جهود لإعادة افتتاح نصب «الدفاع عن قناة السويس» بعد ربع قرن من الإغلاق

يمكن لركاب السفن العابرة لقناة السويس رؤية نصب تذكاري مهيب، شٌيد على ربوة مرتفعة بمنطقة جبل مريم بمدينة الإسماعيلية، تكريما للجنود الذين سقطوا في معارك الحرب العالمية الأولى. وخلال الشهرين الماضيين، برزت جهود محلية ورسمية لإعادة افتتاح النصب في احتفال يُقام بمناسبة الذكرى المئوية لبدء إنشائه عام 1925.

وقد ظل النصب مغلقا أمام الجمهور لأكثر من 25 عاما، لأسباب تتعلق بتأمين المجرى الملاحي للقناة، بعدما كان في السابق مقصدا لسكان المدينة كنزهة أو للصيد في مياه القناة المقابلة له. كما استقبل زوارا من عائلات جنود بريطانيين وأستراليين وأيرلنديين وهنود، ممن خاضوا معركة الدفاع عن القناة ضمن قوات الكومنولث التي حاربت تحت راية التاج البريطاني.

النصب التذكاري للحرب العالمية الأولى

في بيان رسمي صدر عن ديوان محافظة الإسماعيلية مطلع إبريل الماضي، قال اللواء أركان حرب أكرم جلال: “النصب التذكاري بجبل مريم يحمل قيمة تاريخية ودينية وجمالية كبرى. حيث شُيد تخليدًا لذكرى الجنود الذين فقدوا حياتهم خلال الحرب العالمية الأولى، ما يعزز من مكانة الإسماعيلية وإمكاناتها السياحية والبيئية الفريدة. كما أن إعادة تسليط الضوء على هذا المعلم التاريخي تعزز موقع المحافظة على الخريطة السياحية لمصر”.

يرجع تاريخ النصب إلى عام 1925، حين دشنت “الشركة العالمية لقناة السويس البحرية” مسابقة لإقامة نصب تذكاري ضخم يخلد ذكرى الدفاع عن القناة ضد هجومٍ شنته قوات الدولة العثمانية بدعم ألماني، استهدف منطقة القناة وأجزاء من شبه جزيرة سيناء عام 1915. في إطار معارك الحرب العالمية الأولى. وقد تصدّت لهذا الهجوم القوات الإنجليزية، بدعمٍ كبير من القوات الفرنسية ومشاركة جنود إيطاليين. بالإضافة إلى عدد من الجنود المصريين الذين انضموا للجانب البريطاني. رغم الفتوى التي أطلقتها الدولة العثمانية بوجوب جهاد جميع رعاياها ضد الجيش الإنجليزي.

وقد تمكنت تلك القوات من هزيمة القوات العثمانية في سلسلة من المعارك، أبرزها “حملة ترعة السويس الأولى” (28 يناير 1915 – 3 فبراير 1915)، و”حملة ترعة السويس الثانية” (27 يوليو 1916 – 3 أغسطس 1916). بحسب كتاب “مصر في الحرب العالمية الأولى” للدكتورة لطيفة محمد سالم، الصادر عن الهيئة العامة للكتاب عام 1984.

نصب الدفاع عن قناة السويس كما يمكن رؤيته من القناة.. تصوير: محمد عوض
نصب الدفاع عن قناة السويس كما يمكن رؤيته من القناة.. تصوير: محمد عوض
إعادة افتتاح النصب التذكاري 

يقول أشرف سليمان، مدير إدارة السياحة بالإسماعيلية: “التفكير في إعادة افتتاح النصب التذكاري جاء تزامنا مع مرور 100 عام على بدء إنشائه عام 1925، وهو تاريخ مميز، لاسيما وأن النصب غير مسجل كأثر تاريخي”. وأضاف: “بدأنا بمخاطبة المجلس الأعلى للآثار لبدء إجراءات التسجيل الأثري للموقع محليا. ثم السعي لإدراجه ضمن قوائم اليونسكو لمواقع التراث العالمي، نظرا لارتباطه بحرب عالمية أثرت على العالم كله”.

وتابع لـ”باب مصر”: “تعمل حاليا لجنة تضم عدة جهات على مناقشة إجراءات الافتتاح، إلى جانب وضع خطة لترميم النصب من التشوهات الناتجة عن الكتابات بالدهان والكسور، مع الحفاظ على آثار غارات القصف التي تعرض لها الموقع خلال حرب يونيو 1976 وحتى انتصار أكتوبر 1973”.

ضحايا معارك الحرب العالمية الأولى

واستكمل سليمان حديثه: “كان النصب معروفا لدى سكان مدينة الإسماعيلية باسم (نصب الجندي المجهول). ونحاول الآن الترويج لاسمه الرسمي (نصب الدفاع عن قناة السويس). كما أنه يرتبط بتاريخ مقابر جنود الكومنولث الموجودة في 5 مواقع بمحافظة الإسماعيلية. والتي تضم رفات جنود سقطوا خلال الحرب العالمية الأولى. ونسعى لجعل النصب والمقابر من المزارات السياحية الجديدة بالمدينة”.

بحسب دراسة فنية أعدها الدكتور ياسر منجي، الأستاذ بكلية الفنون الجميلة بالزمالك سابقا، ونشرت في عدد سبتمبر 2015 من مجلة “الخيال”. صمم النصب النحات الفرنسي ريمون ديلامار (1890 -1986) والمعماري ميشيل سبيتز (1888-1957). وقدما تصورا معماريا مشتركا فاز في المسابقة الوطنية لتخليد ذكرى الدفاع عن القناة. وحمل المشروع اسم “النصب التذكاري للدفاع عن قناة السويس”. وأعتبره منجي أنه أحد أرقى أعمال “ديلامار” و”سبيتز” وأكثرها جلالاً.

تشير الدراسة إلى أن “ديلامار” قام بعمل المنحوتتين الرئيسيتين للنصب. واللتين تمثلان شخصيتين رمزيتين مجنحتين من الجرانيت الوردي المستخرج خصيصا من جزيرة سردينيا الإيطالية. بلغ ارتفاع كل منحوتة ثمانية أمتار، وامتدت أجنحتهما الجانبية إلى ثلاثة عشر مترا. وقد رمزت إحدى المنحوتتين إلى “الذكاء رابط الجأش”، بينما حملت الأخرى اسم “القوة العنيفة”. وقد رفعت الشخصيتان مشاعل ترمز إلى كونهما “حارسين على مصائر البلاد”، حسب تفسير ديلامار.

ميدالية تذكارية سُكت للنصب عام 1930
ميدالية تذكارية سُكت للنصب عام 1930
 منحوتات النصب التذكاري بقناة السويس

وقد انتصبت المنحوتتان في واجهة التكوين المعماري الذي صممه ميشيل سبيتز، مستلهماً طراز الصرح (البيلون) الذي يميز واجهات المعابد المصرية القديمة. فظهرت الكتلتان الرشيقتان، بارتفاع أربعين مترا، واستندت إليهما المنحوتتان، بينما فصل بينهما فراغ يرمز إلى المجرى الملاحي للقناة.

ووفقاً لوصف سبيتز، كان الهدف من تصميم النصب تجسيد “منارة ضخمة ترى من على بعد عدة كيلومترات”. ولذلك تم اختياره ليقام في موقع مرتفع يطل على القناة من منطقة جبل مريم.

ويختتم أشرف سليمان حديثه بقوله: “عودة الحياة إلى محيط النصب التذكاري تعني عودة جزء من ذاكرة المدينة وجمالها. ليظل شاهدًا حيًا على صفحة مهمة من تاريخ مصر والعالم، وملهمًا للأجيال القادمة بقيم الشجاعة والتعاون والتضحية”.

اقرأ أيضا:

حكايات من دفتر المقاومة في السويس.. هكذا عاش الأهالي تحت قصف الطائرات

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.