مونيكا حنا خلال معرض«السيدة زينب»: علم المصريات استعماري بدء مع حملة نابليون

قدمت الدكتورة مونيكا حنا، عميد كلية الآداب بالجامعة الأمريكية في بغداد، محاضرة بعنوان: «إعادة توطين الهوية الثقافية: إيزيس، والسيدة مريم العذراء، والسيدة زينب». وذلك ضمن الفعاليات المصاحبة لمعرض «السيدة زينب: التاريخ، سياسات التطور العمراني والمستقبل»، والذي يستمر في الفترة من 14 وحتى 31 يوليو الجاري بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وهو نتاج تعاون مشترك بين الجامعة الأمريكية وجامعة أوبرلين الأمريكية، بهدف طرح سرديات تاريخية جديدة عن حي «السيدة زينب»، باستخدام مواد تاريخية مختلفة، ومواد أرشيفية، وصور وخرائط.
ربطت «حنا» في محاضرتها بين إيزيس، والسيدة العذراء، والسيدة زينب، إذ ترى أن الصفات بينهن جميعًا متقاربة، رغم التفاوت الزمني لكل شخصية، وهو تصور مبني على إعادة تصوير التخيلات الشعبية المرتبطة بهن. لكن ما دفعها إلى دراسة هذه الجزئية كان حديثًا سابقًا لأحد كبار المسؤولين في المتاحف الألمانية، يدعى البروفيسور هيرمان بارتسينجر، حين تساءل: لماذا يريد المصريون استعادة رأس نفرتيتي، رغم أنها توفيت منذ آلاف السنين، ورغم أنهم لا يعبدون الآن الإله رع أو آمون أو آتون؟ وهنا ردت مونيكا: “الألمان أيضًا لا يعبدون آمون، فلماذا يرفضون رد القطعة إلى مصر؟”.
إعادة التفكير
دفعت هذه التساؤلات مونيكا إلى إعادة التفكير في أسباب ترويج الغرب للحضارة المصرية القديمة باعتبارها “ثقافة ميتة” لم تعد موجودة. وترى أن هذا التعميم غير مصنف، فهناك سمات ثقافية مشتركة ومتوارثة بين الشخصيات الثلاث المحورية: «إيزيس، ومريم، وزينب». وتعتبر أن منطقة الصعيد والدلتا، وكذلك القرى والنجوع، تشكل حاضنة وأرض خصبة للتراث الثقافي المصري.
تقول: «داخل القاهرة، نفقد عادة جزءا كبيرا من تراثنا الثقافي. أردت البحث في ما قاله «هيرمان». لم أصدق ما ردده بشأن أن ثقافتنا القديمة ميتة؛ لذلك بحثت في الفن، لأنه المساحة التي نستطيع من خلالها التفاعل بأشكال مختلفة ومتنوعة. فمثلًا، هناك صور لحورس وهو يقتل تمساحًا، وقد وجدت لها شبهًا كبيرًا بإحدى صور مارجرجس، في دلالة على انتصار الخير على الشر، وهي رموز استخدمت في الفن المصري القديم والقبطي”.

مشكلة علم المصريات
ترى مونيكا أن المشكلة في علم المصريات هي تقديمه كعلم ميت. وتقول: «لم يرد الأجانب تقديم هذا العلم باعتباره ثقافة حقيقية وحية حتى اليوم، لأن علم المصريات نشأ في الأساس بشكل استعماري. مثلًا، ظل المصريون حتى اليوم يقدسون الموت ويتوارثون عقائده الجنائزية. وعندما جاء هيرودوت إلى مصر في القرن الـ5 الميلادي، وديودوروس الصقلي في القرن الأول قبل الميلاد، لاحظا اهتمام المصريين بطقوس الجنازة، وهي عادات ما زلنا نمارسها حتى يومنا هذا، لكن هذه الممارسات تم تجاهل رصدها في علم المصريات».
وتتابع: «في الصعيد مثلًا، لا تزال تمارس طقوس الموت. ومنها: النحيب ثلاثة أيام متواصلة، وتجهيز الطعام. وهناك تشابه بعض الممارسات التي كانت تتم في الحضارة المصرية القديمة على مختلف الديانات حتى اليوم. فداخل مقبرة رمسيس، نجد صورا لنساء يبكين، وقد رسمت الدموع والكحل على وجوههن. الكحل كان رمزا للجمال، لكن النساء كن يضعنه أيضا وقت الموت، وهي عادة متوارثة حتى اليوم».
ممارسات شعبية
تؤكد حنا أن الممارسات الشعبية المتوارثة لا يريد الغرب إظهارها. وتقول: «علم الأنثروبولوجيا، للأسف، علم غربي، مثل علم المصريات. لم نستطع الاحتفاء بالممارسات الشعبية للحضارة المصرية القديمة لأن الدوائر الأكاديمية الغربية لم تهتم بهذه الجوانب. فقد أرادوا الاكتفاء بالبحث عن كنوز توت عنخ آمون وغيره من الملوك، دون النظر في التراكم الثقافي. مثلًا، ممارسات «الرحمة» التي نقوم بها حتى اليوم داخل المقابر، من خلال توزيع الطعام على الفقراء، كانت موجودة أيضًا في الحضارة المصرية القديمة. إذن، هذه حضارة حية ومتجذرة داخل عاداتنا اليومية والاجتماعية».
احتفالات متوارثة
لتأكيد فكرتها، طرحت مونيكا قصة عن مولد أبي الحجاج، المدفون حاليًا داخل مسجد أبي الحجاج بمعبد الأقصر، بعد إعادة استخدام جزء من المعبد ليكون مسجدًا باسمه. تقول: “ولد أبو الحجاج في بغداد، وقرر الاستقرار في الأقصر، وعندما مات أراد السكان تكريمه باعتباره رجلا تقيا له كرامات. والمفارقة أنه عندما دفن في حرم معبد الأقصر بعد نحو 700 عام من آخر احتفال بعيد الأوبت للإله آمون داخل المعبد ذاته، وكان الناس يحتفلون فيه بالغناء والرقص، كما هو الحال اليوم في طقوس الموالد. وهذه الطقوس موجودة أيضًا في المسيحية، إذ دائمًا ما يتم الاحتفاء بالقديسين. وهي عادات متوارثة من الحضارة المصرية القديمة”.
توثيق بلغتنا
تؤكد حنا أن المصريين اهتموا دائمًا بتراثهم، خلافا لما يروج له. لكنها ترى أيضا أن هناك مشكلة تتعلق بعدم الكتابة عن مصر القديمة باللغة العربية. تقول: «عادة يتم تقديم الحضارة المصرية القديمة باللغة الإنجليزية. لذلك من المهم الكتابة عنها بلغتنا الأم، لأن هذا سيساعد الناس على فهم حضارتهم. وأعتقد أن المتحف الذي راعى هذا الجانب هو متحف الحضارة المصرية، إذ يعرض تاريخ تطور الحضارة المصرية. نجد رمسيس الثاني يجاوره الخديو توفيق، وبجانبهما التراث اليوناني والروماني، ثم الفرعوني، ثم الإسلامي والقبطي. هذا التنوع لا نجده في أي من المتاحف الأخرى».

فانتازيا الشرق
تستطرد مونيكا حديثها: بعد عام 2011، لاحظت اهتمامًا كبيرًا من جانب المصريين بزيارة المتاحف المصرية، خاصة خلال الاحتفال باليوم العالمي للمتاحف، حيث شاهدنا طوابير طويلة من المصريين، وهذا يدل على أن المصريين مهتمون بحضارتهم، ولا ينفصلون عنها. فـ”علم المصريات” هو علم استعماري بدأ مع حملة نابليون بونابرت، التي حملت معها “فانتازيا الشرق”، حيث أراد نابليون إيصال رسالة مفادها أن رحلته نحو الشرق ستبدأ من مصر، تمامًا كما فعل الإسكندر الأكبر. لكنه في الواقع لم يكن سوى مستعمر جاء بهدف نهب الآثار المصرية والسيطرة على البلاد والعباد.
وتشير حنا إلى أن الجنود الفرنسيين ارتكبوا انتهاكات صارخة، منها اغتصاب النساء المصريات بطرق بشعة خلال الحملة، الأمر الذي يكذب الرواية التي تقول إن الفرنسيين جاؤوا لاكتشاف أسرار الحضارة المصرية القديمة، فقد كانت أهدافهم استعمارية خالصة، قائمة على النهب والعنف.
وتضيف أن نابليون كان يحتقر المصريين، ويتضح ذلك في تصويره معركة إمبابة، حيث صور المصريين على أنهم عراة حفاة، وأظهر نفسه في هيئة الفارس المغوار، المكتشف لأسرار الحضارة المصرية القديمةَ!
غسل سمعة
ترى حنا أيضًا أن الفرنسيين لم يتركوا شيئًا لمصر خلال الحملة الفرنسية. فعندما قُتل كليبر على يد سليمان الحلبي، أخذت فرنسا جثمانه، واحتفظت بخنجر سليمان في فرنسا. في دلالة على أنهم لم يتركوا شيئًا للمصريين يمكن أن يحتفظوا به في ذاكرتهم. كما سرقت الحملة أيضًا آلاف المخطوطات من داخل الأزهر الشريف.
وتقول إن إنشاء “المعهد الفرنسي للآثار الشرقية” في القاهرة، لم يكن سوى محاولة لحفظ ماء الوجه وكغسيل سمعة بعد هزيمتهم العسكرية، التي لحقت بهم على يد القائد الإنجليزي نيلسون. الذي أحرق سفنهم عندما أدرك أن مخطط نابليون سد الطريق نحو الهند في معركة أبو قير البحرية. وهنا بدأت فرنسا تدرك أنه لا توجد إمكانية للبقاء داخل مصر.
محاولات توبيخ
وفي ختام محاضرتها، أكدت مونيكا أن المخزون والإرث الثقافي المصري، الذي يربط القديم بالحديث- بين إيزيس والسيدة زينب والسيدة العذراء- لا يريد الغرب أبدًا أن نعرفه. فهم يريدون أن يفصلوا ثقافتنا عن بعضها البعض أو نسب الحضارة المصرية القديمة لأنفسهم.
وتضيف أن الغرب حاول توبيخ عباس حلمي الثاني عندما أصدر قانون الآثار. حيث بدأت المؤسسات الغربية في التقليل من قيمة الآثار المصرية القديمة، بزعم أنها لا تقارن بالآثار اليونانية أو الرومانية. وأنه لولا جهودهم في التنقيب عنها، لما وجد الفلاحون المصريون طعامهم الذي يسد جوعهم!
اقرأ أيضا:
بين التدين الشعبي وإحسان القرآن.. كيف يمكن إعادة ربط الجمال بـ«السيدة زينب»؟
بعد رفعه من القائمة الحمراء|«أبو مينا».. قديس أحبه الجميع وأهملته «الآثار» لعقود!
هل تضع «اليونسكو» دير سانت كاترين ضمن مواقع التراث المعرض للخطر؟