«ساكنة بك» خارج سجل المباني المتميزة: التضحية بتراث المدينة

15 عامًا هي المدة التي قضاها ملاك بيت «ساكنة بك» انتظارًا للموافقة الرسمية على ترميم القصر التاريخي -على نفقتهم الشخصية- لكن دون جدوى. جاءت الإجابة الرسمية منذ أيام حيث تم إبلاغهم مصادفةً أن المبنى قد تم شطبه من سجل المباني ذات الطراز المعماري المتميز لمحافظة القاهرة!

وفقًا للمستند الرسمي الذي اطلع عليه «باب مصر» فقد جرى اعتماد قرار الحذف من جانب الدكتور عاصم الجزار وزير الإسكان والمجتمعات العمرانية، ونشر بالجريدة الرسمية في عددها رقم 293 والصادر في 31 ديسمبر من عام 2022.

صورة من قرار حذف البيت
صورة من قرار حذف البيت
تراث مبعثر بين الجهات الرسمية

شهيرة محرز خبيرة الفن الإسلامي خاضت طوال تلك السنوات رحلة امتدت قرابة الـ15 عامًا أملًا في استخراج قرار رسمي بالموافقة على ترميم القصر لكن دون جدوى فهي أحد ملاكه وممثلتهم الرسمية في اتخاذ القرارات.

شرحت محرز لـ«باب مصر» المشكلة وقالت: قصر ساكنة بك جرى حذفه دون الرجوع للجهاز القومي للتنسيق الحضاري، وقد حذف بناء على طلب لجنة التراث في الحي، فخلال الأسبوع الماضي تساقط جزء من عقار رقم 52 وهو عقار ملاصق للقصر، وعليه اتخذ الحي قراره بإزالة هذا العقار، وبالفعل تم هدم البيت حتى  مستوى سطح الأرض.

البوابة الرئيسية
البوابة الرئيسية

تكمل: خلال أعمال الإزالة توجه المحامي الخاص بنا للمهندس المسئول عن أعمال الإزالة داخل الموقع، وقد ادعى المهندس أن هناك قرار آخر بإخراج قصر سكنة بك من قائمة الطراز المعماري المميز منذ أواخر عام 2022! وهو الأمر الذي لم يبلغنا به أحد طوال تلك الفترة، فقد تواصلنا بالفعل منذ أيام قليلة مع مهندس لجنة التراث الذي أكد أن القصر لا يزال على قائمة الطراز المعماري المميز. لكننا تسلمنا خلال هذا الأسبوع القرار الرسمي الذي يفيد بإزالة العقار من قائمة التراث منذ أواخر عام 2022 دون علم أي أحد منا!

معدات حفر ثقيلة!

وفقًا لشهيرة محرز وكذلك المستندات التي أطلعتنا عليها فقد بدأ ملاك القصر بالمخاطبات الرسمية للترميم منذ شراء المنزل؛ أي عام 2008، حيث تقدموا بطلب للمحافظ للموافقة على الترميم لكنهم لم يتلقوا ردًا. وفي عام 2011 تكرر الطلب فقدموا شكوى رسمية لاستصدار قرار ترميم ولكن دون جدوى أيضًا. تكررت المحاولات لأكثر من 5 مرات طوال تلك السنوات ولم يتلقوا أي رد. إلا أنه خلال شهر أغسطس من عام 2022 قام الحى بـ«تطوير» شارع الخليفة، إذ استعانوا بعض أعمال الحفر بالمعدات الثقيلة وهو أمر يخالف طبيعة التعامل مع المدينة التاريخية، وقد أثرت هذه الأعمال على العقار، وبالفعل بتاريخ الثالث من أغسطس عام 2022 انهار حائط القصر المقابل لمنطقة عمل المعدات الثقيلة وفقًا لما ذكرته لنا شهيرة محرز؛ وبناء عليه تقدم الملاك بالورق الرسمي الذي يفيد بطلبهم لترميم القصر، وقد أحيل الموضوع حينها للجنة المحافظة المسئولة عن نطاق المنطقة الجنوبية والتي لم ترد على هذا الطلب هي الأخرى.

أعمال الحفر بالمعدات الثقيلة بجوار المنزل
أعمال الحفر بالمعدات الثقيلة بجوار المنزل

تؤكد شهيرة أنه نظرًا للقيمة المعمارية والتاريخية الاستثنائية للمبنى فإن خططتهم كانت دائمًا ترميم القصر؛ ومن ثم إعادة توظيفه في أنشطة واستخدامات تضاف لمجهودات إحياء مدينة القاهرة التاريخية.

خطورة داهمة

المهندس محمد أبو سعدة رئيس الجهاز القومي للتنسيق الحضاري تحدث إلينا عن الوضع قائلًا: حتى الآن لجنة التظلمات داخل الجهاز القومي للتنسيق الحضاري لم تتلقى أي شكوى بخصوص العقار، ولم يرد إليّ قرار حذفه.

وحول ما إذا كانت المحافظة قادرة على تجاوز التنسيق الحضاري وحذف العقار. أجاب: من الممكن أن تتخذ المحافظة قرار الحذف دون الرجوع إلينا نظرًا لأن هناك لجنة رسمية معنية بالحذف، والإضافة، وهي تعمل من جانب المحافظة واسمها «اللجنة الدائمة لحصر المبان والمنشئات ذات الطابع المعماري» وهي تضم متخصصين في الترميم، والآثار، فإذا كان المبنى يواجه خطورة داهمة فمهمة هذه اللجنة في تلك الحالة كتابة تقرير رسمي لتحديد مصير المبنى؛ سواء إمكانية ترميمه أو حذفه بشكل نهائي. لكن على أية حال أنا لم أطلع على حيثيات الحذف حتى الآن، وسأقوم بالتواصل لمعرفة ما جرى، لأن المبنى إذا تعرض لانهيار فهنا لا يمكن أن نتدخل لأنه سيكون هناك خطورة داهمة على المارة والسكان.  واقترح المهندس أبو سعدة ترميم المنزل من جانب أصحابه إذ صح أنه قد تم حذفه من قوائم التسجيل قائلًا: في هذه الحالة لن يحتاجوا لموافقة رسمية لترميم العقار.

التضحية بتراث المدينة

يذكر أن قصر ساكنة بك مبنى على مساحة 750 مترًا، ويتكون من 17 غرفة، وقد أهداه محمد علي باشا إلى الخديو إسماعيل، والذي أهداه بدوره إلى  «ساكنة بك» التي كانت بمثابة سيدة الغناء في هذا العصر، وهي أخر سيدة يتم منحها لقب البكاوية رسميًا، إذ يطلق عليها المهتمين بالتراث الغنائي لقب أم كلثوم القرن الـ19.

تم تسجيل القصر كطراز معماري مميز من جانب التنسيق الحضاري عام 2007 وذلك وفقًا للقانون رقك 144 لسنة 2006، وقد قام بشراء القصر مجموعة من المهتمين بالتراث المعماري للقاهرة التاريخية عام 2008 لترميمه وإعادة توظيفه والحفاظ عليه كقيمة تاريخية ومعمارية استثنائية، وقد قاموا بتكليف مجموعة من الخبراء والمرممين والمعماريين بالتوثيق المعماري والتاريخي للقصر وتقدموا لأكثر من مرة للحصول على رخصة لترميمه منذ تاریخ شراؤه لكن دون رد، إلى أن جاء الرد بشكل رسمي بحذفه رسميًا من عداد المبان ذات الطراز المتميز.

اقرا أيضا:

بالمستندات.. الآثار توافق على تحويل قصر الأمير طاز والتكية المولوية لقاعة أفراح

 

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر