سلسلة عاشت الأسامي| كيف خرج اليهود من مصر؟

من سلسلة عاشت الأسامي، نستعرض منظومة مصر الاقتصادية في التغير منذ نهاية عقد الثلاثينيات من القرن الماضي، مع إلغاء سياسة الامتيازات، وحتى نهاية الاربعينيات، مع إقرار أسس جديدة لإدارة اقتصاد الدولة. ونسأل السؤال كيف خرج اليهود من مصر؟
وأقر قانون الشركات عام 1947 على أنه يشترط أن يكون 40% من أعضاء إدارة البنوك و البورصة من المصريين، وأن يكون 75% من العاملين في المؤسسات المصرية مصريين، وأن يصل 65% من الأجور الى مصريين.
على إثر ذلك القانون فصل أعداد كبيرة من اليهود من البنوك والمؤسسات، ووصلت هذه الحملة إلى الذروة في عامي 1956 و1957، ما اضطر آلاف اليهود إلى الرحيل عن مصر.
وبين شهري يونيو ونوفمبر 1948، وضعت قنابل في الحي اليهودي بالقاهرة قتلت أكثر من 70 من اليهود وأصابت ما يقرب من 2200 في عام 1956، بينما استخدمت الحكومة وقتها الهجوم على سيناء كذريعة لطرد ما يقرب من 25000 مصري يهودي ومصادرة ممتلكاتهم.
وأدت أحداث فلسطين عام 1948 إلى تغير مسار الشارع المصري من تيار وطني مصري إلى تيار قومي عربي، وبعد ثورة 52 حدثت عملية سوزانا التى جند فيها يهود مصريين، ما أدى لاتهامهم بالطابور الخامس، وبعد إعدام اثنين من الإرهابين كانوا يهودًا، ردت الحومة الإسرائيلية بالهجوم على غزة، و شاركت في اعتداء 1956 على مصر دون مبرر .
لم تكن هناك ضغوط شعبية على اليهود من المسلمين والأقباط، بل إن المشكلات كان أساسها اقتصاديا، خاصة بعد تأميم الممتلكات وسياسة الدولة ضد الأجانب.
جوزيف بساح نشأ في حارة اليهود القرائيين، ودرس الهندسة في جامعة القاهرة وكان يشعر بالفخر لرؤية موسى مرزوق في المعبد بالحارة وعند القبض على مرزوق قرر جوزيف أن يكون جاسوسا انتقامًا لإعدام مرزوق.

اليهود و الصاغة

ما زال الصاغة حتى الآن يستخدمون بعض المفردات العبرية مثل الأعداد، ويرجع ذلك إلى توارث المهنة في منطقة الصاغة من اليهود، على الرغم من أن الرحالة بنيامين التطيلي أوضح أن اليهود المصريين عاشوا في 15 مدينة أو قرية كبيرة معظمها في الوجه البحري.
وعلى الرغم من أن المقريزي لم يذكر لنا شيئا عن معابد اليهود خارج القاهرة والفسطاط و الجيزة و ضواحي الإسكندرية، فإن وثائق الجنيزا كشفت عن أنهم عاشوا في طول البلاد وعرضها شأن المسلمين والمسيحيين.
وإذا كانت الطبيعة التآزرية للأقليات قد حكمت اليهود، إذ كانوا يشكلون جماعات صغيرة داخل المدن التي سكنوها، فإنهم لم يكونوا نسيجا اجتماعيا خاصًا، يختلف عن النسيج الاجتماعي العام، وإنما كانوا جزءًا عضويًا داخل هذا النسيج الكلي.

حرفهم في مصر

كذلك فإن إقامة اليهود في أنحاء البلاد المصرية ارتبطت بالحرف والصناعات والمهن التي تعيَّشوا منها، ولم يكن توزيعهم السكاني والجغرافي نتاجًا لوضعهم باعتبارهم أقلية دينية.
اشتغل اليهود العديد من المهن التي لها صلة بالمعادن، فاشتغلوا في مجال تنقية المعادن واختبارها “الششنجي” ، وإعداد الأنسجة المطرزة من الذهب والفضة، وإعداد العملات، وصناعة المجوهرات المرصعة بالأحجار الكريمة، وأعداد كبيرة من القرائيين اشتغلوا بالصياغة، كانت إما في إطار الصناعة المنزلية أو في محل في السوق يتم استخدامه كورشة.
كان معظم المشتغلين بالصرافة فى مصر من اليهود الذين عملوا في حي الصاغة ووكالة الصواريف وعطفة المقاصيص.

حكايات من حارة اليهود

يحكي جوئل بنين فى كتابه شتات اليهود المصريين عن موريس شماس. يقول “يهودي قرائي يعيش فى القدس يتحدث العربية من مواليد 1930 بحارة اليهود بالقاهرة.. إذ نشر الأخير مجموعة قصصية عن الحارة “الشيخ شابتاي وحكايات من حارة اليهود” تصور ذكرياته عنها، وهل كان أهلها مصريين أصليين، نسخًا كربونية من أولاد البلد؟”
يحكي شماس عن عم محمود الذي اختفى من الحارة.. وعاد بعد فترة معه ابنه الطبيب الذي افتتح عيادة في الحارة.

ويروي عن غضب اليهود عند إعلان ليلى مراد إسلامها للزواج.. ومواقف أهل الحارة من ذلك كإغلاق راديو المقهى عند إذاعة اغانيها.. ثم اختفاء الغضب عندما علموا بزيارتها ليلا لمعبد موسى بن ميمون.. وطلب الدعاء لوالدها من خادم المعبد.
كان القرائيون والربانيون في حارتين متجاورتين.. يعملان في نفس المهن مع بعضهم بعضًا.

وكان الدكتور موشى مرزوق يهودي قراء يعمل في المستشفى الربانى الذي كان يتردد عليه الكثير من طائفة “القرائين”.. لأنه لم يكن لهم مرفق طبي خاص بهم، وقد خصصت الطائفة القرائية دعمًا سنويًا للمستشفى.

تنظيم طائفي منفصل

حافظ الاشكيناز في القاهرة على تنظيم طائفي منفصل وتمركزو جغرافيا في منطقة درب البرابرة، حيث كانت الياديشية هى لغة الحديث في الشارع حتى خمسينيات القرن العشرين، وكانت لهم عروضًا مسرحية يديشية وبرنامج بالياديشية.
جاك حسون يصف امرأتين يهودتين في الحارة يجري بينهم حديث عن الراحة من الهموم والموت و يصف ملابسهم. يقول ترتديان فساتين طويلة سوداء اللون وبالية تماما، لسن محجبات.. كما أن المسلمات لم تكن محجبات في الخمسينيات من القرن العشرين.. إحداهما ترتدي الزي التقليدى ليهوديات مصر (الحبرة). وهي  عبارة عن قطعة قماش كبيرة تغطي الرأس.. ويشبك على الصدر ثم يربط في الظهر.. أما الأخرى فكانت ترتدي منديلا أسود اللون على رأسها.
في عام 1954 أمام محل الحانوتي أشير رجلا يمشي ذهابا وأيابا أمام المحل مرتديا سروالا طويلا وصديريًا ويغطى جسمه بالتاليث كما يحمل التفيلين، إنه ينهي التواشيح التقليدية المضافة على صلاوات الصباح.

مقهى “جداليا”

مقهى “جداليا” في الحارة الذي كان مكان العاطلين من اليهود الباحثين عن عمل.. كان هذا المقهى سببًا في تجنيس العاطلين بالجنسية الإيطالية. وهم (أصحاب القمصان السود) وفرارهم من الخدمة العسكرية الإيطالية في الحبشة ليصبحوا أبطالا ضد الفاشيست.. ويهاجروا إلى إيطاليا فيما بعد.
أطلق على يهود “درب البرابرة” لفظ “الشلخت” فقد كان يسكنه يهود اشكناز. ويحتوي على محلات بيع الحلوى وسيدات يضعن شعرًا مستعارًا. ورجال حاسيديم ملتحين، جاءوا في بداية القرن هربا من الإبادة في كيشينيف إلى الحارة متأففين من الظروف والحر والذباب هاتفين شلخت.. فأطلقت عليهم شلختينا للنساء وشلخت للذكور.
من أبرز طائفة القرائين الذين عاشوا في حارة اليهود والخرنفش مراد بك فرج.. وهو أستاذ القانون الذي شارك في تعديل وثيقة القانون الأساسي المصري، الدستور.. ويوسف درويش، المحامي الشيوعى الشهير،و داود حسني، الملحن والموسيقار.. كما عاش في الحارة جمال عبد الناصر في خميس العدس عام 1933.
-كان الشوهيت، كاهن يقدم القرابين، يجوب أحياء المدينة ويراقب تجار الطيور.. فعند الذبح ينادي على الشوهيت باسمه يا شمعون يا إبراهيم ليحضر الذبح ويظهر شارته ويراقب السكين الحاد.. فإذا كان به خدش واحد لا يأخذ ربحه على الذبح ويأخذ الطير الشوهيت ويذبحه بنفسه.. ويلقى به أرضًا حتى يسيل دمه ويغطى الدماء بالتراب وهو يهمهم “لأن الدماء هي الحياة”.

سلسلة عاشت الأسامي| تاريخ “حارة اليهود” في مصر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
– تعنى لفظ الجنيزا خزانة الأسفار البالية من الاستعمال.. غير أنها تعنى اصطلاحًا مجموع الوثائق العبرية والآرمية والعربية التى تم اكتشافها خلال القرن التاسع عشر في معبد بن عزرا فى الفسطاط.
– أندريه ريمون، فصول من التاريخ الاجتماعي للقاهرة العثمانية.. ترجمة زهير الشايب، القاهرة: مكتبة مدبولي، 1975م-ص 18.
– قاسم عبده قاسم : اليهود في مصر ، دار الشروق ، القاهرة، 1993 ص 38- 54
– يعقوب لاندو : تاريخ يهود مصر في الفترة العثمانية، ترجمة جمال الرفاعى وأخرون ، المشروع القومى للترجمة ،المجلس الأعلى للثقافة ، 2000 م .
– عرفه عبدو على : يهود مصر بارونات وبؤساء ، ايتراك للنشر ، مصر ، 1997 م.
– جوئل بنين : شتات اليهود المصريين ، ترجمة  محمد شكر ، دار الشروق – مصر- 2008 م
– جاك حسون : تاريخ يهود النيل ، ترجمة يوسف درويش ، دار الشروق مصر ، 2008 م
– محمد أبو الغار: يهود مصر من الازدهار الى الشتات ، دار الهلال، مصر،2006

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر