«أم الخلول» بين أنغام السمسمية ونكهات البحر.. أكلة شعبية تحولت إلى تراث يُغنّى

قبيل غروب الشمس، وزرقة مياه البحر التي يشوبها احمرار الغروب، يرسو قارب صغير على شاطئ بحيرة التمساح، يعرض بيع حبات «أم الخلول» أو طهيها لتكون وجبة خفيفة أثناء الجلوس أمام البحيرة.
وفي مدن قناة السويس، ارتبط صيد «أم الخلول» بالتراث الشعبي، حيث خصصت لها أغنيات على آلة السمسمية، تحكي عن الصيد وحلاوة طعم هذا الكائن البحري متعدد الأسماء بين المدن، وكذلك طرق طهيه أو تمليحه.
ظهور «أم الخلول»
ظهرت “الخلول” جلية في لوحة الفنان مصطفى العزبي، أحد أبرز التشكيليين المهتمين بالبيئة الثقافية المحلية لمدينة بورسعيد، والتي عرضت لأول مرة في سبتمبر من عام 1999. بحسب نجله محسن العزبي، كما اشتهرت بأغنية فلكلورية “طازة وعال يا أم الخلول” من كلمات الشاعر كامل عيد. وقدمتها فرقة الفنون الشعبية ببورسعيد.
وفي دراسة للدكتور حمدي سليمان الأستاذ بكلية التربية بجامعة العريش، يقول: “صيد وبيع الخلول له حضور في الثقافة الشعبية بمدن قناة السويس. حيث غُني لها على آلة السمسمية، وهي الأغنية نفسها التي يروج لها الباعة في الأسواق لجذب الزبائن”.
على متن قاربه، يٌقدم الصياد طبق حساء الخلول بالطريقة الإسماعيلية الشهيرة، حيث تطهى مع قليل من الزيت والبصل والثوم، بعد نقعها في الماء العذب مسبقا لتنقيتها من الرمال. ثم تُقلب على نار هادئة حتى تتفتح الصدفات، ويضاف إليها كوبان من الماء حتى تنضج. يقدم الحساء منفردا مع الليمون وبهارات الكمون والشطة بحسب الرغبة. بينما تقدم كحبات في طبق منفصل مع الليمون.
الأكلات البحرية
تعتبر الخلول من الأكلات البحرية الغنية بالزنك والمعادن والفيتامينات، وتشتهر كوجبة مسائية أو كطبق جانبي مع الأسماك. حيث تمثل 42% من الإنتاج السمكي ببحيرتي التمساح والمرة بمدينة الإسماعيلية، بحسب إحصاء جهاز الثروة السمكية.
وقدم د. حمدي سليمان ورقته البحثية في مؤتمر المأثورات الشعبية، بمناسبة مرور 150 عاما على قناة السويس (هيئة قصور الثقافة 2022). عرض فيها التراث الشعبي وعادات صيد الخلول، بوصفها مهنة أساسية لعدد كبير من الصيادين بمدينة الإسماعيلية في بحيرتي التمساح والمرة المطلتان على قناة السويس. وتظهر هي والقواقع كجزء كبير من إنتاج البحيرات وتختلف تسمية الكائن البحري المنتمي لفصيلة القواقع والمحاريات بين أم الخلول أو البكلويز في مدن قناة السويس. وهو الجندوفلي عند أهل الإسكندرية.
بحيرة التمساح والبحيرات
تصاد الخلول من بحيرتي التمساح والمرة بطريقتين: الأولى عبارة عن جرافة محاطة بالشباك، تعَلق بمؤخرة قارب الصيد، وبها سنون طرفية يمكن أن تجرف الرمال الموجودة في قاع البحيرة. حتى تظهر المحارة على السطح ويمكن التقاطها من داخل الشباك. وطريقة أخري تعرف بالكريك والمهزة، وتحتاج إلى شخصين، أحدهما يقوم بالجرف من القاع بالكريك ويلقي ما بها إلى المهزة، التي يحملها زميله. يصفي منها الرمال ويستخلص المحارة من المصفاة.
وهناك من يقوم بالصيد اليدوي. حيث يعتمدون على الغوص والحصول على المحارة بالبحث اليدوي في الرمال. وطريقة الصيد بالجرافة تستخدم في البحيرات المرة جنوبي الإسماعيلية. بسبب أعماق البحيرة التي لا تسمح بالصيد اليدوي للخلول.
تختلف أنواعها حسب الشكل والحجم ومكان الصيد. حيث يقوم الصياد بفرز الحبات وإبعاد الصدفات الفارغة والحجارة وفصلها حسب أحجامها.
وتستكمل الدراسة: “خلول العرايس هي أكبر الأنواع ببحيرة التمساح، وتعرف بلونها المائل للحمرة أو الأسود وملمسه الناعم. وهذه النوعية توجد بكثرة في الإسماعيلية. أما “الخلول السباع والبلطي”، فتؤكل مملحة دون طهي، وتعرف بصغر حجمها وتشتهر بها مدينة بورسعيد.
تختلف مواعيد ومواسم صياد “أم الخلول” في مدن القناة، حيث يُعد الصيف وقتا مثاليا للصيد في بحيرة التمساح بالإسماعيلية. بينما يزداد صيدها في بورسعيد في فصل الشتاء، فهو الفصل الذي تنضج فيه المحار في البحر المتوسط. لذلك يضطر الصيادين في بورسعيد تحمل برودة الجو وخطورة الأمواج لجمع الخلول من رمال البحر”.
طازة وعال يا أم الخلول
تشتهر أغنية “طازة وعال يا أم الخلول”، حيث قدمتها فرقة بورسعيد للفنون الشعبية في الثمانينات، في عرض راقص شهير شاركت فيه الفنانتان عايدة رياض ومشيرة إسماعيل. قبل تركهما الرقص الاستعراضي الشعبي والاتجاه للتمثيل. كما قدم عازف السمسمية الريس حسن العشري الأغنية في جلسة ضمة. وقال “أم الخلول حلوة ولذيذة يا أم الخلول.. لما بصيدها بغربلها.. أما الصغيرة أنا بشيلها”.
ارتباط الغناء بعادات الصيد بالمدن الساحلية، رصدته الدكتورة كوكب توفيق الأستاذة بالمعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية. في ورقة بحثية قدمتها في مؤتمر الموسيقي العربية نوفمبر 2021 بدار الأوبرا. حول الأعمال الموسيقية للبحارة والصيادين، وخاصة المرتبطة بالأكلات وأعمال الصيد.
وأشارت الباحثة إلى ملاحظات عالم الإثنوغرافيا الألماني هانز ألكسندر وينكلر، عن وجود آلة السمسمية في منطقتي حماطة والقصير على البحر الأحمر. عند قبيلة تعمل بشكل أساسي في صيد الأسماك. مما يؤكد ارتباط الآلة بوجودها في المقاهي والموانئ بالمدن الساحلية وارتباطها بأغاني البحر.
مهنة صيد
بحسب “أطلس المأثورات الشعبية” الصادر عن هيئة قصور الثقافة، تتمتع “أم الخلول” بمكانة خاصة عند الصيادين. فصاغت كلمات رقصة محلية رشيقة عبرت عن هذه الطقوس على إيقاع رائع، تصور الرقصة مهنة صيد “أم الخلول” من على شواطئ البحر وبيعها لمحبي هذا النوع من القواقع البحرية.
وتبدأ الرقصة وأغنية “أم الخلول” بإيقاع مقسوم (واحدة ونص) في الكوبليه الأول من الأغنية. ثم تنتقل للإيقاع البحري (تبحيرة) في الكوبليه الثاني. هذا التنوع في الإيقاعات بين الرتم البطيء ثم السريع مع نغمات السمسمية يعطي للرقصة مظهر جمالي رائع وفريد.
كلمات الأغنية من تأليف الشاعر البورسعيدي كامل عيد، كتبها ثم تم تلحينها على السمسمية مع الصحبجية. وانتشرت الأغنية وأبدعوا معها رقصة جميله تعبر عن كلماتها.
خلول بورسعيد وسرديا السويس
علي زوايا الأسواق الشعبية ببورسعيد أمام المعديات بقناة السويس تجد عربات تبيع الخلول صغير الحجم مملحا، ليكون وجبة خفيفة أثناء عبور القناة، أو فاتحا للشهية مع وجبات الغذاء والعشاء. أما في مدينة السويس تشتهر أصناف أخرى من الكائنات البحرية المنتمية لفصيلة القواقع. وإن كانت تصاد من مناطق بعيد بخليج السويس والبحر الأحمر.
وبشارع الجمهورية والنمسا تكثر محلات بيع”السريديا والصرمباء”. وهناك يقف عبد الرحمن وهو يستخدم سكينا صغيرا لفتح صدف محار السرديا، بعد تجهيزها بالشوي. حيث تؤكل طازجة ما دام فتحت قبل الأكل مباشرة.
والمحار في السويس تختلف أسماءه بحسب شكل ونوع الصدف؛ وأشهرها: “السريديا والطماطم واللوجز وصرمباء وشل”.
اقرأ أيضا:
هنا عاش أيقونة البوب الفرنسي كلود فرانسوا.. الغريب الذي صار «ابن الإسماعيلية»
«كما دخلوها أول مرة».. كيف قاوم فدائيو قناة السويس الاحتلال البريطاني؟