هل تضع «اليونسكو» دير سانت كاترين ضمن مواقع التراث المعرض للخطر؟

استطاعت مصر مؤخرًا رفع موقع دير«أبو مينا» الأثري بالإسكندرية من قائمة اليونسكو للتراث المعرض للخطر، بعد سنوات طويلة من تدهور الموقع. في المقابل، تعالت الأصوات الدولية المطالبة بإدراج موقع دير سانت كاترين الأثري ضمن مواقع التراث العالمي المهددة بالخطر، بسبب الأزمة الأخيرة التي شهدها الموقع الفريد في سيناء.
مراقبة أوضاع التراث
الواقعة الأخيرة دفعت منظمة مراقبة التراث العالمي«ووتش» -وهي منظمة غير حكومية معنية بمراقبة أوضاع مواقع التراث العالمي- إلى إصدار بيان طالبت فيه بإدراج الدير ضمن قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي المعرضة للخطر. محملة اليونسكو مسؤولية التقصير. ومعتبرة أنها تساهلت في التعامل مع المواقع التراثية المصرية خلال الـ20 عامًا الماضية. كما أشار البيان أن مصر لم تمتثل لكثير من قرارات وطلبات المنظمة الدولية.
وأشار ستيفان دويبكه، رئيس منظمة مراقبة التراث العالمي، إنه طالب في وقت سابق بتقييم آثار ما جرى داخل منطقة سانت كاترين. وعرض المشروع بالكامل على اليونسكو ومشاركة خبرائها، نظرًا للقيمة الاستثنائية والعالمية للموقع.
وبحسب البيان، استندت المنظمة إلى آراء متخصصين – لم تسمهم – لديهم خبرة لعقود في التعامل مع موقع سانت كاترين. إلى جانب الاستعانة بسكان محليين في هذه المنطقة. وتوصلت المنظمة إلى أن الحكومة استمرت في تقديم معلومات مضللة أو غير متسقة أو غير مكتملة إلى اليونسكو. معتبرة أن الوقت قد حان لليونسكو كي تعلن بوضوح أن صبرها قد نفد.
وأضاف البيان: “يجب الحفاظ على عزلة وهدوء المنطقة، وهي قيمة أساسية للتراث العالمي، تحت كل الظروف. من أجل الحفاظ على الطابع المقدس للمناظر الطبيعية، وتمكين الخلوة الروحية للرهبان”.
تضارب مصالح
تساءل البيان عن صمت المنظمة حيال تمرير المشروع في وقت تقدم فيه الحكومة المصرية للدفع بمرشحها خالد العناني لرئاسة اليونسكو، معتبرا ذلك أمرا غير مفهوم. وأضاف: “سيكون من المفارقات أن يتولى المدير العام للمنظمة الإشراف على اتفاقية التراث العالمي. بينما في الواقع يلتزم الصمت تجاه ما يحدث في منطقة سانت كاترين”. مشيرًا إلى أن ذلك يعد تضاربًا خطيرًا بالنسبة لمصالح اليونسكو.
وطالبت منظمة مراقبة التراث العالمي القيام بعدة إجراءات خلال هذا الأسبوع. من خلال اعتماد قرارات لجنة التراث العالمي في دورتها هذا العام، منها:
- يجب على اللجنة إصدار بيان يؤكد من جديد اعتراف اليونسكو بحقوق ملكية الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية لدير سانت كاترين وممتلكاته الخارجية.
- يجب على اللجنة أيضًا التحقق من صحة المعلومات الواردة من مصادر مستقلة وموثوقة بأن الموقع يواجه العديد من العوامل الرئيسية المعترف بها من قبل لجنة التراث العالمي التي تؤثر على الموقع. بما في ذلك التنمية، والنقل، والعوامل الاجتماعية، والقانونية، والمؤسسية، التي تهدد قيمه العالمية الاستثنائية.
- يجب على لجنة التراث العالمي الإصرار على قيام بعثة رصد تفاعلية مشتركة من اليونسكو/إيكوموس بزيارة الموقع في غضون 3 أشهر من نهاية اجتماع لجنة التراث العالمي.
- اعتمادًا على نتائج بعثة الرصد التفاعلية. يجب على لجنة التراث العالمي بعد ذلك النظر في إمكانية إدراج الممتلكات في قائمة التراث العالمي المعرض للخطر. خاصة إذا فشلت البعثة في إجراء الزيارة في الإطار الزمني المقترح.
استقلالية الدير
قال الدكتور محمد عبد المقصود، الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للآثار، إن القائمين على الدير لهم مواقف لا تنسى خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي لشبه جزيرة سيناء بعد عام 1967. وذلك عندما قام رئيس أساقفة سيناء ورئيس الدير، مع الرهبان، بإخفاء جنود مصريين عقب محاولات العثور عليهم من جانب جيش الاحتلال.
وأضاف: عندما حاولت قوات الاحتلال تهويد جنوب سيناء عن طريق شراء أراضٍ من البدو في نطاق منطقة دير سانت كاترين. وفور وصول المعلومات لمطران الدير، اجتمع مع شيوخ قبائل جنوب سيناء. واتفقوا جميعًا على رفض بيع أي أراض داخل منطقة سيناء. مؤكدًا على أهمية رفض هذه الخطوة الخطيرة، وعدم التنازل عن أي شبر من الأراضي للعدو الإسرائيلي.
وأشار إلى أن كهنة الدير أظهروا موقفًا وطنيًا حكيمًا خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي. وقد حافظوا على قدسية واستقلاليته، ودعموا القضية المصرية.
غياب الشرح والتفسيرات
عن الأزمة الأخيرة قال عبد المقصود: “يجب شرحها للناس، لأن غياب الشرح تسبب في تفاقمها.المشكلة نفسها أن الدير كمبنى ليس طرفًا فيها. سبب ذلك يعود للأراضي الواقعة حول الدير من الخارج لأن القائمين على الدير يعتبرون أنها ملكًا للدير. بينما تريد الدولة استغلال جزء منها ضمن التنمية السياحية خصوصًا أنها ستزيد من قيمة المنطقة. وهنا حدثت الأزمة عندما جرى إقحام الدير في مشكلة استثمارية”.
وتابع: “كان من الأولى توضيح الحقائق ومنها أن وضع الدير لن يتغير، وسيتم ممارسة الطقوس داخله بصورة دائمة. فهو مسجل على قائمة التراث العالمي لليونسكو. هذا بجانب تعهد الدولة باحترام الاتفاقيات التاريخية التي تم توقيعها طوال فترات التاريخ”.
وأوضح أن المشروع الأساسي غرضه تأهيل منطقة التجلي الأعظم، وهي فكرة تنفذها كثير من الدول. بينما مصر كان لا بد أن تدعم الفكرة منذ سنوات طويلة. أما المشكلة التي ظهرت فسببها الخلط بين السياسية، والدين، والاستثمار، وبسط النفوذ، وهي قضايا معقدة. لذلك يجب حل المشكلة بشكل يراعي القيم التراثية للمنطقة، وضمان أن أي مشروع استثماري لن يضر بالقيمة التراثية للموقع.
واختتم: “من الضروري عرض مثل هذه المشروعات على اليونسكو كجهة إشراف لها الحق في مراقبة المواقع المسجلة على قائمة التراث العالمي”.
اقرأ أيضا:
بعد أزمة دير سانت كاترين.. هل خسر «خالد العناني» معركة اليونسكو؟
هدم متحف نبيل درويش خلال أيام… والبديل متحف 500 متر!
وعود خالد العناني في «اليونسكو»: الحفاظ على التراث وحرية التعبير وحماية حقوق الصحفيين