تقليص حدود المدينة التاريخية إلى النصف: خريطة القاهرة الجديدة التي رفضها اليونسكو

الخريطة الجديدة تستبعد أحياء بولاق وجزء من الفسطاط وجبانة الإمام الشافعي والسيدة نفيسة

مؤخرا رفضت منظمة اليونسكو طلب الحكومة المصرية بتقليص مساحة القاهرة التاريخية المدرجة كتراث عالمي. جاء ذلك خلال اجتماع المنظمة الأخير الذي جرى بالعاصمة السعودية «الرياض». أكدت المنظمة ضرورة إشراك الخبراء والمجتمع المحلي في أية قرارات مستقبلية تخص المدينة.

جلسة رسمية

في 20 سبتمبر الماضي، عُقدت جلسة رسمية لليونسكو للبت في طلبات الدول الأعضاء، حول إمكانية توسيع النطاق الجغرافي للمدن التاريخية المدرجة على لائحة التراث العالمي، وعلى النقيض من ذلك قدمت مصر طلبا لتقليص مساحة مدينة القاهرة التاريخية والمدرجة كتراث عالمي إنساني.

هذا الطلب حاولت القاهرة تمريره تحت اسم «تعديل طفيف لحدود القاهرة التاريخية» وهو ما يتنافى مع الخرائط الرسمية التي أرسلها لنا -مصدر خاص- إذ تشير الخريطة الأحدث المقدمة من جانب الحكومة المصرية، إلى رغبتها في تعديل حدود المدينة وخروج أكثر من نصف مساحتها من لائحة التراث العالمي. خصوصًا جزء كبير من منطقة جبانات القاهرة التاريخية، مع إخراج حي بولاق التاريخي بشكل كامل من لائحة اليونسكو. وهو أحد أحياء القاهرة، الذي يعود تاريخ إنشائه للعصور الوسطى.

تعديل خرائط القاهرة

وجاء الاقتراح الجديد كرغبة في تعديل خرائط مدينة القاهرة القديمة والتي تم تقديمها عام 2008 لليونسكو من جانب الحكومة المصرية، وفي عام 2010 تم اعتمادها من جانب اليونسكو، وعلى إثرها جرى تحديد حدود القاهرة التاريخية.

وخلال عام 2012 طالبت الإيكوموس (جمعية مهنيّة تعمل من أجل حفظ وحماية واستدامة أماكن التراث الثقافي في جميع أنحاء العالم، وتقدم توصيات لمنظمة اليونسكو عن مواقع التراث العالمي) بضرورة تقديم المزيد من المعلومات حول حدود المدينة بشكل دقيق، وفي عام 2015 تم توسيع نطاق حدود القاهرة التاريخية. وخلال عام 2020 تقدمت الحكومة المصرية بطلب جديد لتعديل وصفوه بالـ«طفيف» لحدود القاهرة التاريخية، وفي عام 2022 تقدمت الحكومة المصرية بطلب آخر مشابه للسابق، بتعديل موسع لحدود القاهرة التاريخية، واستبعاد مناطق تاريخية عتيقة بشكل كامل.

خريطة عام 2008 لمدينة القاهرة
خريطة عام 2008 لمدينة القاهرة
مدينة استثنائية

دافعت مسؤولة الإيكوموس عن المدينة التاريخية – خلال مناقشة مسألة القاهرة بجلسة الرياض- حيث شرحت في البداية القيمة الاستثنائية التي تحملها القاهرة وقالت: “أصبحت مدينة القاهرة المركز الإسلامي الجديد للعالم خلال العصور القديمة. فقد وصلت قمة ازدهارها خلال القرن الرابع عشر، فهي مدينة استثنائية لا مثيل لها في العالم الإسلامي، لأنها نجت بتراثها بشكل استثنائي لم يحدث داخل أي مدينة أخرى. وتم الحفاظ على روائعها المعمارية بشكل فريد”.

وتابعت: جميع أحياء القاهرة نجحت طوال هذه القرون، لذلك فهي تتمتع بثراء استثنائي من النسيج الحضري ليس له مثيل في العالم. ولهذا فالتعديل الذي وصف بالـ«البسيط» والذي تقدمت به الجهات المسؤولة في مصر هو في حقيقة الأمر ليس تعديلًا بسيطًا -كما ذكروا في طلبهم المقدم لليونسكو- بل هو تخفيض كبير بالمقارنة بالحدود التي تقدموا بها من قبل وتحديدًا عام 2008.

نسيج عمراني فريد

واستطردت: نحن قلقون بشكل دائم بسبب عدم وضوح حدود القاهرة التاريخية، فهذه المشكلة لم تحل حتى الآن. إذ سبق لليونسكو أن عبرّت في كثير من المرّات عن قلقها بشأن ما يحدث داخل القاهرة. وذلك بسبب عدم الحفاظ على نسيجها العمراني، وتدهورها، بجانب التطورات الجديدة التي تحدث داخلها خلال السنوات الأخيرة. والتي تؤثر سلبًا على تقييم القاهرة كمدينة تحمل نسيج عمراني متفرد.

وأوضحت: التعديل الذي وصف بالـ«طفيف» لحدود المدينة التاريخية يطرح مشكلات عدة، نتيجة نقص الوثائق والمستندات التي من المفترض أن تشرح لنا سبب الرغبة الحقيقية في تقليص مساحة وتعديل حدود القاهرة التاريخية. فالمدينة عندما وضعت على لائحة التراث العالمي كان الأمر بناءً على نسيجها العمراني المتفرد، والذي يعكس تخطيط مدن العصور الوسطى. لذلك نحن في الإيكوموس نقدر حجم التعقيدات التي تعانيها مدينة بمثل هذا الحجم الضخم من التنوع العظيم لتراثها. إذ أن حدود المدينة ظلت متماسكة طوال هذه القرون الطويلة.

الخريطة الأخيرة التي قدمت من جانب الحكومة لتقليص أكثر من نصف حدود مدينة القاهرة التاريخية
الخريطة الأخيرة التي قدمت من جانب الحكومة لتقليص أكثر من نصف حدود مدينة القاهرة التاريخية
رفض للمقترح

وأضافت مسؤولة الإيكوموس: يجب أن تظل قيمة المدينة كما هي بجانب ضرورة الحفاظ عليها. فإذا أرادت الدولة تعديل حدودها فعليها أن تعهد للمسألة لاستشاريين متخصصين بجانب إشراك المجتمع المصري. قبل التقدم أصلًا بمثل هذا المقترح. لذلك فالإيكوموس توصي بإحالة طلب «التعديل الطفيف لحدود القاهرة التاريخية» إلى مصر مرة أخرى. وذلك لإمدادنا بالوثائق اللازمة، وكذلك تحديد سمات القيمة العالمية المتميزة بالتفصيل. مع إمدادنا بالخرائط اللازمة حول المدينة، وما حدث داخلها من تغيرات خلال الفترة الأخيرة. ونطالب بضرورة تواجد بعثة استشارية دولية للنظر في وضع القاهرة التاريخية وتحليل وضع المدينة. وكذلك وضع أطر سليمة للحماية والإدارة، وكذلك لتوثيقها بشكل كامل.

وفي نهاية الأمر رفضت اليونسكو طلب الحكومة المصرية بتعديل حدود القاهرة التاريخية.

شرح مفصل

تشرح الدكتورة جليلة القاضي، أستاذ التخطيط العمراني بجامعات باريس، الخرائط التي قدمتها الحكومة المصرية طوال السنوات الأخيرة لمنظمة اليونسكو. وتقول: “بالنسبة لخريطة عام 2008 فهي تضم الجبانة الشرقية بشكل كامل. وكذلك الجبانة الجنوبية، ومدينة الفسطاط. أما اللون الأصفر الموجود داخل الخريطة فهو نطاق الحفاظ باعتباره امتدادًا لحدود القاهرة التاريخية، كذلك الخريطة تضم منطقة بولاق. أما بالنسبة للخريطة التي نفذت عام 2014 واعتمدت عام 2015 فقد جرى وضعها تحت إشراف اليونسكو. وبالمقارنة بالخريطة السابقة فقد تم توسيع نطاق حدود القاهرة التاريخية. مع إضافة منطقة الأباجية ضمن حدود التراث العالمي. وكذلك إضافة أجزاء كبيرة داخل منطقة الإمام الشافعي، وهذا يعني أن النطاق تم توسيعه بشكل أكبر”.

إزالة مناطق كاملة!

وتضيف جليلة: بالنسبة لخريطة عام 2020 فقد جرى تقليص مساحة القاهرة التاريخية مقارنة بخريطة عام 2008 للنصف تقريبًا. ورغم أن هذا الطلب لم توافق عليه اليونسكو ولم يتم اعتماده. إلا أن الحكومة تقدمت مرة أخرى بخريطة جديدة خلال هذا العام وأزالت من خلالها مناطق كاملة مثل حي بولاق، وكذلك جزء من  الفسطاط. وأيضًا أغلب جبانة الإمام الشافعي التي تحوي بداخلها أحواش الباشوات، ومنطقة السيدة نفيسة بجانب الاستغناء عن جزء كبير من نطاق الحفاظ.

وتابعت: هذا يعني أن الحكومة بطلبها الأخير تطالب بحذف أكثر من نصف مساحة القاهرة التاريخية من لائحة التراث العالمي. وهو أمر غير مقبول بأي شكل من الأشكال. وهذه الخريطة هي التي تم رفض اليونسكو اعتمادها خلال اجتماعها الأخير في الرياض.

اقرأ أيضا:

خلال اجتماع الرياض.. «اليونسكو» ترفض تقليص مساحة «القاهرة التاريخية»

للاشتراك في خدمة باب مصر البريدية اضغط على الرابط التالي:

Babmsr Newsletter

النشرة الإخبارية الشهرية
مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر