«متحف النصر للفن الحديث».. ذاكرة بورسعيد في لوحات ومنحوتات

في قلب مدينة بورسعيد، تلك المدينة المصرية التي جسدت على مدار عقود صورة الصمود والبطولة، يقف متحف «النصر للفن الحديث» كواحد من أهم منارات الثقافة والفن التشكيلي في مصر. إنه ليس مجرد متحف اعتيادي، بل صرح ثقافي وتاريخي ينبض بروح أبناء بورسعيد، يحكي بطولاتهم، وينقش ذكرياتهم في لوحات ومنحوتات، ليظل شاهداً على عبقرية المكان والزمان.
ويقع «متحف النصر للفن الحديث» في حي الشرق أحد، أرقى أحياء بورسعيد، بشارع 23 يوليو، تحديداً أسفل “مسلة الشهداء” التي تُخلّد ذكرى شهداء المدينة الباسلة.
افتتاح متحف النصر للفن للحديث
افتتح المتحف رسميًا في 25 ديسمبر 1995، ضمن احتفالات بورسعيد بعيدها القومي الذي يوافق 23 ديسمبر من كل عام، تكريما لصمود المدينة وأهلها. وذلك في عهد اللواء فخر الدين خالد، محافظ بورسعيد الأسبق، والدكتور فاروق حسني، وزير الثقافة حينها.
وتعود فكرة إنشاء المتحف إلى اقتراح قدمه الفنان التشكيلي البورسعيدي عاطف زرمبة، لمحافظ بورسعيد. وقد تولى زرمبه نفسه إدارة المتحف آنذاك لعدة سنوات.
تحف فنية ووثائق مقاومة تحكي قصة بورسعيد
يضم المتحف 119 عملًا فنيًا نادراً لأشهر رواد الفن التشكيلي المصري، من نحو 100 فنان، منهم: فاروق حسني، أحمد نوار، السيد عبده سليم، مصطفى مهدي، مديحة متولي، وغيرهم من كبار الفنانين.
وتتنوع هذه الأعمال بين النحت، والتصوير، والجرافيك، والخزف، والرسم، حيث تسلط الضوء على موضوعات قومية ووطنية أبرزها المقاومة، الحرب، والسلام.
كيف تطور متحف النصر للفن الحديث؟
شهد المتحف عام 2014 تطويراً شاملاً، بإضافة قاعة معارض متغيرة تستضيف معارض لفناني بورسعيد في مختلف الفنون البصرية، وذلك بحضور وزير الثقافة حينها الدكتور صابر عرب، ومحافظ بورسعيد اللواء مصطفى عبد اللطيف.
وفي عام 2017، أضيف جزء ديوراما يستعرض تاريخ بورسعيد منذ نشأتها، مرورا بأعمال حفر قناة السويس، ومراحل النضال خلال العدوان الثلاثي 1956، وحرب الاستنزاف، وحرب أكتوبر 1973. إضافة إلى ركن خاص بالمشروعات القومية التي تمت على أرض بورسعيد، وزيارات الرئيس عبد الفتاح السيسي للمحافظة. وكان ذلك في عهد اللواء عادل الغضبان، محافظ بورسعيد السابق، وحلمي نمنم وزير الثقافة.
كما يضم المتحف تماثيل لشخصيات أيقونية من المقاومة الشعبية، مثل زينب الكفراوي، ومحمد مهران، والسيد عسران، وأبطال عمليات اختطاف الضابط البريطاني “أنتوني مورهاوس”.
أنشطة ثقافية وإبداعية متواصلة
لا يقتصر “دور متحف النصر للفن الحديث” على عرض الأعمال الفنية فقط. بل يساهم في تنشيط الحياة الثقافية ببورسعيد. من خلال تنظيم ورش فنية للأطفال والشباب، وندوات فنية وثقافية، وأمسيات موسيقية، تواكب المناسبات القومية والوطنية. وقد كان المتحف يستضيف معارض لفناني بورسعيد تحت رعاية القطاع الثقافي، دون أي تكلفة على الفنان، وعمل الدعاية اللازمة للمعرض. لمدة تتراوح من أسبوعين إلى شهر.
وحاليًا، يواصل المتحف رسالته المجتمعية من خلال ورش إبداعية فنية في مجالات متنوعة مثل: الرسم، الخيامية، النحت، الخط العربي، والفن العربي، يتم تنظيمها شهريا. مما يجعله منصة فريدة لرعاية المواهب الفنية ببورسعيد. هذا إلى جانب الندوات الفنية والتثقيفية في كل المناسبات القومية. سواء على مستوى الجمهورية أو المناسبات الخاصة ببورسعيد.
مواعيد الزيارة والدخول المجاني
يفتح المتحف أبوابه للزوار يوميا من الساعة 9 صباحًا حتى 4 عصرًا. ويتيح الدخول المجاني للجمهور أيام الجمعة، والسبت، والأحد، في إطار دعم نشر الثقافة والفن بين المواطنين. فيما تكون الزيارة برسوم رمزية في بقية أيام الأسبوع.
وتسعى وزارة الثقافة المصرية إلى تطوير المتحف مجددًا خلال الفترة القادمة. مع الحفاظ على طابعه التراثي وقيمته الفنية والتاريخية، التي تمثل جزءاً من ذاكرة الوطن.
خطط تطوير مستقبلية للحفاظ على التراث
التقى «باب مصر – بحري» بالمؤرخ البورسعيدي المهندس محمد بيوض، الذي أكد أن متحف النصر للفن الحديث يعد صرحا ثقافيا وتراثيا. وتعود فكرته إلى ما بعد افتتاح “مسلة الشهداء” عام 1957. حيث صدر قرار باستغلال المساحة أسفل المسلة لإنشاء متحف قومي يحكي تاريخ المدينة الباسلة.
وأوضح “بيوض” أن المتحف ظل سنوات دون تطوير، حتى اقترح الفنان التشكيلي عاطف زرمبة تحويله إلى معرض فني مخصص للوحات وأقسام الفن التشكيلي. وتم افتتاحه رسميا في 1995م. وأضاف أن متحف النصر للفن الحديث يختلف عن المتحف الحربي، الذي يهتم بالمعلومات والمقتنيات العسكرية. ولكن الأول معني بالتراث والفن وتوثيق تاريخ بورسعيد.
واختتم المؤرخ البورسعيدي حديثه بدعوة زوار بورسعيد من المحافظات الأخرى. خاصة المهتمين بالشأن الثقافي والفني، إلى وضع “متحف النصر للفن الحديث” ضمن برنامجهم السياحي. فهو يعتبر منارة ثقافية تستحق الزيارة والتعرف على تاريخ وتراث المدينة الباسلة.
اقرأ أيضا:
«متحف السويس القومي».. كنوز تُجسد عبقرية المصري القديم
من أعماق البحر إلى صفحات العلم.. قصة معهد علوم البحار ومتحفه العريق بالسويس
«متحف قناة السويس».. تاريخ من سخرة الحفر إلى إرادة التأميم والتطوير