أسبوع مصر الجديدة يكشف: المحاور المرورية تهدد النسيج العمراني للحي

شهد الأسبوع الماضي ختام فعاليات «أسبوع مصر الجديدة»، الذي نظمته مؤسسة تراث هليوبوليس احتفالًا بمرور 118 عامًا على إنشاء حي مصر الجديدة. التحديات التي يواجهها الحي خلال المستقبل كان لها النصيب الأكبر من النقاشات على مدار الأسبوع.. «باب مصر» يستعرض التفاصيل.

خدمة الناس لا السيارات!

من أبرز ما جاء خلال فعاليات الأسبوع، هو ما ذكره الدكتور خالد زكريا، مؤسس المجموعة الدولية للاستشارات «يوكلي» في المملكة المتحدة وأستاذ العمارة والتصميم العمراني. إذ أشار إلى أثر النقل السريع داخل المدن والأحياء. وقال: «التطور العمراني السريع ونموه من المعتقد أنه بحلول عام 2050، سيعيش أكثر من 70% من سكان العالم داخل المدن. هذا الأمر يعطي أهمية خاصة في التعامل مع المدن وطرق التعامل معها.

فهناك الكثير من الإجراءات الاحترازية، لكننا للأسف بعيدين عنها، لكن يجب أن نتحرك. لأننا في الوقت الحالي نمتلك الكثير من البؤر السكانية الكبيرة داخل القاهرة والإسكندرية. وهو الأمر الذي أثر سلبًا بسبب عدم قدرة تلك المدن على توفير خدمات جيدة للسكان ممن هم بداخلها.

فالقاهرة في ثلاثينيات القرن الماضي كانت تحصد الجائزة الأولى على مستوى العالم. باعتبارها أجمل مدن العالم، وكانت في ذلك الوقت تنافس لندن، ونيويورك، وباريس. لكن ما حدث أن المدينة خلال السنوات التالية، أصابها التدهور، بسبب العديد من العوامل. فقد فقدت المدينة مقومات اتصالها، ولم تعد متصلة مع الناس. إذ انفصلت بصورة ما عن تاريخها العريق وهذا ما يجب أن يتم مراعاته خلال السنوات المقبلة، فالمدن خلقت لخدمة الإنسان لا لخدمة السيارات»!

غياب الأرقام الرسمية

وتحدث الدكتور أحمد أسامة، مدير مركز بحوث الاستدامة بكلية الهندسة جامعة عين شمس، عن مشاكل المحاور الجديدة وما سببته من مشكلات داخل حي مصر الجديدة. إذ أوضح أن المركز أنشئ لوضع حلول متعلقة بمشاكل التنقل الموجودة في الدول المحيطة، وكذلك مصر.

يقول: «حوادث الطرق تؤثر بشكل سنوي على أكثر من 100 ألف مصري سنويًا، ما بين وفيات، وإصابات بالغة، وكذلك إصابات طفيفة. كما أن حوادث السيارات تؤدي لخسارة مصر ما يقرب من 7 مليار دولار سنويًا. هذا الرقم ضخم جدًا بطبيعة الحال، وهذا رقم ضخم أيضًا بالنسبة لدولة نامية، تعاني اقتصاديًا. لذلك من المفترض وضعة خطة أمان لسكان المدن.

وهنا لا يجب أن يكون هدفنا فقط توفير الانسيابية المرورية لأصحاب السيارات الخاصة فقط. بل يجب وضع اعتبار أن مثل هذه الشوارع تستخدم من جانب المشاة، وأصحاب الدراجات، والدراجات الهوائية.

لذلك المفترض توفير المعلومات الكافية لتجنب حدوث المشاكل داخل المدن. وهذه البيانات للأسف الشديد «شحيحة» داخل مصر، وهي متفرقة بين عدة جهات. فمؤخرًا وبعد تحديثات الطرق داخل مصر الجديدة نجد حوادث خطيرة بصورة شبه يومية. لكن مع الأسف الشديد لا توجد بيانات واضحة حول الحوادث».

يستطرد: بدأنا منذ عامين عمل ما يسمى بـ Street guards، وهو موقع إلكتروني نهدف من خلاله توفير بيانات كاملة حول الحوادث. من خلال الاعتماد على بيانات الجمهور، فمن خلالهم يتم إمدادنا ببيانات الحوادث التي حدثت في نطاقهم. كذلك فنحن نقوم بعمليات تجميع لبيانات الحوادث. إذ نستعين في ذلك بصفحات مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تقوم بنشر بيانات تفصيلية حولها، من خلال الأعضاء، وهذه الأمور فادتنا كثيرًا.

بؤر رئيسية

وأضاف أسامة: بسبب شكاوي سكان مصر الجديدة خلال السنوات القليلة الماضية، من الحوادث الكثيرة بدأنا تحليل بيانات الحي بشكل كامل، وقام الباحثين عندنا بتحديد البؤر غير الآمنة داخل الحي. ومنها مثلًا 4 أماكن رئيسية مثل شارع أبوبكر الصديق والذي تسبب في كثير من الحوادث والوفيات. وكذلك ميدان الحجاز إذ يتم استخدام سرعات عالية، وكذلك الألف مسكن مع تقاطع شارع جسر السويس وشارع فريد سميكة.

وأيضًا شارع جوزيف تيتو، والذي تستخدم فيه سرعات عالية. كذلك فالإضاءة الليلية بداخله لا تناسب طبيعة المكان، لأن أنوارها قليلة وخافتة. وهذا الأمر يؤدي لمشكلات كثيرة «نحن حاليًا نملك الكثير من البيانات التي قمنا بجمعها لمدة عامين. لذلك نرحب بالتعاون مع الجهات المختلفة، لتنفيذ ما وضعناه من حلول لهذه المشكلات».

أصحاب القرار

وأكمل المهندس والمخطط العمراني عمرو عصام ما طرحه المهندس أحمد أسامة. أشار أيضًا إلى الدراسة التي شارك في إعدادها من خلال مؤسسة “ندى” بالتعاون مع مؤسسة فريدريش أيبرت الألمانية. والتي حملت عنوان: «مصر الجديدة.. المشاة والبنية الأساسية للتنقل».

يقول: «أردنا دراسة مصر الجديدة، وفهمها في سياق أكبر من كونها ضاحية قديمة، فمصر الجديدة حاليًا يتم اعتبارها منطقة انتقالية بين شرق القاهرة وغربها. وهذا ما يراه أصحاب القرار حاليًا؛ وبالتالي لم تكن فكرة استقلالية المنطقة مدرجة في اعتبار متخذ القرار قبل ذلك، وهذا الأمر قمنا بمراعاته خلال الدراسة».

وسيلة مواصلات بينية

واستطرد عصام: من الضروري الاعتماد على المشي داخل المدن كوسيلة للتنقل. لأنه يقلل من فرص الإصابة ببعض الأمراض، كذلك يجب مراعاة المشاة، وإعطاءهم أولوية الاهتمام. فقد ناقشنا في الدراسة موقع مصر الجديدة، وفكرة استغلالها لصالح مشروعات التحديث العمراني داخل القاهرة.

وكذلك استعرضنا المشروعات والخطط التي طرحت خلال الـ20 سنة الماضية. ومنها شبكة الترام والتي أزيلت للأسف خلال السنوات الأخيرة، وصولًا للشكل الذي وصلت عليه حاليًا. لذلك أرى أنه من الضروري خلق بيئة آمنة وتشجيع الدراسات المتعلقة بالمشي، باعتباره وسيلة مواصلات بينية، وليس الاعتماد عليه بشكل كامل.

أرقام مزعجة

ويرى المخطط العمراني أنه منذ عام 2014 مرّت مصر الجديدة بالعديد من التحولات والتغيرات الكبيرة. والتي أدت للتحولات كثيرة ومنها إزالة الأشجار التي عرفت عن المدينة منذ نشأتها. وكذلك تحويل أهم ميادينها واستبدالها بكباري لعبور السيارات، بجانب تقليص الفراغات العامة داخل المدينة.

كما أن السيارات الخاصة سيطرت على مشهد التنقل داخل الحي وبلغت نحو 72% وهو رقم ضخم. أما وسائل النقل العام والجماعي فقد بلغت نحو، 24%، وهذا يعني أن عمليات توسعة الطرق. شكلت حافزًا لأصحاب السيارات الخاصة على استخدامها، وهذا تحول سيء بطبيعة الأمر.

كما أننا خرجنا بنتائج من خلال البحث الميداني، فقد وجدنا أن 65% من سكان الحي ليدهم الرغبة في المشي. لكنهم لا يمتلكون محفزات المشي، كما أن 93% من سكان مصر الجديدة رفضوا ما تم داخل مصر الجديدة من توسيع للطرق. كذلك فإن 94% اشتكوا من عدم الأمان عند عبورهم للطرق. و76% من السكان أوضحوا أنهم غير آمنين داخل المدينة، كما أن 100% من سكان المنطقة لاحظوا ارتفاع نسبة التلوث داخل مصر الجديدة.

مراعاة الطابع التراثي

ونوه المهندس المعماري تامر ناصر، الرئيس التنفيذي لشركة مصر الجديدة للإسكان، بأنهم كشركة استثمارية يسعوا دائمًا للحفاظ على الجانب التراثي لحي مصر الجديدة.

يقول: «غلق غرناطة لسنوات أثر عليها بشكل كامل للأسف الشديد، لكن بمساعدة المتخصصين استعدناها مرة أخرى. وأعدنا ترميمها، رغبة منا في إحياء الماضي. وحاليًا نسعى لتشغيل الموقع لاستخدامه في أنشطة ملائمة؛ لذلك ندعو كافة الشركات الخاصة لمشاركتنا في تطوير تراث مصر الجديدة، لأنه جدير بالاحتفاظ به.

أما بخصوص حديقة الميرلاند، فقد قمنا في الفترة الماضية بافتتاح أجزاء منها وتطويرها، ومراعاة طابعها التراثي. كذلك نحاول تحويلها مركزًا لأنشطة الأطفال المختلفة، وهذا ما نعمل عليه خلال الفترة المقبلة».

وأضافت الدكتورة هايدي شلبي، مدير الإدارة العامة للحفاظ على المباني والمناطق التاريخية بالجهاز القومي للتنسيق الحضاري، أن الحفاظ على التراث يكون باستخدامه. وهذا الأمر ما أثبتته التجارب الحديثة، فنحن لا نسعى لغلقها كما كان حدث من قبل.

تقول: «خلال السنوات القليلة الماضية بدأنا بالفعل عمليات إعادة استغلال المباني التراثية، بطرق لم تكن مطروحة من قبل. وبدأت الشراكات مع القطاع الخاص في العملية، وهذا الأمر ما يقوم به العالم اليوم».

من فعاليات أسبوع مصر الجديدة
من فعاليات أسبوع مصر الجديدة
دور التنسيق الحضاري

وعن دور الجهاز القومي للتنسيق الحضاري داخل حي مصر الجديدة قالت: “جهاز التنسيق الحضاري كان له دورا واضحا في مصر الجديدة. إذ وضعنا أسس التعامل داخل المدينة، ومنها تحديد حدود تقسيم لأجزاء مصر الجديدة لعدة نطاقات وهم (أ، ب، ج)، وكلًا منهم له اشتراطاته الخاصة.

فنحن سجلنا 754 مبنى داخل حدود مصر الجديدة. وهو رقم لا تنافسه سوى القاهرة الخديوية، والتي تحوي بداخلها 752 مبنى تراثي. فنحن نملك قاعدة واضحة لهذه المبان، وتصنيفاتها المختلفة، وكذلك مالكي العقار. ومن هنا نبدأ بالعمل على أرض الواقع، للحفاظ على هذه المبان من أية اعتداءات، فنحن عندنا لجان فحص هي من تتولى هذه المسؤولية”.

أوضحت الدكتورة دليلة الكرداني، أستاذ العمارة والتصميم العمراني بكلية الهندسية جامعة القاهرة، أن هناك عمليات إدارة التراث في الوقت الحالي باتت أكثر مرونة. إذ تتوفر العديد من المقترحات، منها فكرة القروض الدوارة. وهي فكرة مبنية على ترميم المبان التراثية الموجودة في نطاق ضيق، من خلال تحديد نسبة ربح بسيطة. ثم تشغيل المبنى وتحقيق عوائد لتسديد قيمة القرض. ومن ثم استكمال عمليات تطوير الشوارع والمبان التراثية بهذه الطريقة.

اقرأ أيضا:

مصر الجديدة تحتفل بمرور 118 سنة على إنشائها

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر