«موون نايت» بين محمد دياب ومحمد صلاح!

كل عشاق أفلام “مارفل”، وآه لو تعرف كم يبلغ عدد عشاق “مارفل”. يقرأون الآن عن مصر الفرعونية، وعن معتقداتها وأساطيرها وحكاياتها، ويبحثون عن الموسيقى والأغاني المصرية الحديثة. خاصة تلك المعاد توزيعها بإيقاعات سريعة، وهم يعرفون اسم المخرج المصري محمد دياب، مثلما يعرف عشاق كرة القدم اسم محمد صلاح، وذلك بفضل المسلسل الأكثر نجاحا الآن وهو Moon Knight، أو “فارس القمر” الذي شوهد في حوالي مليوني بيت يشترك سكانه في منصة “ديزني+” في الولايات المتحدة فقط، بجانب ملايين آخرين على مستوى العالم شاهدوا المسلسل على “ديزني+” أو OSN أو في نسخه المقرصنة.

سوبر هيرو مصر

المسلسل الذي أصبح ثاني أكثر مسلسل من إنتاج “مارفل” تم مشاهدته (بعد “لوكي” الذي عرض العام الماضي) يتكون من ست حلقات، وهو مقتبس، مثل كل أعمال “مارفل”، من قصص المجلات المصورة المعروفة بالـ”كوميكس” comics، والتي يدور معظمها حول أبطال خارقين Super Heroes من مختلف الأشكال والألوان. وبطل “فارس القمر” الخارق هو خونشو، إله القمر عند الفراعنة، الذي يسعى لتحقيق العدالة والانتقام من المجرمين من خلال ارتداءه، أو حلوله في جسد إنسان، ويظهر في المسلسل “مجلس الآلهة التسعة”، أو “التاسوع” كما يطلق عليه. بالإضافة إلى عدد آخر من الكائنات الأسطورية، كما تظهر مصر المعاصرة، حيث تدور كثير من الأحداث.

المسلسل يلعب بطولته النجمان أوسكار أيزاك وإيثان هوك، وممثلة شابة مصرية فلسطينية اسمها مي القلماوي، تحولت بين ليلة وضحاها إلى نجمة شهيرة، وهي تتحول في العمل إلى شخصية خارقة أخرى، لا داع لـ”حرقها” لمن لم يشاهد المسلسل، ولكن، كما يذكر على لسان إحدى الشخصيات، فهي أول “بطلة خارقة مصرية” (إذا استبعدنا الشخصيات الهزلية من نوعية “فرافيرو” و”الرجل العناب” و”سوبر ميرو”!)، وأغلب الظن، حسب معظم المؤشرات والتوقعات، أن هذه البطلة المصرية الخارقة ستنضم قريبا جدا إلى مجلس أبطال “مارفل” وتظهر في أعمال قادمة بدور ومساحة أكبر.

نجاح المسلسل

أغلب الظن أيضا أن النجاح الفائق للمسلسل سيشجع شركتي “مارفل” و”ديزني” (اللذان اندمجا الآن) على صنع موسم ثان من العمل. خاصة وأن الموسم الأول ذهب معظمه في شرح تاريخ الشخصيات، والصراع الحقيقي لم يكد يبدأ بعد. وسواء عهد لمحمد دياب بصنع الموسم القادم أم لا، فمن المؤكد أن “مون نايت” لن يكون آخر عهد دياب بهوليوود.

في “مون نايت” يثبت المخرج المصري أن الفارق بين السينما المصرية والعالمية لا يكمن في المواهب أو الإمكانيات الفردية، ولكن في “النظام” ومناخ العمل وبالأساس في القائمين على الإنتاج الذين يتمتعون بموهبة قيادة الفريق الفني باحترافية. وإذا كنت قد قارنت اسم محمد دياب بين عشاق “مارفل” باسم محمد صلاح بين عشاق كرة القدم، فلابد أن أقارن اسم كيفين فيج رئيس شركة “مارفل” والعقل المفكر لها باسم يورجن كلوب المدير الفني لفريق ليفربول. ويكفي أن أذكر أن أعمال “مارفل” خلال فترة رئاسة كيفين فيج لها منذ خمسة عشر عاما قد حققت إيرادات بلغت 27 مليار دولار، مما يجعله أنجح منتج في التاريخ!!

سر التميز

محمد دياب في “مون نايت” مختلف عن أعماله التي قدمها في مصر والعالم العربي، بالرغم من أن بعض هذه الأعمال متميز مثل “678” و”اشتباك” (كمخرج وكاتب سيناريو) و”الجزيرة” و”ديكور” ومسلسل “طايع” (ككاتب سيناريو فقط). ربما يكمن الفارق في أن لكل كلمة وثانية من “مون نايت” هدف وسبب وجود، raison d’etre كما يقول الفرنسيون. ليس هناك لحظة حشو أو استسهال أو حدث أو لفتة رأس لم تخضع لتفكير طويل وتنفيذ دقيق واختيار متناسق ومتناسب في غرفة المونتاج.

خذ عندك عنصرا واحدا مثل الموسيقى (التي تعاني من اضطرابات معوية شديدة في معظم الأعمال المصرية). في الحلقات الأربع التي أخرجها دياب (بقية الحلقات(اثنتان) قام بإخراجهما آخرون تحت إشرافه) يوظف عددا من الأغاني الكلاسيكية لعبد الحليم حافظ ونجاة ووردة، بجانب مقطوعات للدي جي كابو وغيرها، بالإضافة إلى الموسيقى التي وضعها هشام نزيه خصيصا للعمل، والمستوحاة من موسيقى حفل افتتاح المتحف الكبير التي قام بوضعها منذ عام. هناك أيضا أغان وموسيقى غربية كثيرة في المسلسل، وشريط الصوت بشكل عام ممتع ومبهج ومتميز. لكن أدعو المشاهد للتركيز على توظيف الأغاني والموسيقى المصرية: متى تستخدم وكيف وكم عدد الثواني التي تستغرقها؟ لا لحظة أقل ولا لحظة أزيد من اللازم، والأكثر من هذا أن توظيفها يتسم بذكاء ومكر الغواية، فهي تثير شهية المشاهد ولكن لا تشبعه، ولعل ذلك أحد أسباب الولع بالموسيقى المصرية الذي أصاب عشاق “مارفل” عقب المسلسل.

..ولكن للأسف!

الكثير يمكن أن يقال عن “مون نايت”، لكن ما بقى من سطور هذا المقال يمتلئ بالحزن والأسف على حالنا. ففي الوقت الذي يبحث فيه الملايين عن مصر وفنونها وثقافتها، تم رفض تصوير أيا من مشاهد المسلسل في مصر، وذهب صناعه إلى المجر والأردن للبحث عن خلفيات تشبه مصر. وبينما راحت الصحف ووسائل الإعلام العالمية تحتفي بالعمل وصناعه (هناك آلاف وآلاف من المقالات والتقارير منشورة بكل اللغات عنه) كلها مفرحة، باستثناء تلك التي تتحدث عن مواقع تصوير العمل وتشير إلى أن السلطات المصرية رفضت تصويره في مصر، وتنشر صورا وقصصا من مواقع التصوير البديلة في المجر والأردن… بينما في مصر تهاجم عيوننا تلك الفيديوهات والأخبار عن التحرش الجماعي بالسائحات تحت سفح الهرم!

اقرأ أيضا

التطرف والكومباوند وتهريب الآثار: الواقع وفقا لـ دراما رمضان!

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر