إنشاء متحف «سيد درويش» في كوم الدكة: هنا تتعرّف على فنان الشعب

ترتبط منطقة «كوم الدكة» في الإسكندرية باسم فنان الشعب «سيد درويش»، فكلما تجولت في شوارعها تجد مكانا يحمل ذكرى له؛ فهنا كان المقهى الذي اعتاد الجلوس فيه ليغني لأصدقائه على أنغام العود، وهناك كان يسكن، وعلى جدران الحي رسمه السكان تخليدا لذكراه. فضلا عن الحكايات المتوارثة التي يحرص أهالي المنطقة على سردها لكل من يأتي لزيارة المكان إحياءً لسيرته.

بداية الفكرة

بدأت فكرة إقامة متحف على أرض المنزل الذي عاش فيه سيد درويش حتى وفاته عام 1920، كمبادرة من مشروع “سيرة الإسكندرية” منذ عام 2020. خلال إحدى الجولات بمنطقة كوم الدكة بعد المرور على منزله. وكان بعض أفراد أسرته قد ناشدوا على مدار سنوات طويلة بإنشاء متحف يخلد ذكراه.

جلسنا في مقهى الشتيوي، حيث قابلنا الحاج علي الشتيوي، المالك الحالي لأرض منزل سيد درويش، وتبادلنا أطراف الحديث معه، وحاولنا إقناعه بتحويل الأرض، بدلا من بقائها خالية بعد هدم المنزل، إلى متحف يخلد ذكرى سيد درويش، وقد وافق سريعًا.

توقيع عقد المتحف

يقول مينا ذكي، مؤسس مبادرة “سيرة الإسكندرية”، في تصريحات خاصة لـ«باب مصر»: “أخيرًا جاءت لحظة التوقيع الرسمي لعقد إنشاء متحف سيد درويش على أرض المنزل الذي عاش فيه. بعد خمس سنوات من النقاشات مع عائلة ورثة الأرض ومحاولات إقناعهم بالفكرة. مدة العقد 25 عاما، وسنتسلم الأرض فعليًا في 6 يونيو القادم، على أن يبدأ العمل في يوليو 2025. ونسعى جاهدين لأن يكون الافتتاح التجريبي للمتحف في ذكراه الـ102، في شهر سبتمبر هذا العام”.

وأضاف: “المهندس كريم الشابوري سيتولى تصميم المبنى الخارجي ووضع سيناريو العرض الداخلي، بتمويل شخصي من مؤسس المبادرة وبعض أصدقائي. الهدف الأساسي من المتحف هو تخليد ذكرى سيد درويش، وهو مشروع غير ربحي. وسنستخدم أي إيرادات لتغطية النفقات، ثم تخصص للعائلة”. وسيضم المتحف صورا لسيد درويش على الجدران، وجرامافونا وأسطوانات أصلية من إنتاج شركة “مصر فون” آنذاك. والعود، وبعض النوتات الأصلية بخط يده، إلى جانب مفاجآت أخرى سيتم الكشف عنها عند الافتتاح.

ولمن لا يعرف، فإن متحف سيد درويش سيكون الأول من نوعه في الإسكندرية. رغم وجود مقتنيات خاصة به في متحف الفنانين بالمركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية بالزمالك. منها عقد زواجه من “جليلة” عام 1919، وطربوشه، وعوده، وعصاه المصنوعة من الأبنوس. كما يحتوي المتحف على مجسم لمسرح سيد درويش، الذي أنشئ عام 1921 في طريق الحرية بالإسكندرية، على طراز أوبرا باريس. وصممه المهندس الفرنسي جورج بارك.

واستطرد “ذكي”: “تم جمع هذه المحتويات من بعض الأسواق الشعبية كسوق ديانا، ومن بعض هواة التحف والأنتيكات”. موضحا أن المتحف سيركز على سرد قصة حياة فنان الشعب ومسيرته، لا مجرد عرض مقتنيات، نظرا لكون المنزل القديم قد هدم ولم يتبق منه سوى الأرض. وسيكون المتحف برعاية محافظة الإسكندرية.

تجربة سيد درويش

يقول الصحفي محمود التميمي، مؤسس مبادرة “القاهرة عنواني”: “زرت كوم الدكة عدة مرات، وحزنت للحالة التي آل إليها منزل فنان الشعب. وأرى أن تحويله إلى متحف ومزار يعد إنجازا مهما لمبادرة سيرة الإسكندرية”. وأضاف: “أتمنى أن يعكس المتحف المشروع الفني لسيد درويش. لا فقط جانبه الشخصي أو المكاني، وأن يشكل إضافة فنية وسياحية جديدة للإسكندرية”.

وتابع: زرت بيت بيتهوفن في ألمانيا، وكانت تجربة معايشة كاملة. ليس فقط رؤية مقتنياته، بل من خلال عرض سمعي وبصري يحاكي الوجدان. وأتمنى أن يُستلهم من تجارب بيوت الموسيقيين الكبار في أوروبا أفكار مبتكرة في تصميم المتحف. وأنا واثق من أن المشروع سيكون عظيما يليق بسيد درويش. لأن القائمين عليه مخلصون ومحبون له. وعن التعاون مع مبادرة “القاهرة عنواني”، وهو مشروع ثقافي لحفظ الذاكرة المصرية، يقول “التميمي”: “توقيع عقد متحف سيد درويش يُعد أولى فعالياتي مع مبادرة سيرة الإسكندرية. وسينتج عن هذا التعاون فعاليات مشتركة قادمة سواء في القاهرة أو الإسكندرية”.

مكان المنزل الذي عاش فيه فنان الشعب في صورته الحالية
مكان المنزل الذي عاش فيه فنان الشعب في صورته الحالية
حياة فنان الشعب

يتحدث الكاتب السكندري ميسرة صلاح الدين عن بدايات سيد درويش، قائلاً: “بدأ كعامل بناء، ولأن صوته كان جهوريا، اعتاد العمال على سماع غنائه خلال العمل. ولاحظ كبير العمال أن غناءه يزيد من إنتاجية العمال، فقرر تفريغه للغناء فقط. لاحقا، سمعته فرقة أمين عطاالله وعلي عطالله، فعرضوا عليه العمل في القاهرة، ومن هنا بدأت مسيرته”. وتابع: كانت له بدايات في الغناء بالإسكندرية، حيث كان يغني في الأحياء الشعبية وعلى المقاهي، ومع فرق مسرحية بسيطة. لكن الانطلاقة الحقيقية كانت في القاهرة، في شارع عماد الدين.

واستطرد صلاح الدين حديثه: عمل سيد درويش مع العديد من الفرق المسرحية، منها فرقة عزيز عيد، نجيب الريحاني، علي الكسار، بديعة مصابني. وشارك في مسرحيات وأغانٍ مهمة، وواكب ثورة 1919. وتنامى لديه الحس الوطني بالتعاون مع شعراء مثل بديع خيري ويونس القاضي. فظهرت أغاني وطنية مثل “قوم يا مصري” و”يابلح زغلول”.

واختتم ميسرة حديثه بقوله: “للأسف، المنزل الذي عاش فيه سيد درويش تم هدمه منذ زمن. ولكن فكرة إحيائه كمتحف مهمة جدا. لدينا في الإسكندرية تجربة مشابهة مع متحف الشاعر كفافيس. وكذلك منزل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الذي تحول إلى مقر ثقافي في باكوس تحت إشراف صندوق التنمية الثقافية. كما أنه من المتوقع أن يضم المتحف أيضا عروضا مسرحية قصيرة، وندوات ثقافية، وعروضا موسيقية. وهذا بدوره سيساهم في إحياء هذا الحي القديم الذي طالما كان رمزا للفن في الإسكندرية، كوم الدكة”.

اقرأ أيضا:

دعم «المهرجانات السينمائية».. أزمة تبحث عن حل

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.