من أمثال التراث الشعبي.. “من ذاق عرف”
تصوير: أحمد دريم
فى حوار خاص قبل وفاته بشهور، حظيت ولاد البلد بلقاء قمة من قمم التراث الشعبي المصرى د. إبراهيم عبد الحافظ، رئيس قسم الأدب الشعبى بالمعهد العالى للفنون الشعبية بأكاديمية الفنون، والحاصل على درجة الماجيستير فى الأدب الشعبى، والدكتوراة في فلسفة الأدب الشعبي.
هذا الرجل أنار لنا الطريق الذى يفسر علاقة المصريين بأولياء الله وجذور هذه العلاقة المتشابكة وفلسفتها ليؤكد على أن الواقع المصرى أبلغ كثيرًا مما يبدو.
واحتفالا بمولد السيدة زينب ننشر هذا الحوار:
“اللى معاه ربنا يمشى على الميه؟” من التراث الشعبي
هذا المثل الشهير المأخوذ من التراث الشعبي يؤكد على أن العلاقة صافية بين المصرييين والله.. والتراث الشعبي يؤكد على أن الله ينصر المظلوم، وأنه معه دائمًا ولو بعد حين، وهذا اليقين هو سر بقاء هذا الشعب وهو فى حد ذاته انتصار.
“فكرة الله فى مفهوم الإسلام ومع نزول القران، وظهور علم الكلام. وعلماء الكلام اختلفوا في تفسير الكلام.. فمنهم من قال بأن الله “ليس كمثله شئ”، مثلما ورد في القرآن، يسمع وليس كسمعنا. وآخرون قالوا نحن بدعة من الله ولذلك نبصر. ومن هنا امتزجت هذه الآراء، يقول الدكتور إبراهيم عبد الحافظ.
ارتباط التصوف بالزهد في التراث الشعبي
ويضيف أن بداية ارتباط التصوف بالزهد تعود لعهد الرسول.. ثم ظهر التصوف الفلسفى عند المسلمين ومن أشهر أعلامه: الكندى والفرابى وابن عربي.. وكان جل اهتمامهم بفكرة الحدود والاتحاد مع الله وهذه أفكار عميقة فى الفلسفة.
“إذا هناك التيار الفلسفي والتيار الشعبي اللذان جمعا كل هذه المعتقدات.. وأصبح لدينا تصور عن الصوفية يتجسد في المشايخ الذين يجمعون حولهم مجموعة من المريدين.. ويقيمون الحضرات، ويمارسون فيها طقوس الذكر والأدعية وقراءة الأوراد التابعة للطرق الصوفية.. ومن هنا ظهرت الطرق الصوفية فى العالم الإسلامى وفى مصر بصفة خاصة”.
ومن أهم هذه الطرق:
الطريقة الرفاعية، نسبة إلى أحمد الرفاعي الذي وصل من العراق لمصر، وبشر بالطريقة الرفاعية.
والجيلانية لعبد القاهر الجيلاني.
والأحمدية لأحمد البدوي.
وإبراهيم الدسوقي.
واستمر التصوف لوقتنا الحالي، ولدينا حتى الآن 72 طريقة صوفية.
“من ذاق عرف”
من هذا الرافد في التصور أن العلاقة بين الإنسان وبين الله هى علاقة تعبد، وقد يحصل عليها الإنسان ليس عن فقط عن طريق الفرائض، بمعنى أنه ليس من خلال الصلاة والصوم والزكاة، هناك وسائل أخرى أسموها الذوق، وأن فلسفة الصوفية مبنية على جملة بليغة: “من ذاق عرف”، وهى الطريقة التي تعرف بالكشف.
وقد رتب الصوفيون الطريق للوصول إلى الله إلى 7 مراحل، وكل مرحلة أسموها مرتبة، والهدف في النهاية هو حب الإنسان لله، ومن هنا ظهر مبدأ الحب الإلهي وللوصول لهذه المنزله بدون حواجز أو حُجُب تمنعه، لابد أن يكون بدن المتصوف صافٍ ومتخلص من الدنيا و مطامعها ومظاهرها.
الأولياء فى التراث المصرى القديم
“قبل دخول الإسلام مصر، كانت حضارة مصر القديمة معروفة بتعدد الآلهة، وكان لكل إله مزار أو تمثال، أو رمز له، يقدسه الناس، ومن هنا انتشرت المعابد، وكان لكل معبد كهنته، وكان العامة يقدمون لهذه الآلهة القرابين والنذور، وهناك طقوس فى كل عام تؤدى، ومنها فكرة أن أوزوريس عاد للحياة مرة أخرى بعد ما جمعت إيزيس أجزاءه، وأنجبا حورس، وأنه فى ذكرى عودة أوزوريس للحياة، يحتفل المصريون بشم النسيم، ويشكرون الرب على عودة الحياة للأرض.
ولما انتشرت الطرق الصوفية ومشايخها بين أوساط المصريين، ظهرت فكرة الولاية، وأن هناك أولياء طيبون خيرون، وأنهم قطعوا مراحل فى الطريق الصوفى، أو فى طريق الكشف بينهم وبين الله، كشف قلبى وليس بالعقل لأنه أقل في نظرهم.
“هناك فرق”
“نزلت هذه الأفكار جميعا للطبقات الشعبية فبدأت تقيم أضرحة للأولياء على غرار، أو امتداد للمرحلة السابقة لكن هناك فرق، فهم يدركون أن هذه الأضرحة لأشخاص، وليست لآلهة والأمر الثاني أنهم يعتقدون أن قدرات هؤلاء البشر ليست كقدرة الله، ولكنها قدرات محدودة وهم يستجيرون بهم مثلما يطلبون من النبى أن يكون شفيعهم عند الله”.
حكومة الأولياء؟
في أحلك الظروف يفاجئك العقل الجمعى الشعبى بمخرج نفسى وطاقات من نور، تجعله يتشبث بالأمل و تثبت إيمانه في غد أفضل.
فى شعوب الشرق عموما تاريخ الظلم طويل وممتد عبر الزمن، وفي مصر معتقد شعبي بأن هناك حكومة غير الحكومة الموجودة لتسيير حياة الناس مهمتها رفع الظلم الذى لم تستطع حكومة الظاهر رفعه على مر العصور.
السيدة زينب
وحسب عبدالظاهر تتكون حكومة الأولياء من: السيدة زينب، وهي رأس الحكومة الباطنية، أى “رئيسة الديوان” ولذلك يسمونها “أم العواجز” و”ستنا” و”السيدة زينب”، ويليها الحسن والحسين، ويلقبون بسلاطين الديوان، ويليهم أقطاب الصوفية الأربعة: الرفاعي والجيلاني والبدوى والدسوقى، ثم يليهم بقية الأولياء.
والولي في المعتقد الشعبي يحمي المنطقة التي يوجد فيها، كما أنه هذا الديوان التخيلي موجود في المعتقد الشعبي المسيحي، حيث ترأس السيدة العذراء الديوان، ويليها في المقام القديس ماري جرجس.
مقر الديوان
وفى المعتقد الشعبى، يعقد الديوان كل يوم خميس.. وأن أعضاءه يلتقون عند قنطرة في دمياط برئاسة السيدة زينب.
وفى المعتقد أن هذا المكان مدخل لمصر من الشمال وأنهم مصدر حماية لهذا المدخل فيما بعد.
هذا ولدمياط دلالة كبيرة في المعتقد الصوفي.. ذلك أن مشايخ الصوفية قادوا المقاومة الشعبية ضد الصليبيين.. وحاربوهم مع الشعب في نفس المكان الذي ينعقد فيه الديوان.. ولهذه الشجاعة من جانب الشيوخ صدى كبير عند الشعب الذى استمد منهم قوته وانتصر.
أصل الصراع فى الوقت الحالى
إن أبسط قواعد المنطق 1+1=2، إنما هناك مفاهيم أخرى مثلا “أن الله على كل شىء قدير”.. وأن أولياء الله “لا خوف عليهم ولا يحزنون”.. إذا فعلاقتنا بالأولياء عادة مصرية قديمة مصدرها تاريخ طويل وصراعات سياسية ودينية”.
وأن أصل الخلاف ما بين الفقهاء والصوفيين، هو الخلاف بين أهل الظاهر أى الفقهاء.. لأنهم يفسرون القرآن اعتمادًا على ظاهره، على عكس الصوفية وهم أهل الباطن، الذين يؤمنون أن لكل آية معنىً ظاهر وآخر باطن، وهم معنييون بالباطن والروحانيات و علاقتهم مع الله.