14 عاما من الصمت.. متى يرى «متحف الموزاييك» بالإسكندرية النور؟

عاد الحديث مجددا إلى الواجهة بإنشاء متحف متخصص بفن الموزاييك «الفسيفساء» بالإسكندرية، بعد مطالبات من متخصصين بضرورة استكمال المشروع المتوقف منذ قرابة 14 عاما.
فكرة إنشاء متحف الموزاييك
ترجع الدكتورة إيمان محسن شهاوي، مدير تسجيل وتوثيق متاحف الإسكندرية، فكرة إنشاء متحف لفن الفسيفساء إلى طرح سابق من قبل المجلس الأعلى للآثار ـ قبل إنشاء وزارة الآثار- نظرًا لأهمية هذا الفن. الذي يعود تاريخه للعصور القديمة وما زال يحظى باهتمام واسع. وأوضحت أن الإسكندرية تحديدا تتمتع بتاريخ خاص بها في هذا الفن. وكان الهدف من المتحف أن يضم القطع الأثرية المستخرجة من المدينة. بالإضافة إلى القطع النادرة الموجودة في جميع أنحاء مصر.
وأضافت أن مشروع المتحف لا يزال مجرد فكرة لم تكتمل، حيث بدأت أولى خطواته في عام 2009 عندما خصصت له محافظة الإسكندرية قطعة أرض بمنطقة باب شرق، وسط المدينة. كما تم تخصيص نحو 200 مليون جنيه وقتها لبناء المتحف. وقد بدأ العمل بالفعل في العام ذاته. وكان من المخطط أن يشمل المتحف صالات عرض، ومنطقة خدمية، ومساحة مكشوفة للعروض أو الحفلات.
وتابعت «شهاوي»: “توقفت الأعمال في أعقاب ثورة يناير 2011، وتم تنفيذ الأساسات الخرسانية وجزء من المنطقة الخدمية فقط. ومن ذلك الحين لم يستكمل المشروع. ولا أحد يعلم متى سيستأنف العمل. كما لا أعلم ما إذا تم صرف كامل المبلغ المخصص للمتحف أم لا”.

أهمية متحف الموازييك
وعن استكمال المشروع، قالت مدير تسجيل وتوثيق متاحف الإسكندرية: “من الضروري وجود رغبة حقيقية من القيادة السياسية لإنشاء المتحف، كما حدث مع المتحف اليوناني الروماني. نحن كمتخصصين يمكننا بسرعة إنجاز الدراسة العلمية اللازمة لوضع سيناريو العرض المتحفي. ويجب على المجلس الأعلى للآثار المطالبة بإدراج المتحف ضمن خطة تطوير المتاحف”.
وأكدت أن هذا المتحف سيكون من أهم المتاحف النوعية في دول حوض البحر المتوسط، وليس في مصر فقط. نظرا للاهتمام المشترك بفن الفسيفساء في هذه الدول. ما يجعله عاملا مهما في التواصل السياحي والثقافي والعلمي.
وأوضحت أن المتحف يُعد نقلة ثقافية كبرى لمصر عامة، ومدينة الإسكندرية على وجه الخصوص، وسيسهم في تعزيز التعاون مع الدول المعنية بهذا الفن. وتسليط الضوء على القطع الفريدة الموجودة في مصر. ولا سيما تلك ذات الطابع الخاص الذي تميزت به مدرسة الإسكندرية في العصر البطلمي.
وأضافت «شهاوي» أن براعة المصريين في هذا الفن كانت سببا في استعارتهم للعمل بروما، عاصمة الإمبراطورية الرومانية، نظرا لإتقانهم الشديد. وأكدت وجود العديد من القطع الأثرية النادرة الجاهزة للعرض فور إنشاء المتحف، على الرغم من نقل بعض القطع إلى المتحف اليوناني الروماني عند افتتاحه. إلا أن هناك قطعا أخرى تم استخراجها من كوم الدكة ومن حفائر أثرية متعددة في الإسكندرية.
فن الفسيفساء
من جانبه، أوضح الدكتور محمد كشك، وكيل شؤون خدمة المجتمع وتنمية البيئة بكلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، أن كلمة “الموزاييك” (mosaic) هي الترجمة الإنجليزية لفن الفسيفساء. وهذا الفن يعد أحد أهم وأقدم فنون التصوير. وتتكون أعمال الفسيفساء من عدد كبير من قطع الأحجار صغيرة الحجم، لتكَون بمجملها صورة تمثل مناظر طبيعية أو أشكال هندسية أو حيوانية.
وأشار إلى أن هذا الفن استخدم منذ العصور السومرية، وازدهر في العصرين الروماني والبيزنطي. حيث تم إدخال خامات جديدة مثل الزجاج والفخار والمعادن والأصداف. وبلغ ذروته في القرنين الثالث والرابع الميلادي، حيث صورت به مشاهد من الحياة البحرية والطبيعة. وزينت به جدران وأرضيات المعابد والكنائس والقصور.
فن يعكس شخصية الفنان
وأضاف «كشك» أن فن الفسيفساء هو فن تلقائي فطري، يقدم لغة بصرية نلمس من خلالها شخصية الفنان، التي تأثرت حديثا بتعدد وسائل التعبير الفني والوسائط التكنولوجية التي أتاحت للفنان إمكانية تطبيق أفكاره التصميمية بسهولة. وهو ما أنتج أساليب أداء وتوجهات وأفكار جديدة، حافظ الفنان فيها على هويته ولعب فيها الرمز دوراً بارزاً بما له من قدرة على التعبير عن الأبعاد التاريخية التي يحملها الإبداع الشعبي. ونقل الخبرات الثقافية المتراكمة للمجتمع في إطار جمالي مرن يقبل التغير والتبدل وفق روح ومتطلبات الزمن. فهو في مجمله حالة تشكيلية تعبر عن فكرة محددة لمجموعة من المثيرات الثقافية والاجتماعية والسياسية، لها القدرة على التواصل مع عامة المجتمع.
وتابع: “تذوق هذا النوع من الفنون هو تذوق شعبي بالأساس. إذ يشارك الجمهور الفنان في أفكاره ورؤيته. ولدى بعضهم القدرة على ممارسته بقدر مختلف. إذ يجد فيه ما يعبر عن بيئته ويخدم وظيفة العمل بشكل بنائي جمالي. تؤكدها مهارة الفنان ودقته في تنفيذ وإخراج العمل في صورته النهائية متفقا مع مفاهيم وتقاليد واتجاهات المجتمع”.
مطالب باستكمال المتحف
وفيما يتعلق بإنشاء متحف الموزاييك بالإسكندرية، أكد الدكتور محمد كشك أن وجود متحف متخصص في هذا الفن أمر مهم وضروري. خصوصا في مدينة ذات تراث عريق كالإسكندرية. وأضاف: “الفكرة جيدة، لكنها تحتاج إلى تطوير ورؤية إدارية متخصصة، مع توسيع دور المتحف ليشمل أنشطة ثقافية. وورش عمل لفن الفسيفساء بوصفه فنا تراثيا يمثل جزءا من حضارة دول البحر المتوسط”.
ودعا إلى تنظيم برامج لدعم الحرف التراثية وزيادة الوعي المجتمعي بأهمية فن الفسيفساء. مشيرا إلى أن المتخصصين يسمعون عن مشروع المتحف منذ سنوات، لكن دون أن يكون له وجود فعلي أو نشاط ملموس.
اقرأ أيضا:
من تل بسطا إلى القراموص.. محافظة الشرقية تحتفي بتاريخها وتراثها من الإسكندرية