التاريخ المزور في الفيوم: بيت كرومر ليس «بيت كرومر»!

“بيت القنصل” أو بيت اللورد كرومر، منزل شهير يقع في مدينة كرانيس الأثرية، على بعد 70 كم من القاهرة، على جانب طريق الفيوم ـ القاهرة، تلك المدينة تعد واحدة من المدن اليونانية الرومانية التي تشهد على عظمة التاريخ المصري في حقبة من حقب الزمن العديدة، وبالرغم من أن المنزل ليس من آثار المدينة إلا أنه يعد مزارا أساسيا لروادها، لكن هل كان بالفعل استراحة للورد كرومر كما يعرف الجميع وتتداوله كافة المواقع الصحفية والإعلامية، هذا ما يكشف حقيقته “باب مصر”.

المنزل من الداخل

يرجع تاريخ بناء بيت اللورد أو بيت المندوب السامي، إلى عام 1924م، وهو ما تشير إليه اللوحات المعلقة على جدران المنزل من الداخل، عندما كانت جامعة “ميتشجن” الأمريكية تجري بعض الحفائر بمدينة كرانيس الأثرية، وقامت ببناء هذا المنزل ليكون مقرا لفريق عمل البعثة، وقد أطلقوا على البيت اسم “بيت سوبك”، نسبة إلى الإله سوبك معبود الفيوم، ويضم المنزل أيضًا بداخله العديد من الصور التي تسجل تاريخ الحفائر التي قامت بها بعثات الحفريات بالمنطقة، كما تسجل اللوحات تاريخ بناء المنزل، وكيف تمت أعمال الترميم.

من الطريف أنه يوجد على جدران المنزل بعض من الصور لأحد اللوردات البريطانيين، منها صورة له مع أحد العمال أو الحارس الشخصي له من الفيوم، وصورة للسيارة التي كان يركبها أثناء حضوره لزيارة الفيوم، وصورة طريفة لقيام “حاوى” يمسك ثعبان قام باستخراجه من المنزل، تلك الصور بالرغم من أنها لا تحمل اسم هذا اللورد إلا أنه يتم تداولها على أنها صور اللورد كرومر من داخل المنزل.

تاريخ بيت سوبك 

يقول سيد الشورة، مدير منطقة آثار الفيوم: قامت بعثة “ميتشجن” الأمريكية بتشييد هذا المنزل من الطوب اللبن وكان عبارة عن حجرات خلف بعضها بشكل مستطيل، حيث تم بناء المنزل على عدة مراحل وذلك منذ عام 1924 وإلى عام 1934، الأولى على يد البعثة الأمريكية، ثم مرحلة أخرى على يد اللورد البريطاني، وبعد انتهاء الاحتلال الإنجليزي ظل مهجورًا، إلى أن جاءت بعثة من جامعة القاهرة لعمل بعض الأبحاث في عام 1970، واستغلت البعثة البيت كمقر لها، ثم ترك مهجورًا للمرة الثالثة إلى عام 2006 حتى جاءت بعثة أمريكية هولندية وقامت بأعمال ترميم للمنزل، وهو الآن مزار سياحي فريد داخل مدينة كرانيس.

يكمل الشورة، يمتاز المنزل بممراته الداخلية وأفنيته وغرفه الكبيرة، فضلا عن إطلالته الفريدة على مدينة كرانيس، ويعتبر سقف المنزل نموذجًا لبناء المنازل القديمة بمدينة كرانيس، فهو عبارة عن عروق خشبية وجريد النخيل ومن فوقه الحصير، الذي تم تغطيته بطبقة من الطوب اللبن والطين، وهو ما يتشابه مع أسقف بيوت مدينة كرانيس الأثرية.

مضيفا، تم بناء المنزل على غرار بيوت كرانيس القديمة، والتي كانت ملائمة لطبيعة الطقس في هذه المنطقة، وللمنزل سلالم خارجية من الخشب تصل إلى الدور الثاني  وضعت بواسطة فريق الحفائر الإنجليزي، أما نوافذ المنزل فيمكن فتحها من خلال تحريكها يمينا ويسارا عبر تحريك النافذة نفسها، وقد قام البناءون باستخدام التقنيات القديمة في البناء، حيث استخدم في بنائه الطوب اللبن الذي يعود إلى العصر الروماني، والذي كان يوجد منه الكثير بالمنطقة الأثرية، وكذلك قطع الجرانيت، وبقايا أحجار وقواعد الأعمدة التي كانت هي الأخرى جزءا من المدينة الأثرية، وقد تم استخدام بعضها في بناء الحوائط والأرضيات.

الحقيقة الغائبة

ولد اللورد كرومر في 26 فبراير 1841، وفي عام 1883 وعقب الاحتلال البريطاني لمصر تم إرسال اللورد كرومر ليكون الوكيل البريطاني أو القنصل العام الذي كان يحمل درجة الوزير المفوض في السلك الدبلوماسي، استمر كرومر في منصبه حتى استقالته عام 1907، وتوفي في التاسع والعشرين من يناير عام 1917 عن عمر يناهز 76 عاما.

كما ذكرنا وكما هو موثق أن المنزل يعود بناؤه إلى عام 1924 على يد البعثة الأمريكية، لوضع حفائرها المستخرجة من المدينة بداخله، وليكون مقرا لأفراد البعثة، وبحسب ما ذكره مدير عام الآثار، فإن المنزل خضع للتجديد على يد المندوب السامي البريطاني ليكون استراحة له في عام 1934، أي بعد وفاة اللورد كرومر بحوالي سبعة عشر عاما، وهو ما يهدم تلك الادعاءات، والمدهش أن جميع الجهات حتى التنفيذية منها بالفيوم تُعرف المنزل على أنه منزل اللورد كرومر دون عناء البحث.

اللورد الحقيقي 

من هو اللورد الحقيقي الذي استخدم المنزل؟، يجيب الدكتور نبيل حنظل، الخبير السياحي بمحافظة الفيوم، والذي كان ضمن فريق بعثة جامعة القاهرة التي عملت بالمدينة عام 1970:

بالطبع غير صحيح أن اللورد كرومر هو من استخدم المنزل، وأشعر بالكثير من الاندهاش لكثرة تداول هذا الاسم، لكن المندوب السامي المعني بهذا المنزل والذي يغفل الجميع اسمه هو اللورد مايز لامبسون أو كما يطلق عليه اللورد “كيليرين”، فقد كان المفوض السامي لمصر والسودان، في المدة من 1936-1946، حيث استخدم كيليرين المنزل كاستراحة، وقام بالفعل بعمل تجديدات وإضافات في المنزل كي يصلح كاستراحة له يستجم فيها في العطلات، فقد قام بإضافة جزء ليكون مطبخًا ومكانًا أخر للخدم، وجزء آخر عبارة عن سجن صغير لحبس من يخرج عن القانون، فقد كان بمثابة الحاكم الفعلي لمصر، وعرف بسلطته القوية وقتها.

يضيف حنظل، كان يوجد بالمنزل أيضًا طابق ثان غير موجود الآن، كان اللورد يستخدمه في تناول شاي وقت العصر كعادة الإنجليز في تناول شاي الساعة الخامسة مساءً (Tea Time)، وقد كان المكان في الماضي يسمح لمن يجلس بالأعلى برؤية بحيرة قارون، ويشير حنظل إلى أنه عند قدوم اللورد كيليرين إلى الفيوم كان يتم غلق الطريق من قصر الدوبارة إلى استراحة الفيوم، ومن كان يريد أن يسير في الطريق لابد له أن يحصل على تصريح للمرور.

بعيدا عن من كان يسكن في هذا المنزل، المنزل الآن أصبح أحد المعالم الأثرية التى تم وضعها ضمن برنامج زيارة المنطقة الاثرية “مدينة كرانيس”، وهو يستحق حيث تحمل حوائطه وجدرانه عبق التاريخ القديم، فقد بنائه من أنقاض المدينة الأثرية، ولا زال يطل على تلك المدينة التي شهدت تاريخا خالدا.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر