«الأحد عشر».. رواية تستدعي الأسطورة في الحاضر

هل للرواية سحر يشد القارئ؟ هذا التساؤل يجد له حضورا قويا في رواية «أحد عشر» للأديب أحمد القرملاوي، التي صدرت عن مكتبة «ديوان». الرواية تسرد في خطين بالتوازي، واحد به أحداث مستوحاة من قصة أبناء يعقوب الأحد عشر، وأخرى من شاب حصل على منحة لكتابة نص مسرحي، بينما هو يفضل كتابة رواية، فهي شغفه. لكنه يضحي من أجل توفير المال لتجهيز مكتب يعتبر وجوده محطة انطلاقه لمشروعه الإبداعي.
يبين له صديقه حسام طبيعة هذه المنح، وكيف أن كل جهة مانحة هي جهة مستقبلة في الوقت ذاته، حتى الدول المانحة ليست سوى حكومات تسعى إلى استرضاء شعوبها عن طريق إبداء الوجه الكريم للديموقراطية، لذا فهي في حاجة إلى تقارير ومعلومات عن حجم الإنفاق المبذول والنتائج المحققة، حتى تغذي بها البرلمانات واللجان النوعية المؤولة عن سحب الثقة ومنحها للحكومات، فيستمر تدفق الأصوات في الاتجاه المرجو.
هذه الملاحظة هي ذاتها التي يسردها الراوي عن طبيعة السلطة في المدينة، التي تسكن على أطرافها قبيلة من البدو، شيخهم يعقوب، لديه ابنة هي “داينا”، التي تذهب مع “رفقة” لسوق المدينة، لكي تستطلع مع رفيقتها الأكبر سنا هذه المدينة التي طالما سمعت عنها. لتختفي مع الحشود وتفقد “رفقة” رفيقتها، فتقع في يد ابن ملكها، الذي يتخذها لنفسه.
إن الخلط بين التقاليد الملكية الفرعونية والتراث الديني العراقي في الرواية أكسبها نكهة مميزة. فهل تعبر عن أن الأرض التي دارت فيها الرواية هي أرض تلتقي فيها الحضارة الفرعونية مع الحضارة العراقية القديمة (بلاد الشام)؟ فهل هذا ما يقصده المؤلف ضمنا؟ هذا الاستنتاج مني سأتركه للقارئ ورؤيته.
***
تقوم الرواية في جانب من سرديتها على قصة يوسف وإخوته، ولكنها تذهب بنا بعيدا عن التركيز على قصة يوسف إلى التركيز على علاقة هؤلاء البدو بالمجتمع الحضري من حولهم، وتقدم رؤيتهم للحياة، وطبيعتهم، وطرائق معيشتهم. هكذا جاءت هذه الرواية مختلفة، وهي في تفاصيلها تستحق القراءة.
إن الاستعارات المتعدده في سياق «الأحد عشر» من الأساطير القديمة والوقائع التاريخية، تجعل منها رواية تستدعي الماضي لكي تحضره داخل النص، فقد استطاع المؤلف أن يجعل كل هذا يتشابك ليعطينا نصا أسطوريا جديدا مستمدا من التراث.

***
بل إننا نرى في الخط الموازي نقدا يقدمه المؤلف لذاته، وهذا ما يعكس براعة السارد، فيقول: “أتساءل كيف اخترت لهذه الحكاية، ولهذه الشخصية بالذات (داينا البطلة البدوية) قالب المسرحية؟ إنه اختيار غير عقلاني على الإطلاق، لقد حبستها في قصر لا تستطيع فيه الحديث مع الآخرين، واخترت لها قالبا فنيا يرتكز على الحوار. أين كان عقلك يا رفيق؟ أراك تناور الآن حتى تدفع إليها بشخص تتحدث إليه، لكنها ستظل بكماء في هذا العالم الذي حبستها فيه. أما رفقة (السيدة التي رافقتها إلى المدينة) هذه، فقد منحتها القدرة على الحديث مع الغرباء، بل والسباب أحيانا كلما طفح الكيل، روبين أيضا يتاجر ويسافر هنا وهناك، فلماذا داينا بالتحديد من لا تستطيع التعبير عما يدور في خاطرها؟ كانت الرواية ستمنحها هذا الصوت المفقود، الرواية مسرح من لا صوت له، حتى الأبكم بإمكانه أن يصير بطلا روائيا”.
هذا الجدل داخل نص الرواية جاء في محله، وهو جدل يدور على مر صفحات الرواية، جدل في رواية عن طبيعة النص وإمكاناته، لكنه جدل مفقود في الرواية العربية، ونحن في أمس الحاجة له. لذا جاءت الرواية في مسارين لكي تضفي على الرواية جدلا بين القديم والحديث، بين زمنين مختلفين يتقابلان في المعاني والقيم والمشاعر وطبيعة السلطة بين البدو والحضر.
***
الرواية غزلت من ثوبين: البدو والحضر قديما، والمقابلة بين مشاهد معاصرة لأديب يعاني في ظل موهبته، حتى بعد حصوله على منحة تنهض به لتحقيق أحلامه. في الرواية نقرأ تفاصيل حياة البدو، بين تربية الشياه والأغنام لتقديمها لتكون قرابين لمعابد المدن. العلاقة بين البدو والحضر هي ذاتها في الخط الموازي للشاب الذي يكتب مسرحية تجسد هذه العلاقة، لا عن قناعة، بل من أجل المال فقط لا غير، والبدوي يربي الشياه من أجل المال من المدينة الثرية خلف أسوارها.
اقرأ أيضا:
«القاهرة.. الذاكرة الفوتوغرافية».. كتاب يؤرخ للقاهرة بالصورة