حوار| النحاتة «منى غريب»: الفنان المصري لديه طاقة إبداعية جبارة

اختتمت مساء السبت فعاليات المعرض الفني «أنا مصرية» للنحاتة منى غريب، والذي استمر 10 أيام متواصلة بقاعة الباب سليم، متحف الفن المصري الحديث دار الأوبرا المصرية. وضم المعرض نحو 43 قطعة ومنحوتة فنية مختلفة.

منى محمد محمد غريب، مواليد الإسكندرية، وتعمل أستاذ مساعد بكلية الفنون الجميلة جامعة الإسكندرية، تخصص النحت الخزفي، تخرجت عام 2006. شاركت في العديد من المعارض الخاصة والجماعية. إذ تحاول من خلال تجربتها الفنية توثيق التراث من خلال تفاعلها مع البيئة المصرية المحيطة وتراثها الثقافي.. «باب مصر» أجرى معها الحوار التالي على هامش ختام المعرض.

متى خرجت موهبتك للنور؟

بداية شغفي بالفن منذ نعومة أظافري، لم أترك أي جزء من البيت إلا وكنت ارسم عليه، وهو ما لفت انتباه والدتي أن تهتم بتلك الموهبة وتعمل على تنميتها. وفي العاشرة من عمري بدأت الذهاب إلى قصور الثقافة في الأنفوشي وسيدي جابر، ومن خلال ترددي هناك، شاهدت العديد من الفنانين وبدأت التمرن على الرسم بشكل أوسع.

لماذا اخترتٍ قسم النحت عند التحاقك بكلية الفنون الجميلة؟

التحقت بكلية الفنون كي أصقل هوايتي بشكل أكبر بالدراسة، في السنة التمهيدية درسنا جميع التخصصات، لكن وجدت نفسي بقسم النحت. ويرجع الفضل في حبي للنحت إلى الدكتور الفنان “جابر حجازي”، وكنت أشاهده أثناء ترددي على أتيليه الإسكندرية، لأشاهد الفنانين.

لفت نظري الفنان جابر حجازي، وهو ينحت أعماله. كنت منبهرة لدرجة كبيرة بما يفعله، وتمنيت أن أقوم بمثل ما يفعل. وبدأ من وقتها شغفي بالنحت، وتشكيل الكتلة، وبالفعل تخصصت في قسم النحت بالكلية.

ولماذا النحت الخزفي بالتحديد؟

كما ذكرت ندرس مختلف التخصصات الفنية في الفرقتين الأولى والثانية بالجامعة، ويكون التخصص في الفرقة الثالثة، وكان النحت الخزفي تخصص جديد وقتها حيث لم يكن معروفًا أو منتشرًا. وما جذبني له أنه خامة جديدة إضافة إلى وجود الألوان ودراسة الكيماويات واستخدامها، وحينها أدركت أن هناك دمج ما بين الفن والعلم والنحت والخزف وكل ما أريده لأعبر من خلاله عن ذاتي.

بالإضافة إلى أن القطعة الفنية أو المنحوتة الخزفية، لا يتدخل في إنتاجها أي شخص بعد أن يتم الانتهاء منها من قبل الفنان. حيث تظل بصمته عليها وحده، ولم أكن أتخيل أن شغفي بتلك الخامة يصل لمرحلة العشق، وكان من نتيجة هذا الشغف أنه بات نقطة الانطلاق التي بدأت منها وتخصصت فيها.

حدثينا عن أول معرض للنحاتة منى غريب؟

في قصر سيدي جابر كان أول معارضي وحينها كان عمري 18 عامًا. وذلك عندما كنت في إعدادي كلية الفنون الجميلة، ولأن في تلك المرحلة الدراسية نقوم بدراسة أشكال الفن المختلفة، ضم المعرض العديد من أعمالي الفنية وتجاربي المختلفة والمتنوعة في استخدام الخامات. وبالطبع لم تكن تجربتي واضحة أو مكتملة.

لكن ما يمكنني قوله عن تلك الفترة أنه كان لدي الجرأة لعرض تجاربي المتنوعة. حيث ضم المعرض أعمال نحتية على الخشب والحديد والحجر والبوليستر وغيرها. وبعد تخرجي كان المعرض الشخصي الثاني وقد شهد بداية تخصصي في النحت الخزفي. إذ كانت جميع الأعمال من النحت الخزفي.

«طينات مصر الصالحة للاستخدام الخزفي وتأثيرها على النحت الخزفي المعاصر» هو عنوان رسالة الماجستير خاصتك.. هل هناك فرق بين طينات مصر والطينات المستوردة وأيهما تفضلين؟

مصر تضم العديد من الطينات المختلفة باختلاف الأقاليم. أرض مصر ثرية تمنح أي فنان ما يحتاجه، وكانت رسالة الماجستير هي طرف الخيط، للتعرف ودراسة طينات مصر المختلفة التي يحتاجها النحات.

وهناك طينات مستوردة كثيرة، لكني أفضل أن أعمل بالطينة المصرية، وخاصة طينة أسوان فهي المفضلة لدي. حيث تمنحني لون البشرة المصرية الخاصة لمنحوتاتي، إضافة إلى أنها طينة “طيعة”، تتحمل درجات حرارة الفرن أثناء الحرق، كما أن قابليتها للألون المضافة عليها رائعة مع لونها الأصلي.

بعدها جاءت رسالة الدكتوراه التي درست فيها الطينة بمنطقة سيوة على وجه الخصوص.ذهبت إليها واعتقد أن هناك تكونت شخصيتي في عالم النحت. فقد تأثرت بالمكان كثيرًا، لدرجة جعلتني أرغب في توثيق هذا التراث بتلك المنطقة في أعمالي.

وهل اقتصرت أعمالك بعد ذلك على منطقة سيوة بالتحديد؟

لا، فقد كانت فترة تكوين شخصيتي الفنية. لكن قمت بتطوير تجربتي الفنية ولم تعد مقتصرة على تلك المنطقة. بل شملت تراث مصر بشكل عام، وأقوم بصياغته بشكل معاصر وبطريقتي الخاصة، وجعل من يشاهده يعرف أن من قام بهذا العمل فنانة مصرية.

لديكي أعمال نحتية من الحجر بجانب المنحوتات الخزفية.. فأيهما تفضلين وأي من الاثنين تجدين صعوبة في التعامل معه؟

كل خامة ولها طرقها في التعامل معها، وآليات التشكيل وصعوباته والتكنولوجيا الخاصة بها لإنتاج عمل فني. نعتمد في تشكيل الحجر على الحذف، أما في الخزف فنحن نعتمد على البناء. فنحن نبني الطينة في كتلة من الفراغ، وبالنسبة لي الاثنين لهم صعوباتهم ومتعتهم الخاصة.

لكن خطوات النحت في الخزف تكون المخاطرة فيه أعلى من الحجر. لأنه بعد الانتهاء من العمل يجب وضعه في الفرن، وإذا حدث شيء ما ولم تخرج سليمة يضيع مجهود الفنان. لكن عندما تنكسر على سبيل المثال قطعة من الحجر أثناء العمل، يستطيع الفنان أن يتحايل على الموقف إما بتغيير التصميم أو تعديله. أما في الخزف فالأمر مختلف حيث يكون الفنان مضطرًا لإعادة العمل من بدايته مرة أخرى.

وكيف تأتي إليكِ أفكار أعمالك الفنية؟

أعتمد في اختيار موضوعات أعمالي الفنية على شيئين أساسيين وهما “العنوان والأحلام”. فقد اختار عنوان معين ثم تأتي كافة الأعمال تحت هذا العنوان أو المسمى مثل” العرائس” التي أثرت في حياتنا، وقتها جمعت أصدقائي وسألتهم عن أول شيء يأتي في بالهم عن ذكر اسم عروسة. وهنا جاءت الإجابات مختلفة مثل: “عروسة البحر، عروسة المولد، عروسة الحسد، وغيرها”.

وهناك مثلا عنوان “كورونا” وتلك الفترة التي أثرت على حياتنا جميعًا. فهذه الفترة على المستوى الشخصي كانت فترة عمل وإبداع دسمة جدا. فقد كنت أهرب من الواقع المخيف السوداوي بالعمل وهو ما نتج عنه 10 تماثيل خلال عام واحد فقط. ولأول مرة وثقت تاريخ إنتاج تلك الأعمال بكتابة العام والشهر.

أما الأحلام وهذا شيء قد يكون غريبا بعض الشيء. فقد تأتي إلي كلمة في حلم ما تجعلني استيقظ لأرسم بعض الاسكتشات. واكتب كلمات معينة، ثم أذهب فورًا إلى الطينة وأبدأ في تنفيذ وبناء العمل، فأنا أعمل من خلال العاطفة والانفعالات بداخلي.

لكل فنان حظ من بيئته المحيطة من حوله والتي يتأثر بها وبالتالي ينعكس على نتاجه الفني.. هل أثرت الإسكندرية على تجربتك؟

بالفعل تأثرت -على سبيل المثال- بتماثيل التناجرا التي توجد بالمتحف اليوناني بالإسكندرية، وهي تماثيل صغيرة لسيدات بالزى اليوناني القديم. كنت منبهرة جدا بجمال ورقة وتسريحات الشعر والإكسسوارات الخاصة بتلك التماثيل، كنت أقف أمامهم في ذهول.

ومن خلال تأثري بتلك التماثيل، استلهمت فكرة تنفيذ بعض التماثيل ذات الطابع المصري لسيدات مصريات، بتسريحات وإكسسوارات تعبر عن مصر وطابعها وتراثها. وبالفعل أنتجت العديد من تلك التماثيل، بالإضافة إلى أن طبيعة الناس في الإسكندرية مختلفة، فتجدهم بسطاء يضحكون.

“أنا مصرية” معرضك الأخير ماذا تقصدين من عنوانه؟ هل تصفين الأعمال التي ضمها المعرض؟ أم تصفين نفسك؟

منذ فترة وأنا أقوم بالتحضير لمعرض يعبر بشكل أساسي عن مصر، وتكون جميع الأعمال لها خصوصية مصرية. وضم المعرض 43 قطعة فنية، وهو رقم كبير بالنسبة للمعارض الخاصة بالنحت. لكني أحببت توثيق تلك الأعمال جميعها، حتى أبدأ بعد تلك التجربة تجربة أخرى جديدة مختلفة وبفكر مختلف، لا يبتعد عن مصر وخصوصيتها. لكنه سيكون بشكل متطور ومتعمق أكثر نتيجة الخبرة والبحث الذي اكتسبته طوال مشواري الفني.

وأريد من خلال عنوان “أنا مصرية”، أن أقول: “أنا اللي مصرية” أنا فنانة مصرية وتلك أعمالي، التي أوثق من خلالها أن المرأة المصرية قادرة على إنتاج أعمال تعبر من خلالها عن مصريتها، وتأكيد هويتها. فلدي انتماء للفن المصري وفنانيه، وأرى أن الفنان المصري لديه طاقة إبداعية جبارة، ولابد أن نفتخر ونعتز بهذا كثيرًا. ولدينا العديد من الفنانين النحاتين الكبار يصعب حصرهم على سبيل المثال: “محمود مختار، الوشاحي، عبدالبديع عبدالحي، وأستاذي د. جابر حجازي” وغيرهم الكثير، بالإضافة للفنانين الشباب.

كونك أستاذة جامعية كيف تقيمين الطلبة وتشعرين أن هذا الطالب أو الطالبة قد يكون مشروع فنان في المستقبل؟

من خلال “الشغف”، فهناك من يكون بالفعل لديه الموهبة ويريد المضي في هذا الاتجاه، لا مجرد الحصول على شهادة التخرج. ويكون هذا الفنان مختلف عن زملائه بشكل لافت، فمن خلال شغله وشغفه والتزامه بالشغل والمكان. والملفت أن هذا النوع من الطلبة يكون لديهم الكثير من الاستفسارات والتساؤلات والفضول الفني. بخلاف ذوي الموهبة المحدودة ليس لديهم فكر أو إبداع. وأنا فخورة بطلبة كثيرين قمت بالتدريس لهم حتى أصبحوا فنانين يشار إليهم في الساحة الفنية.

اقرأ أيضا:

«حمدي أبوجليل».. شخصية مؤتمر القاهرة وشمال الصعيد الثقافي

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر