وداعا «عصمت داوستاشي»: فنان صوفي بملامح شعبية

برحيل الفنان «عصمت داوستاشي»، فقدت الساحة التشكيلية أحد رموزها الكبار، فنانا ومؤرخا ترك أثرا لا يُمحى في مسيرة الفن والثقافة. وقد عمت حالة من الحزن الوسط الثقافي في الإسكندرية ومصر بأكملها، مع تداول خبر وفاته. هنا نستعرض محطات من حياته وإبداعه وملامح تجربته في الفن والتوثيق.

من هو الفنان عصمت داوستاشي؟

وُلد عصمت داوستاشي في الإسكندرية عام 1943، ودرس النحت في كلية الفنون الجميلة بجامعة الإسكندرية وتخرج فيها عام 1967. وهو فنان شامل قدَّم ما يزيد على 60 معرضا فنيا، كما مارس التصوير والنحت والرسم. وتميز بأسلوب له طابع خاص، متأثرا بملامح مصرية شعبية وتراثية. وبرزت في أعماله معاناة الإنسان وأحلامه وطموحاته، مقدمًا نقدًا اجتماعيًا لأحوال المجتمع، وكان له أثر بالغ في الساحة الفنية المصرية.

أسهم بدور بارز في توثيق تاريخ الحركة التشكيلية المصرية. وتميزت تجربته الفنية بالتجريب. واتجه في أعماله إلى استخدام أساليب فنية متنوعة، بدءا من التشكيل التجريدي، مرورًا بالكولاج والتصوير. ومن أبرز المناصب التي شغلها «داوستاشي» كانت الإشراف على الأنشطة الثقافية والمعارض بالمراقبة العامة للفنون الجميلة بمتحف محمود سعيد، وإدارة متحف الفنون الجميلة بالإسكندرية. فضلا عن رئاسة مركز الإسكندرية للإبداع.

مسيرته الفنية

واتسمت مسيرته الفنية بمراحل متعددة ومتنوعة، تميزت إحداها بالانعزال والابتعاد عن الآخر. حيث اتخذ منحى الصوفية كطريقة لتأمل ما حوله في بوتقة انعزل فيها مع أفكاره. لتخرج منه فكرة “المستنير داد”، ذلك الرمز الكبير الذي نتجت عنه سلسلة رائعة تعد من أبرز تجاربه الفنية. وقد ظهرت في هذه الأعمال الأيقونات التي شكلت رؤيته الفنية، التي تعكس فكرا شديد الخصوصية. حيث قدم من خلالها رؤية فنية مبتكرة لأشكال وعناصر متعددة بأسلوب مميز.

حصد داوستاشي العديد من الجوائز، من أبرزها: جائزة مختار عام 1984، وجائزة لجنة التحكيم عن بينالي الإسكندرية الثامن عشر 1994، وجائزة بيكاسو وميرو من المركز الثقافي الإسباني. وجائزة راديو فرنسا عن أحد تصميماته. وتم تكريمه عام 2015 في فعاليات معرض “من النيل إلى الحرمين” بأتيليه جدة للفنون بالمملكة العربية السعودية.

الشباب في لقاء عصمت داوستاشي
الشباب في لقاء عصمت داوستاشي
صداقات وتلاميذ «داوستاشي»

يسترجع المخرج السكندري حازم العطار ذكرى لقائه بالفنان عصمت داوستاشي عام 2019، ضمن مشروعه الوثائقي عن متحف الفنون الجميلة. ويقول: “جلسنا وتجاذبنا أطراف الحديث، وتحدث داوستاشي عن الفترة التي تولى فيها المتحف. واكتشفت حرصه على توثيق الحركة التشكيلية في مصر. إذ كان يمتلك مكتبة غنية بمؤلفاته. وكان مستمرًا في جمع الوثائق والصور. وخلال حديثنا كان يسجل أي معلومة جديدة عن معرض أو لوحة أو فنان لم يضفها بعد إلى توثيقه. وفوجئت بامتلاكه متحفا عظيم صغيرا يجمع فيه أعماله ولوحاته الرائعة”.

ويقول الشاعر والكاتب السكندري ميسرة صلاح الدين: “تعرفت على عصمت داوستاشي ككاتب قبل معرفتي به كفنان تشكيلي، فله مجموعة من الكتابات المهمة والمتنوعة في نقد الحركة التشكيلية وروادها. وكان أول كتاب قرأته له بعنوان “الرملة البيضاء”، وهو سيرة ذاتية. ثم اندمجت في أعماله الفنية والمعارض. ولاحظت تركيزه على الموتيفات والأيقونات الشعبية وتحويلها إلى أساطير”.

وتابع: “ما لفت انتباهي في أعماله هو تكرار رمز الكف. وسألته عنه ذات مرة، فأجابني إجابة غريبة حين قال: “رمز الكف هو نقطة البداية في تكوين شخصيتي الفنية”. وبالفعل كان فنانا عظيما، صاحب بصمة فنية مميزة استطاع من خلالها المزج بين الفن الحديث والفنون الشعبية التقليدية في الرسم. ولذلك كان إنتاجه مختلفا”.

عصمت داوستاشي فنان ومؤرخ

يقول عنه الفنان التشكيلي خالد هنو: “توطدت علاقتي بعصمت داوستاشي على مدى 10 سنوات خلال عضويتي بمجلس إدارة أتيليه الإسكندرية. حيث أقمنا معارض سويًا، وكان له معرض خاص في الطابق الثاني فوق مقر الأتيليه. يعد قبلة لكثير من الفنانين التشكيليين من كل أنحاء مصر، وخاصة يوم الثلاثاء من كل أسبوع. حيث كان يعقد صالون فني مصغر لمناقشة الحركة الفنية”.

وأضاف أن «داوستاشي» يتميز بكونه مؤرخا للفن أكثر من كونه ممارسا له. فقد كان يحرص على جمع أي وثيقة وكتاب لمكتبته الخاصة، ولديه أوراقا خاصة ووثائق نادرة. وقد أصدر كتابا بعنوان “أتيليه الإسكندرية”، يوثق تاريخ الأتيليه منذ إنشائه عام 1934، ويحتوي على صور للمستندات والعقود والمخاطبات القديمة بين الفنان محمد ناجي والفنانين الأجانب، وأسماء مجالس الإدارات المتعاقبة. كما ألف كتبا عن عدد من الفنانين مثل محمود سعيد، ومحمد ناجي، وعبد المنعم مطاوع، وغيرهم. فهو فنان تشكيلي ومؤرخ فني متميز.

واختتم هنو حديثه عن الراحل: “بالقرب من داوستاشي تشعر بأنه شخص بسيط ومتواضع، ومحب للشباب، لذلك كانوا يتجمعون عنده دائما. كان متحررا وله وجهة نظر في أعماله. وقد فقدت الإسكندرية برحيله فنانا ومؤرخا لعب دورا كبيرا في الحركة التشكيلية بمصر، ويعد من أهم فنانيها”.

اقرأ أيضا:

إنشاء متحف «سيد درويش» في كوم الدكة: هنا تتعرّف على فنان الشعب

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.