في مثل هذا اليوم كان ميلاد "الساحر"

كتب- إيهاب محمود الحضري
كأن كلية الزراعة قررت استقبال الطلاب الأكثر استئثارًا بـ”خفة الدم” وحُسن الطلة، وكان الفنان محمود عبد العزيز واحدًا من هؤلاء الطلاب، الذين انضم إليهم الفنان عادل إمام والراحل سعيد صالح، غير أنهما كانا من طلاب جامعة القاهرة، فيما درس عبد العزيز بجامعة الإسكندرية.
في الرابع من يونيو، كان ميلاد محمود عبد العزيز صاحب كل هذا الثراء الفني، لم يكن قد أكمل الثلاثين من عمره عندما طلَّ على الجمهور من شاشة السينما، عندما أسند له المخرج عاطف سالم دورًا في مسلسل الحفيد (1974) ليحقق من خلاله حضورًا لافتًا ويجذب الأنظار إليه ولا يلبث أن يبدأ مشواره مع البطولة في العام التالي.
لعب الساحر دورًا أكبر وعمل مع نجوم لهم وزن فني كبير مثل الفنان عماد حمدي والكوميديان الراحل سعيد صالح، وكان ذلك في فيلم “حتى آخر العمر” الذي مثل انطلاقة لعبد العزيز، وحصل وقتها على 400 جنيه كأجر وبحسب تصريح له، بخصوص منتج الفيلم رمسيس نجيب، في إحدى حواراته الصحفية قال: “حينما راح ينظر لي بتفحص ووضع العقد أمامي لكي أوقعه ظللت مذهولًا، فوجدت أحد الجالسين يقول لي امضي امضي، رمسيس حايوصلك للقمة والنجومية”.
خلال تلك الفترة انحصر محمود عبد العزيز في أدوار الرومانسية فقط، شاب وسيم ولا يزال في عقده الثالث لابد أن تغويه مثل هذه الأدوار، وقد استفاد كثيرًا من تقديمها بأن بنى قاعدة شعبية جيدة حققت له انتشارًا مقبولًا، ولكن في عام 1982 اختلف الأمر.
الانطلاق
في هذا العام قدم محمود عبد العزيز دورًا جديدًا عليه في فيلم العار الذي شاركه بطولته حسين فهمي ونور الشريف. قدم الثلاثة أداءًا مميزًا، غير أن ظهور عبد العزيز على تلك الكيفية جذب الأنظار واعتبره الكثير من النقاد “يخرج من جلده” إذ اعتادوا عليه، عبر ما يقارب الخمسة وعشرين فيلمًا، يقدم الأدوار الرومانسية فقط.
رسخ عبد العزيز لنفسه كفنان يستطيع أن يتلون حسبما شاء، وبإمكانه أن يدخل إلى الجمهور من أبواب مختلفة، فقدم دورًا مميزًا في فيلم الكيف، وارتدى زيًا جديدًا عليه في “إعدام ميت” وكان في كل أدواره يمتاز بخفة الدم وحسن الطلَّة.
منتصف الثمانينات، وبينما كانت مصر تمور بما جرى نتيجة تمرد الأمن المركزي، كان عبد العزيز يقدم دور رأفت الهجان، البطل المصري الذي قدم لجهاز المخابرات المصري عمليات جليلة كشف عن بعضها الجهاز وسمح لعبدالعزيز بالاطلاع على معلومات مهمة ساعدته في أن يلعب دورًا مميزًا، ويقدم شخصية قربته من قلوب المصريين ومنحته اعترافًا بأنه بات واحدًا من أهم أبناء جيله، إن لم يكن أهمهم في مراحل معينة.
نتيجة ذلك النجاح الكبير، وبحسب تصريح له في إحدى الصحف، قال إنه فكر في اعتزال الفن، إذ وجد أن ليس بإمكانه تقديم جديد بعد رأفت الهجان.
لم يكن دور رأفت الهجان هو أول ظهور لعبد العزيز على شاشة التليفزيون، ولكنه لعب دورًا في مسلسل “الدوامة” عام 1974، إذ اختاره المخرج نور الدمرداش، والد الإعلامي معتز الدمرداش وزوج الفنانة الراحلة كريمة مختار، ليقدم أول أدواره الفنية، التي انطلق بعدها ليقدم العديد من المسلسلات، كان آخرها مسلسل “راس الغول” الذي عرض خلال الموسم الرمضاني العام الماضي.
في عام 1991، كان عبد العزيز يقدم دورًا يمكن اعتباره أهم أدواره السينمائية، عندما انكب المخرج داود عبد السيد على رواية “مالك الحزين” للكاتب الكبير إبراهيم أصلان، كي يصنع لها سيناريو وحوار ويخرجها أيضًا.
جسد عبد العزيز شخصية الشيخ حسني، ذلك الرجل الكفيف الذي يرى ببصيرته لا ببصره، يعيش مع والدته المُسنة وابنه البائس، غير فاقد للبسمة والأمل وراصدًا ليوميات الحارة التي يعيش فيها، وقد حصل عن هذا الدور على جائزة أفضل ممثل بمهرجان دمشق السينمائي الدولي ومهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي.
الزواج في حياة الساحر
تزوج محمود عبد العزيز مرتين:  أنجب في الأولى ابنيه كريم ومحمد، من “جيجي زويد” وكانت جيجي بعيدة عن الوسط الفني إذ تزوجها في بداية حياته فكانت هي “أم العيال” كما يقولون، وقال عنها الساحر في حوار صحفي: “كانت تحمل صفات الفتاة المصرية والعربية بكل جمالياتها، وكانت إنسانة محترمة تنتمي لعائلة طيبة مستعدة للوقوف إلى جانب زوجها والدفع به للأمام”.
غير أنه أنهى علاقتهما وطلقها بعد زواج دام عشرين سنة ليتزوج من الإعلامية بوسي شلبي، وكان ذلك في العام 1998، واستمر زواجهما حتى وفاته، واعترف الساحر بأنه كان معجبًا ببوسي وملتفتًا لها. قال في حديث صحفي سابق: “لا أخفي أنني كنت من داخلي معجب بها كإنسانة وإعلامية لها أسلوب مختلف”.
كما عُرف عن بوسي ولعها بالساحر وأنها كانت تعتبره فتى أحلامها الوحيد، فقالت عنه في حوار صحفي لجريدة الأهرام عام 2012: “هو حلم حياتي الذي أصبح حقيقة، وأحسد نفسي عليه وأنا كنت أعرف محمود وأنا طفلة صغيرة لأنه كان صديقًا شخصيًا لأختي ولعائلتي وأحببته وحلمت بالزواج منه، وأحمد الله أن حقق لي حلمي”.
ولأن “ابن الوز عوَّام” كان لا بد أن يخرج من صلب الساحر فنانًا يحمل بعض صفات أبيه، قطعًا المقارنة قد تظلمه، ولكنها ضرورية وتفرض نفسها، كما أن الابن استطاع أن يجد لنفسه موطًا قدم في المشهد الفني في مصر عبر عدة أدوار، حققت له، على قلتها، انتشارًا مقبولًا، حيث لعب كريم محمود عبد العزيز أدوارًا كوميدية في غالبيتها وبعيدًا عن أبيه، فإنه حظى بقبول معقول.
الرحيل
في 12 نوفمبر الماضي، أعلن الفنان سمير صبري عن وصية محمود عبد العزيز، التي كشفت عن حب عميق للإسكندرية التي ولد بها وسَرَت رائحة بحرها داخله، إذ أوصى أن يدفن هناك بمقابر منطقة الورديان قريبًا من بيت أبيه الذي ولد فيه.
وقال صبري في حديث له: “منذ عشرين عامًا أصيب بشيء في معدته، وشك الأطباء بأنه يعاني من سرطان، وسافرت معه إلى باريس، وفي الطائرة أوصاني بأنه إذا لم يعد حيًا، أن يدفن في الاسكندرية وأن ترش مياه البحر على قبره، وبعد شفائه دخلت عليه ومعي زوجته الأولى وشقيقه، فضحك وقال من الظاهر أنه لن نرش الماء الآن”.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر