200 جنيه شهريا دون مقر أو زي.. أزمة فرقة الموسيقى القومية بسوهاج تتصاعد

تواجه «فرقة الموسيقى القومية» بفرع ثقافة سوهاج العديد من التحديات منذ تأسيسها في التسعينيات، كادت أن تؤدي إلى حلها، قبل أن تعود مجددا بجهود شخصية في عام 2014. وعلى الرغم من نجاحاتها المحلية والدولية، تعاني الفرقة حاليا من نقص الدعم المادي واللوجستي من وزارة الثقافة. إذ يتقاضى الأعضاء أجورا رمزية لا تتجاوز 200 جنيه شهريا، ويستخدمون آلاتهم الشخصية، دون زي رسمي أو مقر ثابت.

فرقة سوهاج للموسيقى العربية

تأسست الفرقة عام 1997، وكان المدرب حينها هو «حمادة الشاذلي». يروي خالد حبشي، المايسترو الحالي للفرقة، قصة تأسيسها وأزماتها. ويقول لـ«باب مصر»: “كنت عضوا في الفرقة في التسعينات، وكانت آنذاك تعاني من التفكك والانهيار. لكنني منذ عام 2014 قمت بإعادة هيكلتها، وجمعت بين أعضاء ذوي خبرة وآخرين جدد”.

وخلال العقد الماضي، نجح حبشي في رفع تصنيف الفرقة من الفئة (ج) إلى الفئة (أ). ويضيف: “شاركنا في احتفالات رسمية بمحافظة سوهاج وجميع محافظات مصر، وبدأت الهيئة العامة لقصور الثقافة تدرك قوتنا الفنية. فدعمت مشاركاتنا السنوية في احتفالات القاهرة، سواء في رمضان أو غيره”.

فرقة سوهاج للموسيقى العربية
فرقة سوهاج للموسيقى العربية
مذكرة ومطالب بتحسين العقود

منذ عام 2014، تم التعاقد مع مدرب الفرقة بنظام التدريب السنوي مقابل أجر شهري قدره 600 جنيه. ويحصل كل عضو على 15 جنيها مقابل كل بروفة، و40 جنيهًا عن كل حفل، بمعدل 8 بروفات وحفلتين شهريًا. “بحساب هذه المشاركات، يُفترض أن يحصل العضو على ما يقارب 200 جنيه شهريًا. لكن بعد الخصومات، لا يتجاوز المبلغ الفعلي 150 جنيهًا”، كما أوضح حبشي.

وأشار إلى أنه تم تقديم مذكرة مفصلة بهذه الأوضاع إلى رئيس إقليم وسط الصعيد الثقافي بأسيوط. مع الإشارة إلى أنه سيتم رفع نسخة منها إلى وزارة الثقافة. بعد تعديل المسمى الرسمي لتوجه إلى المحافظ، ورئيس الهيئة، والوزير، بحسب السياق الإداري.

إهمال الفنون في الصعيد

تتكون الفرقة من 35 عضوا، بينهم عازفون على آلات مختلفة مثل: الأورج، القانون، العود، الكمان، الكلارينيت، الطرمبيت، الرق، الدرامز، الطبلة، الدُهلة، والدفوف. بالإضافة إلى مطربين ومطربات ضمن الكورال، فضلًا عن مدير الفرقة.

ومع غياب التعيين الرسمي، والاكتفاء بالتعاقد السنوي بنظام التدريب، بدأ الهيكل المتماسك للفرقة يتفكك تدريجيًا. وغادر العديد من أعضائها بسبب تدني العائد المادي. وأعاد حبشي تجميع الفرقة عام 2014، بعد أن كانت على وشك الانهيار.

وأكد أن السبب الرئيسي وراء هذا التراجع هو الإهمال المستمر من جانب وزارة الثقافة والهيئة العامة لقصور الثقافة. وهي أزمة عامة تعاني منها معظم الفرق الفنية في محافظات الصعيد، وليس سوهاج فقط.

وأوضح حبشي أن الوضع كان صعبًا للغاية، حتى على مستوى الإمكانات. حيث كانت هناك بقايا آلات موسيقية غير صالحة للاستخدام، منها دفوف وأورجات تحولت إلى “خردة” بالفعل. ولم تكن الفرقة تمتلك معدات أو أدوات.

إعادة الإحياء

قال حبشي: “أنا أحد أبناء هذه الفرقة، عزفت فيها لسنوات، وعشت مع أعضائها أيامًا لا تُنسى. وكان من المؤلم أن أراها تنهار أو تُنسى وسط تجاهل المسؤولين. خوفي على اسم محافظة سوهاج ومكانة الفرقة فنيا. ورغبتي الشخصية في الحفاظ على تراث الموسيقى العربية، دفعتني لإحيائها من جديد رغم كل العقبات”.

وتابع: “في ذلك الوقت، كانت مكافأة العضو عن البروفة 15 جنيهًا، وسعر كيلو اللحم لا يتجاوز 100 جنيه. الآن، كل شيء تضاعف 10 مرات، باستثناء الأجور التي بقيت كما هي دون أي تعديل”.

وأشار إلى أن الواقع الحالي لا يسمح بجذب شباب جدد إلى الفرقة: “من غير المنطقي أن أطلب من شاب يدرس في الجامعة أو يعمل بوظيفة أن يترك مصدر دخله. مقابل مكافأة لا تساوي أجرة المواصلات”.

محاولات للبقاء

لا يزال في الفرقة 35 عضوا من أصحاب الخبرات، تحاول الفرقة الاحتفاظ بهم. وأوضح حبشي: “نتمنى أن يُعاد النظر في أوضاع فرق الصعيد، لأنها تمثل هوية حقيقية لفن مصر”.

وعلى مدار سنوات، كان الشغف بالموسيقى هو الدافع الحقيقي للاستمرار، كما قال حبشي، الذي بدأ كعازف أورج بالفرقة عام 1998. وأشار إلى أن الفرقة شاركت في مهرجانات كبرى مثل مهرجان الموسيقى العربية بالمنيا، ومهرجانات الغناء التي كانت تنظم بانتظام. مضيفا: “كانت منافسة شريفة بين فرق الصعيد، وكان التقدير المعنوي كفاية ليدينا دفعة نستمر”.

لكن الوضع تغير، وأصبحت ضغوط الحياة أكبر: “غلاء المعيشة بقى ضاغط على الشباب. ومعظمهم عنده شغل خاص أو بيجهز للجواز أو بيصرف على بيت. ومش منطقي نطلب من حد يسيب شغل بـ3 أو 4 آلاف جنيه عشان ييجي بروفة ياخد فيها 15 جنيه”.

غياب الدعم

يعيش معظم أعضاء الفرقة في ظروف مادية صعبة، في ظل غياب الدعم المؤسسي. ويضيف حبشي: “بعض أعضاء الفرقة موظفون حكوميون في التربية والتعليم أو مهندسون في قطاعات الدولة. لكن الغالبية حاصلون على دبلومات أو شهادات جامعية دون وظائف ثابتة”.

وتساءل: “شباب لسه طالعين للحياة ومفيش شغل ثابت. الطبيعي إن الواحد يسأل نفسه: أضحي بوقتي وجهدي عشان الفن من غير مقابل؟”.

وأوضح أن “حب الموسيقى” هو السبب وراء استمرار أعضاء الفرقة حتى الآن. لكن الاحترام المتبادل بين الأعضاء والمدرب لم يعد أمرا كافيا في ظل عدم وجود مقابل مادي أو تقدير معنوي حقيقي. كما لا تمتلك الفرقة مقرا ثابتا للتدريب: “قصر الثقافة اللي كنا بنتدرب فيه داخل في تطوير بقاله 3 أو 4 سنين. ومفيش بديل حقيقي لحد النهاردة، والموضوع كله بقى مجهود ذاتي مننا كأعضاء ومدرب”.

واختتم قائلا: “كنا نشارك سنويا في حفلات رمضان ونمثل صعيد مصر في فعاليات مهمة على مستوى الجمهورية. لكن السنة اللي فاتت ما قدرناش نشارك، لا فيه دعم مالي، ولا وفروا لنا وسيلة مواصلات أو أتوبيس. باختصار: مفيش أي اهتمام بالصعيد”.

عمل بجهود ذاتية

“الفرقة تعمل منذ سنوات دون امتلاك أي آلات موسيقية مملوكة للوزارة” هكذا استكمل خالد حبشي حديثه عن التحديات التي تواجه الفرقة القومية للموسيقى العربية بسوهاج. لافتا إلى أن جميع الآلات التي تُستخدم في البروفات والعروض هي ملكية شخصية لأعضاء الفرقة أنفسهم.

وأضاف: “طلبنا أيضا زيا موحدا يليق بنا- بدلات للشباب وفساتين للمطربات- لكن حتى الآن لا توجد استجابة. رغم أن الفرقة حصلت على إشادات رسمية من إدارة الموسيقى في الهيئة العامة لقصور الثقافة. وتُعد من أفضل الفرق الموسيقية في صعيد مصر”.

وتابع: “هناك مخاطبات رسمية من مسؤولي الثقافة في الصعيد موجهة إلى الهيئة والوزارة تطالب بدعم الفرقة. وأرسلنا خطابات أكثر من مرة، لكن للأسف لا يوجد رد حتى الآن”.

خطاب رسمي من فرقة سوهاج للموسيقى العربية إلى محافظة سوهاج
خطاب رسمي من فرقة سوهاج للموسيقى العربية إلى محافظة سوهاج
تقييم رسمي

كشف حبشي عن تفاصيل هامة في مسيرته مع الفرقة، تعود إلى يونيو 2014. حين تم تقييمه رسميا من قِبل لجنة مختصة من إدارة الموسيقى التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة.

وأوضح أنه، وفقًا للإجراءات المتبعة، فإن أي مدرب يتولى قيادة فرقة موسيقية تابعة للهيئة. يجب أن يخضع لتقييم دقيق من لجنة فنية مركزية. وفي حالته، تم تحديد يوم 4 يونيو 2014 موعدًا رسميًا للتقييم، بحضور لجنة ضمت كلًا من محمد عزت، ومعتز عبد الخالق، ومحمد سلطان.

وأشار إلى أن فرقة سوهاج كانت، في ذلك الوقت، مصنفة ضمن الفئة (ج). أي في أدنى تصنيف بين فرق الجمهورية. لكن الأمور تغيرت بعد العرض الفني الذي قدمته بكامل طاقتها على مسرح قصر ثقافة سوهاج.

وقال حبشي: “بذلت كل ما لديّ من جهد خلال العرض. وظهر أعضاء الفرقة بأفضل صورة ممكنة، وكانت النتيجة مشرفة جدًا. اللجنة قررت رفع تصنيف الفرقة إلى الدرجة الأولى (أ)، وهو أعلى تصنيف ممكن. كما منحتني اللجنة تصنيف (أ) كمدرب من الطراز الأول.

وأضاف: “كان هذا التقييم نقطة تحول في مسيرة الفرقة، ودفعة قوية أثبتت أننا قادرون على المنافسة مع الفرق الكبرى على مستوى الجمهورية، رغم كل التحديات”.

إنجازات دولية

أشار حبشي أيضا إلى إنجازات الفرقة على مستوى التمثيل الدولي، قائلا: “اعتُبرت فرقتنا أول من مثل الهيئة العامة لقصور الثقافة خارج البلاد في ذلك التوقيت. حيث سافرنا لإحياء مهرجان نيروبي الثقافي في دولة كينيا عام 2019، وشاركت الفرقة تحت قيادتي كمايسترو”. وأوضح أن المشاركة في كينيا سبقتها دعوة رسمية عام 2018، “وقد وثقتها تقارير رسمية أشادت بالأداء المميز للفرقة، وهو ما مثل اعترافا دوليا بمستوانا الفني، رغم ضعف الإمكانيات”.

اقرأ أيضا:

في ظل العنب: تاريخ عمل الأطفال والفتيات من دفاتر مصر القديمة

سمر دويدار: الفلسطينيون ليسوا أرقاما.. و«حكايات فلسطينية» هي الدليل

هروب تاجر آثار باع قطعا مصرية منهوبة بـ50 مليون يورو.. هل تُغلق القضية؟| مستندات

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.