واجهات المنازل العثمانية في إسنا: جمال تحت التهديد

تمتلئ مدينة إسنا في الأقصر بالعديد من واجهات المنازل الخشبية المزخرفة بكتابات قبطية وإسلامية تفوح منها رائحة التاريخ والحضارة. في كل أزقة المدينة سنجد واجهات منازل فهمي رافائيل وحسن مجاهد وغالي عوض ومتولى راجح أبرز الواجهات اللافتة للنظر.. «باب مصر» يستعرض تاريخ تلك الواجهات.

منازل إسنا

يقول أحمد عبدالله الطاهر، مفتش آثار إسنا وأرمنت: “هناك العديد من واجهات المنازل العثمانية بإسنا، ومنها واجهة منزل فهمي رافائيل. هذا المنزل ضمن الآثار العثمانية التراثية غير المسجلة في هيئة الآثار، لكنه منزل من الآثار الخالدة وباقي إلى الآن، ومن المحتمل إزالته خلال الفترة المقبلة بعد صدور قرار بهدم المنزل”.

منزل فهمي رافائيل بإسنا

وتابع: منزل فهمي رافائيل من أجمل المنازل العثمانية. فهو محتفظ بحالته منذ سنوات عديدة وعند الدخول إليه عليك النزول أربع درجات لأنه منخفض عن سطح الأرض. أما واجهة المنزل بها مساحة مستطيلة يغلق عليها الباب. وتزخر عتبته بالزخارف والكتابات المؤرخة بالتاريخ القبطي تجدد سنة 1600 قبطية، أي تعادل 1884 ميلادية، 1302 هجرية. وعليها بعض الكتابات والنصوص القبطية منها: “لا تتوكل على السادة آل الجاه. ولا على ابن آدم فليس بنجاة”. ويفصل بين هذه الجمل زخارف بالصليب بين كل بحريين كتابين ومنها: “رأس الحكمة مخافة الله. السيد المسيح يسوع جاء إلي العالم ليخلص الخطاة”.

أرابيسك

يشير الطاهر إلى أهم ما يميز تلك الواجهات وجود نصوص من القرآن الكريم، وزخارف من الحضارة الإسلامية، ومن بين النصوص الدينية الموجودة على المنازل: “هذا من فضل ربي. ربي يسر ولا تعسر. ربي تمم بالخير. وبه نستعين”.

كما توجد على واجهات المنازل أعمال أرابيسك مختلفة وزخارف النجمة الثلاثية المكونة من تداخل الطوب الأسود والخشب، ليكون شكل الطبق النجمي، والعقد الثلاثي والقمرية المستديرة، واستخدم الطوب الياجور الأسود الغامق، وكذلك الطوب الياجور الفاتح، وتدخل الزخارف الإسلامية مع الزخارف القبطية.

ويكمل: وتوجد على الواجهة، برطوم خشبي ليوضع فيه وسيلة إضاءة، وتوجد زخارف أسنان المنشار، فهذه الواجهة احتفظت بقدمها، وكتلتها المعمارية. ويضيف: يجب علينا الحفاظ على هذا التراث لأحفادنا وللعالم أجمع.

واجهة منزل حسن مجاهد

يقول مفتش الآثار: “هناك واجهة منزل حسن مجاهد، الذي كان من أعيان مدينة إسنا  ومن كبار عائلاتها. وبُنيت عام 1295هجرية، 1878 ميلادية، وتُعد الواجهة من أجمل الواجهات في المنازل العثمانية القديمة الفريدة الجميلة. تتداخل فيها عدد من الزخارف الإسلامية والهندسية، وتقع بين أبنية حديثة في موقع شارع سعد زعلول، وخلفها وكالة الجداوي ومعبد إسنا”.

ويشرح الطاهر أن الواجهة مستقلة تماما، وباقي المنزل شبه مندثر، وأصحاب المكان، حافظوا على الواجهة ولم يهدموها. والباب مستطيل كبير مصفح من الخشب والحديد والمسامير الضخمة يغلق عن طريق الضبة والمفتاح. والواجهة عبارة عن عقد مدائني كبير ثلاثي، وعقد آخر ثلاثي داخلي.

منحوتات هندسية

ويشير إلى وجود فتحة للتهوية والإضاءة، تغلق بأبواب خشبية صغيرة. والمنزل به زخارف من الطوب الياجور باللونين الأبيض والأسود، وبه زخارف كأسنان المنشار، وزخارف كالنسيج المتداخلة مكونة من الطوب الياجور الملون، وعتبة الباب عليها نصوص دينية وأدعية لصاحب المكان، وتاريخ المنزل، ومنحوتات هندسية وأشكال وريدات وزخارف أرابيسك.

واجهة منزل حسن مجاهد بمدينة إسنا
واجهة منزل حسن مجاهد بمدينة إسنا

ومن هذه النصوص: قد جاء ينشد سائلا ما حالها  فأجابه سعد السعود مؤرخًا دار تدونها السعادة كلها.

ومن النصوص الدينية: “إنا فتحنا لك فتحا مبينا. بسم الله الرحمن الرحيم. نصر من الله وفتح قريب. وبشر المؤمنين”. ونصوص من النثر على العتبة: “يا حسن دار علاها رونق، وسنا والمجد والعز في روضائها سكنا والسعد أضحي خديمًا أهلها”.

وتابع مفتش الآثار: توجد روابط خشبية عليها منحوتات هندسية وتعمل على ربط المكان وتقويته، وتلك الواجهة بحالتها جيدة، وعمل مشروع تطوير إسنا على تنظيف وتلميع المسام وحشوها فقط، وتعد من أجمل واجهات إسنا.

ضريح الأنصاري

يحكى الطاهر: أن ضريح الشيخ الأنصاري، مدفون فيه الشيخ الحسن الأنصاري واخيه الحسين وابنه محمد. وهو مكون من أكثر من غرفة، وتوجد لوحة قديمة، جنائزية من الحجر، كانت بداخل الضريح، ونقلتها هيئة الآثار أعلى مدخل الضريح من الخارج أثناء تجديده.

ويضيف، تعود الواجهة للعصر الفاطمي. فهي مكتوبة بالخط الكوفي ذو الطرف المتقن، وهو خط الكتابة عليه، تخلو من التنقيط، ومكتوب عليه جزء من سورة القدر. مر على هذه اللوحة أكثر من 1056 عام، وذلك عام 381 هجرية، وأطراف الكتابة تأخذ الشكل المسدس.

وينوه الطاهر بأن الشيخ الأنصاري، نزل إلى إسنا بعد الفتح الإسلامي لمصر، حيث استقرت عائلات كثيرة بعد الفتح في مدينة إسنا.

واجهة منزل غالي عوض

يوضح الطاهر أن المنزل يقع بالطريق المواجه والمؤدي لكنيسة مريم العذراء، وأنشأ عام 1759م، تركه غالي عوض وهاجر إلي السودان، وأجره إلى ممدوح أبوالقاسم الغرابني، وأبوالحجاج رفاعي محمد، وتُعد واجهته من الواجهات القديمة جدًا في مدينة إسنا.

ويكمل أن الواجهة تتزين بالزخارف النباتية والهندسية والمفروكة. وعلى الواجهة، حفرت بعض الكتابات بخط النسخ. ومن بين النصوص: ” يارب الأرباب ما للناس غيرك بارك في هذا البيت وأملاه من خيرك. سعد السعود يلوح في أركانها دار مبارك على ساكنها”.

واجهة منزل غالي عوض بمدينة إسنا
واجهة منزل غالي عوض بمدينة إسنا

واجهة منزل حسن حزين

أيضا يضيف مفتش الآثار، أن منزل حسن حزين من أعيان عائلات إسنا. يوجد المنزل بالقرب من نقطة الشرطة. وتم إنشاؤه عام 1302 هجرية، و1884 ميلادية، التاريخ المسجل على عتبة باب المنزل، كانت لهذا المنزل 4 واجهات، تحيط به الأشجار.

كما يضيف أحمد عبدالله، أن هذه الواجهة تحتوي على كتابات بالحفر الغائر، فالمربع الأيمن من العتبة يحتوي على كتابات دينية: “بسم الله الرحمن الرحيم. إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر. وينصرك الله نصرًا عزيزًا، والمربع الأيسر: نصر من الله وفتح قريب. وبشر المؤمنين”. ويلفت أن الواجهة تحتوي على زخارف هندسية ونباتية والنجمة المثلثة، وأشغال من الخرط على جوانب العتب.

واجهة منزل متولي راجح

تقع تلك الواجهة بشارع الأقصري في مدينة إسنا. ويعود المنزل لصاحبه الشيخ متولي عبدالعال حسن راجح، وتم إنشاء هذا المنزل عام 1303 هجرية، و1884 ميلادية. ويحتوي المنزل على واجهتين، بهما أربع نوافذ مستطيلة الشكل من أجل التهوية، والضوء، داخل المنزل.

ويذكر مفتش الآثار أن العتبة تحتوي على نصوص من القرآن الكريم بالحفر الغائر، وكلمات دينية على العتبة من الناحية اليسرى: “هو الحبيب الذي ترجي شفاعته. جدده الفقير إلى ربه المتعال الشيخ متولي بن عبدالمتعال حسن راجح سنة 1303 جعله الله مباركًا”.

كما تحتوي العتبة أيضًا على زخارف هندسية ونباتية ودوائر بالحفر الغائر، ورسوم نجمية مثلثة ومثمنة الشكل، وكذلك زخارف الخرط.

 

واجهة منزل دار الشبراوي

كما تقع تلك الواجهة في شارع السويقة، وتم إنشاء هذه الواجهة عام 1291 هجرية، و1874 ميلادية. ومسجل التاريخ على عتبة الباب أو الواجهة. وهناك بعض الحروف أيضًا بجوار التاريخ، لأن تاريخ الإنشاء مكتوب على هيئة حساب الجمل، كما كان يحدث قديمًا. ويضيف: تعلو واجهة المنزل فتحة صغيرة مربعة، للتهوية منقوشة بزخارف أرابيسكية، وأسفلها عقد ثلاثي مزخرف بالحفر الغائر، وعليه بعض الكتابات القرآنية والنصوص الدينية الأخرى مكتوبة بطريقة الحفر الغائر.

واجهة منزل عثمان محجوب

أيضا يقول عبدالله: تقع في نفس المحيط الموجودة فيه باقي الواجهات، قريب من معبد إسنا، وتم إنشاؤها عام 1306 هجرية و1888 ميلادية. مسافة تلك الواجهة 10 أمتار، والمنزل يتكون من دورين، ومرتكز على كوابيل وروابط خشبية لتقوية المنزل. كما يحتوي المنزل على النصوص والزخارف الهندسية والنباتية والدينية.

كما يذكر مفتش آثار إسنا وأرمنت، أنه تزخر مدينة إسنا وتشتهر بالمنازل العثمانية وواجهاتها المميزة والتي بنيت بطراز مختلف.. كذلك تبقي الآن بعض الأبواب القديمة ذات الزخارف المختلفة وعليها نصوص كتابية مختلفة.

جانب من واجهة منزل عثمان محجوب بمدينة إسنا
جانب من واجهة منزل عثمان محجوب بمدينة إسنا

اقرأ أيضا

«أحمد جمال»: فنان تشكيلي بدرجة أديب

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر