هل تُعوّض بدائل قرى الغربية غياب بيوت الثقافة المهددة بالإغلاق؟

حين يغلق باب، تلتفت الأنظار إلى أبواب أخرى كانت موجودة لكنها لم تكن مرئية من قبل. وفي بيوت الثقافة، دومًا هناك مساحة صغيرة لحلم كبير تنتظر الجماهير ظهوره. ربما لم تكن تفعل بيوت الثقافة المهددة بالغلق في محافظة الغربية شيئًا أثمن من تصديقها بمواهب صغارها.

ففي قرى الغربية، وبين زوايا أندية وزارة الشباب والرياضة، والجمعيات الأهلية، والمكتبات، تنمو أحلام الصغار، كبديل مؤقت عن بيوت الثقافة المقرر إغلاقها، والتي يبلغ عددها سبعة بيوت ثقافة وثلاث مكتبات. في هذه القرى، ثمة أصوات تريد أن تصدح بالغناء، وقلوب تتنفس هواء المسرح، وربما أيادٍ تبعث بالأوراق لتحولها إلى رسوم من أبهى ما رأته أعيننا. هناك دائمًا فرصة، ولكن مهما تعددت البدائل، لا شيء يغني عن «بيوت ثقافة وزارة الثقافة في مصر».

ولادة الحلم في بيت الثقافة

لا تصدق أن بيت ثقافة كفر الزيات من الممكن إغلاقه. فرغم أنه لم يقدم نشاطًا مختلفًا في السنوات الأخيرة، إلا أنه كان يصدق موهبة “نور سامي” في التمثيل، ويرشحها القائمون عليه دائمًا في مسابقات المحافظة.

نور سامي، طفلة في العاشرة من عمرها، من قرية كفر مشلة مركز كفر الزيات. لا تهتم بالدراسة قدر اهتمامها بالفن، ومحاولاتها لأن تكون ممثلة مسرحية قادرة على التعبير عن شيء «جميل ومش موجود» في المسرح المعاصر. حزنت جدًا لفكرة إغلاق بيت الثقافة الذي يؤوي موهبتها ويرويها، وإن كان ذلك خلال الإجازة الصيفية فقط.

نوادي الشباب علامة فارقة في الثقافة
نوادي الشباب علامة فارقة في الثقافة
نوادي الشباب: علامة فارقة في الثقافة

تعتبر نوادي الشباب في الأرياف بديلًا رئيسيًا لبيوت الثقافة حال إغلاقها. فهي تقدم جميع الأنشطة التي تساعد على شغل الوقت ومتابعة الهوايات وغيرها. كما تنظم الكثير من المسابقات التي تنمي المواهب وتساعد على اكتشافها، إلى غير الرياضات المنتظمة.

وفي قرية القرشية، مركز السنطة، يقف نادي شباب القرشية سدًا منيعًا أمام سقوط الشباب في فراغ وسائل التواصل الاجتماعي والانغماس فيها. ويقدم عدة أنشطة مثل الكاراتيه، كرة القدم، التنس، الرياضات القتالية، وتحفيظ القرآن الكريم. كما يعقد تدريبات دورية لتعليم الخط العربي، بحسب مرتضى واجد، المشرف العام على الأنشطة الثقافية بالمركز.

أما نادي الشباب بقرية أشناواي، فيقدم ورشا لتعليم الأشغال اليدوية كالكروشيه والتطريز والتريكو. وأيضًا مسابقات القصة القصيرة والشعر وتنمية المهارات الأدبية وحب القراءة في الصيف. فضلا عن تنظيم رحلات بأسعار رمزية إلى الأماكن التراثية والتاريخية في مختلف المحافظات، حسبما ذكر فؤاد رحمي لـ«باب مصر».

وفي قرية كتامة، مركز بسيون، يمثل نادي الشباب نقطة التقاء مركزية لأطفال وشباب القرية والقرى المجاورة. خاصةً في الصيف. ويذكر عبد الرؤوف السيد لـ«باب مصر» أن النادي يقدم أنشطة تثقيفية وفنية عدة مثل ورش التلوين والرسم على الجدران. إلى جانب اللقاءات التثقيفية التي تعقد مع جمعيات أهلية لمناقشة الأوضاع الاجتماعية والأفكار المختلفة.

مكتبات المدارس: نقطة التقاء ثقافي

تلعب مكتبات المدارس والمعاهد الأزهرية دورا تثقيفيا مميزا في ظل غياب بيوت الثقافة. إذ تعزز عادة القراءة وتغرسها في عقول النشء. يقول محمد عبد الله، أمين مكتبة معهد أبو حمر الإعدادي بمركز بسيون، إن المكتبة تفتح أبوابها لكل الطلاب في الإجازة الصيفية وكذلك بقية المعاهد. وهذا تحت إشراف المنطقة الأزهرية، كنشاط يحفزهم على مواصلة الدراسة في العام المقبل بشغف.

وتؤكد أميرة خيرت، أمينة مكتبة مدرسة جمال نصار الابتدائية بقرية ميت حواي، أن المكتبة تذخر بجميع الكتب التي تنمي القيم في النشء وتعليمهم المهارات المختلفة. وهي مفتوحة طوال العام أمام كل الطلبة مجانًا، سواء الطلبة من داخل المدرسة أو من خارجها.

نوادي الشباب علامة فارقة في الثقافة
نوادي الشباب علامة فارقة في الثقافة
مركز استدامة لتعليم الأشغال اليدوية

في قرية حنون، مركز زفتى، يقع “مركز استدامة” لتعليم الأشغال اليدوية مثل التريكو، والتطريز، والكروشيه، وصناعة العرائس، الإكسسوارات، المكرمية، وصناعة الجلود وغيرها. يعتني المركز بتعليم الأطفال هذه الفنون أكثر نظرًا للطلب عليها في المحافظة، ولتمكينهم ودمجهم في المجتمع، بما يجعلهم يحافظون على تراثه، كما توضح سناء محمد، إحدى العاملات بالمركز.

كما تشكل الجمعيات الأهلية في الغربية دورًا مهمًا من أجل ترسيخ ثقافة الاختلاف، وتطوير المهارات، وتشجيع المواهب. كما أن هناك بعض الجمعيات التي تهتم بالشأن الثقافي والفني بشكل دوري وفعّال؛ مثل جمعية صوت شباب مصر بالغربية، وجمعية نهضة شباب مصر بطنطا.

يقول أحمد عبد الستار، منسق عام أنشطة جمعية “صوت شباب مصر” لـ«باب مصر»، إن الجمعية تهتم بالشأن الثقافي، وتنمية المواهب للأطفال والشباب في قرى الغربية وعزبها. فضلا عن أنها تعقد ورش ودورات تدريبية وقوافل ثقافية لهذه القرى مثل القافلة الأخيرة لقرية حصة شبشير التابعة لمركز طنطا.

المساحات الآمنة الفن والثقافة
المساحات الآمنة الفن والثقافة
المساحات الآمنة: الفن والثقافة

أما جمعية “نهضة شباب مصر”، فتركز أنشطتها الثقافية في الكتابة ودعم الموهوبين. كذلك تعلمهم الفنون المختلفة من الشعر، والقصص، وتفتح لهم المجال للقراءة بشكل أكبر من عامهم الخامس، وتكثف أنشطتها في الإجازات الصيفية. بالإضافة إلى الفنون الترفيهية الأخرى من الرسم والتلوين والتصوير الفوتوغرافي، بحسب إيمان جميل، إحدى المتدربات.

وفي زمن تتضاءل فيه المساحات الآمنة للفن والثقافة، وبين بيت ثقافة مهدد بالغلق وموهبة تريد أن تنتشر. تفتح نوادي الشباب أبوابها، وتستقبل المكاتب أطفالًا شغوفين بالقراءة. وتظل الثقافة في قرى محافظة الغربية تتنفس رغم ضيق الإمكانات. فليس المهم عدد الأنشطة أو كثرة الورش. بل الأهم هو فعاليتها، والإيمان بحقوق الأطفال في التعبير عن أنفسهم.

اقرأ أيضا:

عندما يصبح الطرق على الحديد وسيلة للبقاء.. حكايات من قلب «تل الحدادين» في طنطا

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.