عرض لكتاب “برنارد شو” تأليف سلامة موسى

كتب – مارك أمجد

يقول سلامة في مقدمة كتابه “برنارد شو”، منذ أكثر من ثلاثين سنة، كنت على نية إخراج هذا الكتاب، ولكن ما كان يمنعني هو ما أحسه من الجمود العام في الجمهور، وهو جمود كانت تؤيده قوات رجعية عديدة في البلاد مثل القصر والاستعمار ودعاة التقاليد.

وكان كل هؤلاء في تحالف خفي غير واع أو واع، لأنهم كانوا يستغلون الشعب ويكرهون إرتقاءه الذي يهدد امتيازاتهم وينتقص من قوة مراكزهم ومبالغ ثرواتهم، ولكن الهواء الجديد الذي هبت نفحاته منذ قيام ثوررة 1952، قد أتاح لي التفكير في هذا الكتاب والتفريج عما اختمر واحتبس في نفسي طوال السنين الماضية.

علاقة سلامة موسى ببرنارد شو

يُعد المفكر المصري سلامة موسى واحد من أهم أركان العقيدة الفلسفية في مصر إبان القرن العشرين، وربما هو أجدر منْ يكتب من مؤلفي زمانه عن برنارد شو، لأسباب كثيرة يأتي على رأسها أنه قابل مُعلّمه بالفعل أثناء فترة معيشته في لندن بين عامي 1908-1914، وكان برنارد شو وقتها بلغ الخامسة والخمسين من عمره، ويقول عنه موسى لما قابله: “وجدت رجلا تجلل وجهه لحية صهباء كأنها لهب من نار، ولم يكن يطلقها عن مذهب، وإنما كان يهدف منها إلى ستر آثار الجدري الذي أصيب به وهو صغير فترك نقورا في وجهه”.

يتحدث سلامة موسى عن نشأة برنارد شو الفكرية فيكشف أنه لم يحصل على تعليم جامعي وإنما ثقف نفسه بنفسه، متأثرا بأفكار كثيرين منهم كارل ماركس، ونيتشه، وصامويل بطلر، وهنريك أبسن، وكان برنارد شو على فخر بتلك التفصيلة من شخصيته إذ رأى المؤسسات الأكاديمية في بلده تُخرج نماذج نمطية من المتعلمين.

ويروي موسى بخصوص البيئة المنزلية التي ولد بها الفيلسوف كيف كانت مضعضعة بسبب خناقات الوالدين، حيث كان الأب رجلا سكيرا يعود كل يوم لمنزله في وقت متأخر، وكانت الأم على شجار متواصل معه لأنها تعتبره زوجا فاشلا، ويحلل موسى تلك النقطة بأنها عقدة “أوديب” بشكل منعكس، إذ كره الابن أمه لما وجدها لا تحترم أباه الذي يحب أن يقتدي به.

كما يروي موسى كيف كان برنارد شو رجلا نباتيا، ولم يكتف بالامتناع عن اللحم وإنما أيضا التبغ والخمور والقهوة والشاي، وفي اعتقاد موسى أن مثل تلك المحرمات عند الفيلسوف لم تكن بدافع الصحة فقط وإنما النسك أيضا.

ثم يتطرق مؤلف الكتاب للحديث عن الحياة الزوجية لبرنارد شو، فيوضح آراء الأخير في الصداقة التي هي أهم من الحب، إذ أصرّ الفيلسوف أن تظل علاقته بزوجته بلا معاشرة جنسية، وكان كل منهما يقطن بيتا مختلفا ويقضيان سويا بعض الأوقات خلال الأسبوع ويراسلان بعضهما بالخطابات، ورغم ذلك كانت علاقتهما العاطفية متأججة حتى مماتها، فحزن برنارد شو كثيرا وقتها وطلب بحرق جثمانها في أحد مرامد لندن كي يحتفظ برمادها.

طريقة برنارد شو في العمل على مؤلفاته

يصف سلامة موسى كيف كان برنارد شو يعمل في غرفة نائية داخل حديقة منزله بعيدا عن أي مصدر ضوضاء، حتى أن خادمه إذا دخل عليه كان يترك له ما يريده مكتوبا على ورقة حتى يقرأها متى فرغ.

أما عن طريقته في التأليف فكان يترك الموضوع يختمر في ذهنه لمدة عام أو عامين، يقرأ خلالها عشرات الكتب التي تدفعه للوقوف على محاور حبكته، ثم يشرع في الكتابة وقد يستغرق تأليف الدراما شهر أو أسبوع أو سنتين أو ثلاث، ويحكي موسى في كتابه كيف كان مُعلمه يسقط على أرض الغرفة من الإعياء أثناء التأليف.

من أجواء الكتاب نقرأ

يقول برنارد شو في مذكراته: “لست أنا من الكتاب العاديين المألوفين، إذ أنا اختصاصي في تأليف الدرامات التي تتصل بالأخلاق والزندقة، وقد كسبت شهرتي بمثابرتي على الكفاح كي أحمل الجمهور على أن يعيد النظر في أخلاقه، وأنا حين أؤلف دراماتي إنما أقصد منها إلى هدف هو حمل الشعب على أن يأخذ بآرائي في شؤونه الجنسية والاجتماعية. وليس في نفسي باعث آخر للكتابة إذ أني أستطيع أن أحصل على لُقمتي بدونها”.

عن كتاب برنارد شو

الكتاب صادر عن دار ومطابع المستقبل بالفجالة والإسكندرية طبعة أولى 1957 وطبعة مزيدة 1977 في 224 صفحة من القطع الصغير، ومُزود في نهايته بملحق صور من حياة برنارد شو نفسه، سواء صور شخصية أو مع أسرته أو مع بعض مُفكري عصره.

اقرأ أيضا

 

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر