا إلى تعليم المصريين وقال مصطفى كامل: «لقد أصبحنا نوجه همتنا ونشاطنا لتعليم الأمة وتربيتها بإنشاء المدارس في أنحائها، حيث ينشأ الشباب على أشرف المبادئ الوطنية ويربون على الثقة بالمستقبل». إيمانه بالثقافة باعتبارها سلاح جوهري لارتقاء الشعب واستقلاله، ولم تقتصر جهود مصطفى كامل بالحديث عن المطالب فقط بل امتدت إلى التنفيذ على أرض الواقع، ففي عام 1898 أنشأ مدرسة تحمل اسمه، وكان الهدف من تأسيسها كما قال مدام جولييت في كتاب «إنجلترا في مصر»: «أن يقدم للنشء المصري تربية وتعليما وطنيا». وكان يؤمن أن هذه المدرسة بذرة لجيل يشأ على التعليم الوطني، وسيؤثر في مصير الوطن المنكوب في ذلك الوقت بالاحتلال، وألقى خطابا في المدرسة بعد تدشينها، قال فيه: «لا ريب أنكم معشر المتعلمين، النابغين في المعارف والآداب، أول من يسأل عن خدمة مصر». وتوالت جهوده بإنشاء نادي يكون ملتقى لجمع المثقفين فقط وأطلق عليه اسم «نادي المدارس العليا» وتخصصت الموضوعات في زيادة شعورههم بمسئوليتهم تجاه قضية مصر، فقد كانت الثقافة في رأيه هي الوسيلة الفعالة للكفاح.وعندما أنشأ جريدة «اللواء» اعتبرها الشباب المثقف لسان الشعب المصري وعندما ثار طلبة كلية الحقوق على المستشار الإنجليزي «دنلوب» وأعلنوا إضرابهم، ثم ذهبوا إلى الجريدة والتفوا حول مصطفى كامل.
ملهم الشعراء
سرت روح الوطنية في الشعراء المصريين، في مطلع هذا القرن، واتخذوا من تعبيرهم عن الوطنية طابعا متميزا، فلأول مرة في الشعر الحديث أصبحت الوطنية «عاطفة»، ووفقا لما ذكر في مجلة «الإثنين والدنيا» في عام 1958، اتضح هذا في الأعمال الوطنية لشعراء مطلع القرن العشرين لـ أحمد شوقي، أحمد محرم وعلي الغاياتي. وكان هذا التيار الوطني في الشعر مستوحى من شخصية مصطفى كامل، وانعكاسا لأسلوبه في الكتابات والخطابات، والتي عكست مشاعره تجاه مصر، وأثرت في الأدب والشعر المصري، ومن أبرزها ديوان «وطنيتي» لـ علي الغاياتي الذي كتب مقدمته محمد فريد، وحوكم هو والشيخ الغاياتي بالسجن بسبب الديوان الذي تمت مصادرته بعد أيام من صدوره.