مش مجرد متحف.. «حكاية مدينة» يوثق تراث بورسعيد بقلب ناسها

«حكاية مدينة» هو أول متحف تراثي يُقام في بورسعيد، ليحتضن ذاكرة المدينة الباسلة داخل جدران واحدة من أقدم عماراتها، بيت «لهيطة». وقد جاء تأسيس المتحف بمبادرة مجتمعية أطلقها عدد من المهتمين بالشأن الثقافي والتراثي، وعلى رأسهم الدكتور محمود فشارة والدكتور محمد شجر، اللذان كرّسا سنوات من حياتهما في جمع وتوثيق كل ما يتعلق بتاريخ بورسعيد العريق.

متحف يروي ذاكرة بورسعيد

يقع المتحف في عمارة “بيت لهيطة” بشارع فلسطين، أحد أقدم شوارع حي الشرق، الذي يعد من أرقى أحياء بورسعيد. ويطل الشارع على المجرى الملاحي لقناة السويس. ويضم مجموعة من أبرز المعالم السياحية والمعمارية ذات الطراز الفريد.

وشهد حفل الافتتاح أجواءً فنية أصيلة على أنغام آلة السمسمية البورسعيدية. حيث قدّمت فرقتا “صوت البحر” و”صحبة” للفنون الشعبية باقة من الأغاني التراثية التي تعبّر عن الهوية الثقافية للمدينة الباسلة. وسط حضور عدد من القيادات التنفيذية والثقافية، والشخصيات العامة، والإعلاميين بالمحافظة.

ذاكرة مدينة في صور ولوحات ومقتنيات نادرة

يضم المتحف عدة أقسام تحكي محطات مهمة من تاريخ بورسعيد. من بينها قسم يوثق الحقبة الملكية من خلال الصور واللوحات. وآخر يبرز أعيان وباشاوات المدينة، وقسم مخصص لفترة العدوان الثلاثي عام 1956، وتفاصيل المقاومة الشعبية. إلى جانب توثيق وجود الجاليات الأجنبية مثل اليونانية والإيطالية. وزاوية خاصة لاحتفالات شم النسيم وعاداتها التراثية. بالإضافة إلى صور لعائلات وشخصيات بارزة من حي العرب.

ولا يقتصر المتحف على كونه معرضًا ثابتًا، بل يمثل نشاطًا ثقافيًا تابعًا لنقابة العاملين بديوان عام محافظة بورسعيد. ويتم تنظيمه تحت إشراف النقابة وتنسيق مباشر معها.

أكد الدكتور محمود فشارة أن المتحف أقيم بالكامل بجهود ذاتية. ويعد معرضًا دائمًا ستحدد له مواعيد أسبوعية للزيارة. وأوضح أن فكرة المتحف بدأت من شغف الدكتور محمد شجر بجمع الصور الأصلية والمقتنيات التراثية. حتى لقيا دعما من رئيس نقابة العاملين، الذي وفر لهما المكان ليكون مقرا لهذا النشاط الثقافي. وأشار إلى أن حلمهما يتمثل في توسيع المتحف ليصبح مشروعًا أكبر. يشارك فيه الهواة والمهتمون، ليغدو كيانًا شاملاً يليق بتاريخ بورسعيد.

15 عامًا من التوثيق.. وتاريخ المدينة في سطور بصرية

صرّح الدكتور محمد شجر، أحد مؤسسي المتحف، بأنه أمضى قرابة 15 عامًا في جمع المقتنيات والصور النادرة وتوثيق كل قطعة بأصلها. وقال لـ«باب مصر – بحري»: “بورسعيد تستحق كيانًا خاصًا يحكي بطولاتها وتراثها. هذه الخطوة مجرد بداية لمشروع أكبر بمشاركة جميع محبي المدينة الباسلة”.

وأضاف أن تنفيذ المتحف استغرق 8 أشهر من العمل المتواصل صباحًا ومساءً حتى خرج بهذه الصورة التي تليق باسم بورسعيد. وأشار إلى أنه تم تقسيم المتحف إلى جزأين: الجزء الأول، يوثق الفترة من ما قبل عام 1956، مرورًا بالحقبة الملكية، وافتتاح القناة. وزيارات الملوك والباشاوات، حتى العدوان الثلاثي.

أما الجزء الثاني، يسرد تاريخ المدينة بعد عام 1956، متناولًا بطولات أبنائها، ودور الجاليات الأجنبية. خاصة الإيطالية، في توسعة المدينة. إضافة إلى خريطة بورسعيد عام 1934، وحقبة الرئيس السادات، وإعلان المدينة منطقة حرة، وإعادة افتتاح قناة السويس في 5 يونيو 1975.

حكايات لا تنتهي.. من “أم الفدائيين” إلى الكنائس والجاليات

من أبرز القصص المعروضة في المتحف حكاية الحاجة نرجس الداوي، أو “أم الفدائيين”، التي اشتهرت بشجاعتها في إخفاء الفدائيين من جنود الاحتلال داخل منزلها في حي العرب. حيث كانوا يختبئون تحت الأريكة الخشبية- المعروفة بـ”الكراويتة”-بعيدا عن أعين الجنود الإنجليز.

وقالت حفيدتها نرجس الشاعر، في لقاء خاص مع “باب مصر بحري” :”كانت جدتي تتسم بالجرأة والشهامة. وتم تكريمها من الرئيس جمال عبد الناصر، الذي تكفل بعلاجها وأهداها مكافأة مالية تقديرًا لبطولتها”.

كما يحتوي المتحف على مقتنيات نادرة. مثل سفينة خشبية عمرها عن 100 عام، صنعت على يد أحد أفراد الجالية اليونانية لابنه، مع صورة للطفل بجوارها. إضافة إلى توثيق تاريخ كنائس بورسعيد وتعايش الطوائف الدينية فيها، بما يعكس تنوع النسيج الثقافي للمدينة.

“حكاية مدينة”: جسر من الذاكرة بين الأجيال

يبقى “حكاية مدينة” أكثر من مجرد معرض للتراث، فهو مرآة لذاكرة بورسعيد، ومبادرة لإحياء التاريخ وتوثيق الذاكرة الجماعية، كما يدعو أبناء المدينة للتفاعل والمشاركة، من أجل أن يظل ماضي بورسعيد حيًا في وجدان أجيالها القادمة.

اقرأ أيضا:

«قبة» قناة السويس.. من مقر التحركات إلى متحف قومي يحفظ ذاكرة الوطن

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.