فيديو وصور| “الأبنودي” في عيون أبناء قريته بقنا.. وأبطال دواوينه الحقيقيين

تصوير: مريم الرميحي

عند الحديث عن الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودي في ذكرى وفاته وميلاده التي تأتي في ذات الشهر وهو إبريل من كل عام، يجب علينا الرجوع للجذور وأصل الأشياء، كما كان يفعل “الخال”.

وعلى طريقة اختياره لأبطاله من المهمشين وفق تصنيف حقبات زمنية عديدة، بيئتهم الأصلية، إيمانًا بأنهم المنبع، زارت محررة “ولاد البلد“، قرية أبنود، جنوبي قنا، منشأ الشاعر الكبير، لتنقل لكم شاعرنا بعيون ولسان أبناء قريته، وحقيقة وجود أبطال قصائده الحقيقيين، مثل آمنة وحراجي القط وأحمد سماعين وغيرهم.

لافتت مدخل قرية أبنود- تصوير مريم الرميحي
لافتة مدخل قرية أبنود

القرية

لم تعد أبنود بملامحها التي صورها ونقلها لنا الأبنودي. إذ تمت إزالة كرم أبو غبان، وبنيت المنازل بالطوب والأسمنت، وغاب أحمد سماعين، وآمنه بجلستها أمام باب الدار. ولكن نظل نعرف حكايات أبطال وأحداث مرت هنا، وحفظها الأبنودي بنقلها لنا، ولأجيال معاصرة وأخرى قادمة.

سرد لنا أحمد خليل، أحد أبناء عمومة “الخال”، قائلا إنه هو عبدالرحمن محمود عبدالوهاب، كان والده شيخ مأذون شرعي. وعمل في تدريس اللغة العربية لفترة، كما أنه شاعر ومبدع، أيضًا له مؤلفاته منها “الألفية الوهابية لشرح العلوم العربية”. على غرار ألفية ابن مالك، وبردة “منحة المنان في مدح سيد الأكون” مثل بردة المديح لأحمد شوقي.

أحد شوارع قرية أبنود- محافظة قنا_ تصوير مريم الرميحي
أحد شوارع قرية أبنود بمحافظة قنا

يضيف خليل، أن الشيخ محمود عمل لفترة في إحدى قرى الجنوب أرمنت أو نقادة إن لم تخونني الذاكرة على حد تعبيره، قبل أن يعمل مأذون شرعي لمنطقة السهاريج بمدينة قنا، موضحا أن مولد عبدالرحمن كان أثناء عودة والديه من قرية العمل إلى البلدة، في 11 إبريل عام 1938.

وله 5 أشقاء صبيان ترتيبه الثالث بينهم، بالإضافة لشقيقته فاطمة، ربي في المنزل الوحيد الذي كان به متعلمين في القرية حينذاك، مستطردًا: نحبه الشاعر الذي تحدث عن أحلامنا وطموحاتنا، وعبر عن بيئتنا ولساننا، والإنسان ابن العم وعميد عائلتنا “التروسة”.

ديوان عائلة عبدالرحمن الأبنودي- أبنود- تصوير مريم الرميحي
ديوان عائلة عبدالرحمن الأبنودي

الارتباط بأبنود

“كان دائم المجئ للقرية إذا قلت مدة ابتعاده أو زادت”، هكذا بدأ حديثه معنا، العم محمد حسين، 60 عامًا، أحد أبناء عمومة الخال، ويقول: أتذكر حبه لتجمعه معنا في مندرة العائلة مع أبناء عمومته خاصة في الأعياد، وحضوره منذ سنوات في أيام اللواء عادل لبيب محافظ قنا الأسبق، في صلح بين عائلتين بأبنود.

شرد العم محمد لبرهة مبتسمًا، واستأنف حكيه: أتذكر أيضا زيارته مع عطيات الأبنودي زوجته الأولى قبل الانفصال عنها والارتباط بنهال كمال، حيث مكثا في القرية شهرًا كان في فصل الشتاء، يحب التجوال في الزراعات حتى أنه طلب من والدتي رحمها الله أن تعد له الأكل الفلاحي، (بصارة- مش- جبنة خضراء- قريش- جرجير- خس- بصل)، وبالفعل صنعته له وتناول معنا ومع زوجته الطعام في قلب الغيط.

ملحق ديوان عائلة عبدالرحمن الأبنودي- أبنود- تصوير مريم الرميحي
ملحق ديوان عائلة عبدالرحمن الأبنودي- أبنود

كانت لديه فراسة يعرف بها أحفاد أبناء عمومته الصغار من ملامح الوجه، مدققًا في التفاصيل، ومعرفة أحداث وأخبار البلدة، حتى أنه حزّن حين رأى هدم وتجديد لمبنى سكن الوحدة المحلية والوحدة الصحية قائلًا: “كل حاجة بوظتوها ليه خسارة المبنى كان تاريخ وتراث من أيام الإنجليز”، رأى من الممكن ترميمه أو بناء غيره.

“كنا ننتظره زي هلال العيد”، ولكنه يعود ببشاشة وكأنه لم يغب سوى يومين، مرح ومحب للهزار والضحك، طيب لكنه ذكي وشرس في المعارك، “شوفنا غضبه لنا مش علينا”، كان يزور أغلب منازل العائلة خاصة السيدات الكبار والرجال المسنين، يحب مجالسهم ويطلب منهم سرد المواويل وأغاني السواقي، و”العيدان” وهي كتلة من الطين عليها جلد ماعز أو جدي ويلفوا بها، مدندنين “عيب عليا إن قلت أنا يا دراعي”.

منزل آمنة عمة عبدالرحمن الأبنودي - أبنود- تصوير مريم الرميحي
منزل آمنة عمة عبدالرحمن الأبنودي

شخصيات وأماكن دواوينه

ذكر لنا أحمد خليل، أحد أبناء عمومة الخال، أن أغلب شخصيات دواوين وقصائد “الخال” واقعية فالحجة آمنه عمته هي زوجة عمه على عبدالوهاب، وداخل العائلة في الصعيد ننادي القريبات من كبيرات السن بالعمة، ولديها فعلا بنتان وبنفس الاسم راضية ونجيه، كان يحب زيارتها، ويختصها بجلسة مطولة بعد إعطائها هديتها كباقي القريبات في كل مرة.

يتابع خليل: كنت شاهد عيان ذات مرة، كان يقول لها “استني اقعدي انا اللي هقعمزلك”، أي “هو اللي اللي هيجلس بجوارها للحديث دون قيامها”، أحمد سماعين أيضا شخصية واقعية وهو ابن عم الخال واسمه الحقيقي محمد مصطفى عبدالوهاب، وحراجي القط أيضا اسم مستعار لشخصية من أبنود وأبنائه فعلا عزيزة وعيد، وإبراهيم أبو العنين في وجوه على الشط وآخرين.

منزل والد عبدالرحمن الأبنودي- أبنود- تصوير مريم الرميحي
منزل والد عبدالرحمن الأبنودي

كما يحكي العم محمد حسين، أن الأبنودي أيضا ذكر حسين موسى والده، وموسى العقول ابن عمهم، واصطحبنا العم محمد ليرينا منزل آمنه، الذي أصبح  5 طوابق بعد بيعه، ومنزل والد الأبنودي، الذي يسكنه الآن ابن عم الخال كرم شلبي.

الأبنودي جامع السيرة 

قد يكون الأبنودي ليس الشاعر الوحيد صاحب الموهبة الجلية والرائعة. ولكنه سيظل صاحب الانفراد بلون شعري ذو طابع خاص ومفردات صاحبة بيئتها. وكأنها من طين الأرض. أبطال دواوينه وقصائده أيضًا مختلفين الطباع والبيئة، في تصنيف حقبات زمنية عديدة مهمشين.

ومن أشهر وأهم أعماله جمعه للسيرة الهلالية التي يتغني بها الصعايدة في محافظات الجنوب. وهي ليست من تأليفه، ولكنها حصاد رحلة طويلة بدأها من الثمنينيات إلى منتصف التسعينيات مع الشعراء والمداحين بالربابة، متعقبهم من قرية لقرية، ومن مناسبة لأخرى. وكان على رأسهم جابر أبو حسين، وسيد الضوي. كما يعد كتابه “أيامي الحلوة” توثيقًا لقصص وأحداث لحياته في صعيد مصر. ونشر في حلقات منفصلة في ملحق أيامنا الحلوة بجريدة الأهرام تم جمعها في هذا الكتاب بأجزائه الثلاثة.

فضلا عن الأرض والعيال، الزحمة، عماليات، جوابات حراجي القط، الفصول، أحمد سماعين، أنا والناس، بعد التحية والسلام، وجوه على الشط، صمت الجرس، المشروع والممنوع، المد والجزر، الأحزان العادية، السيرة الهلالية دراسة مترجمة، الموت على الأسفلت، سيرة بني هلال الجزء الأول، سيرة بني هلال الجزء الثاني، سيرة بني هلال الجزء الثالث، سيرة بني هلال الجزء الرابع، سيرة بني هلال الجزء الخامس، الاستعمار العربي المختارات الجزء الأول.

ومن أشهر القصائد التي تتغني بيها الأجيال حتى الآن:

ادلوك بس ما فكرت ف يامنة وقلت: يا عمة؟؟

حبيبي انت يا عبد الرحمان

والله حبيبي .. وتتحب.

على قد ماسارقاك الغربة

لكن ليك قلب.

مش زي ولاد الكلب

اللي نسيونا زمن

أيضا من جوبات حراجي القط:

شهرين يا بخيل؟

ستين شمس وستين ليل؟

النبى يا حراجى ما أطول قلبك

لاقطع بسنانى الحته القاسيه فيه

أهم الفنانيين الذين تعامل معاهم

لم تقتصر أعمال “الخال” على الدواوين والأشعار المكتوبة بل تعامل مع أشهر المطربين في عصره. وكتب الشعر الغنائي منوعًا بين الطرب والأغاني الوطنية. ومنها ما كتبه لعبدالحليم حافظ مثل: “عدى النهار، المسيح، أحلف بسماها وبترابها، ابنك يقول لك يا بطل، أنا كل ما أقول التوبة، أحضان الحبايب، اضرب اضرب، إنذار، بالدم، بركان الغضب، راية العرب، الفنارة، يا بلدنا لا تنامي، صباح الخير يا سينا، وغيرها”.

ومنها ما كتبع لـ محمد رشدي، مثل: تحت الشجر يا وهيبة، عدوية، وسع للنور، عرباوى.

كما كتب لفايزة أحمد: يمّا يا هوايا يمّا، مال علي مال، قاعد معاي. وأيضا نجاة الصغيرة: عيون القلب، قصص الحب الجميلة”. أما شادية فكتب: “آه يا اسمراني اللون، قالى الوداع، أغانى فيلم شيء من الخوف”. ولـصباح: ساعات ساعات. وكتب لوردة الجزائرية: طبعًا أحباب، قبل النهاردة”. ولـمحمد قنديل: “شباكين على النيل عنيكي”، ماجدة الرومي: “جايي من بيروت، بهواكي يا مصر”.

ومن نجوم الجيل الحالي كتب لـ محمد منير:

“شوكولاتة، كل الحاجات بتفكرني، من حبك مش بريء، برة الشبابيك، الليلة ديا، يونس، عزيزة، قلبى  مايشبهنيش، يا حمام، يا رمان”. ولـ نجاح سلام: “شئ من الغضب”، مروان خوري: دواير.

كما كتب أغاني العديد من المسلسلات. مثل النديم، ذئاب الجبل، مسألة مبدأ وغيرها، وكتب حوار وأغاني أفلام “شيء من الخوف، الطوق والإسورة”، وأغاني أفلام “البريء”.

جوائز

من أهم الجوائز التي حصل عليها “الخال” كأول شاعر عامية مصري: جائزة الدولة التقديرية عام 2001، جائزة محمود درويش للإبداع العربي للعام 2014، وتزوج الأبنودى من الإعلامية نهال كمال وأنجب منها ابنتيه آيه ونور.

مركز ومتحف عبد الرحمن الأبنودي

أما عن مركز ومتحف الخال بقرية أبنود فأصبح قبلة لكل محبيه، وتخليدًا لذكراه عند كل شباب قريته وملهمهم، المركز منقسم لمبنيين الأول والمكتبة بفروعها، والثاني لمتحف.

صالة اطلاع الشباب- مركز ومتحف عبدالرحمن الأبنودي- أبنود- تصوير مريم الرميحي
صالة إطلاع الشباب- مركز ومتحف عبدالرحمن الأبنودي

يروي أحمد خليل، مدير مركز ومتحف عبدالرحمن الأبنودي الثقافي فكرة المركز. يقول “بدأت الإنشاءات في عام 2003، للمكتبة كمرحلة أولى من قبل صندوق التنمية الثقافية. وتم الانتهاء منه في عام 2004، وافتتح وسُلم لقطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة عام 2008 بحضور الخال.

قاعة الهوايات- مركز ومتحف عبدالرحمن الأبنودي- أبنود- تصوير مريم الرميحي
قاعة الهوايات- مركز ومتحف عبدالرحمن الأبنودي

مبنى المكتبة يحتوي على مكتبتين، إحداهما للكبار وأخرى للصغار، وحجرة للهوايات، وأخرى للكمبيوتر. 

مركز ومتحف عبدالرحمن الأبنودي- أبنود- تصوير مريم الرميحي
مركز ومتحف عبدالرحمن الأبنودي

لفت خليل، أن الأبنودي شاهد المتحف ووضع فيه من مقتنياته. منها “بدلة” و”32 صورة”، فضلا عن 8 آخرين في حجرة الأشرطة التسجيلية الملحقة. ومجموعة السيرة الهلالية مدون على أغلفتها بخط يده، ودواوينه الشعرية، وعدد من الجوائز المصرية والعربية.

ولكن لم يمهله العمر حتى يشهد افتتاح المعرض، بعد 40 يومًا من وفاته في 21 إبريل عام 2015.

 

 

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر