«هالة فودة»: التلي أصعب أنواع التطريز.. والأزياء المصرية في حاجة لفرض نفسها في السوق
قبل نحو خمس سنوات، لم يكن التَلي يرتبط في الأذهان إلا بتصميمات محددة مقتصرة على المناسبات التراثية، وسط موجة من الصيحات السريعة التي دفعته للتراجع. من هذه النقطة انطلقت فكرة هالة فودة، التي عشقت التَلي منذ صغرها، وتمنت أن يصبح زيًا يوميًا. أطلقت براند «تلينا»، لإعادة التلي المصري إلى مكانه الطبيعي وسط خزانة المرأة، بتصميمات توازن بين الأصالة والمعاصرة، وتواكب الموضة محليا وعالميا، في إطار سعيها لحماية الهوية المصرية والحفاظ على التراث.
وفي هذا الحوار، تتحدث هالة فودة لـ«باب مصر» عن بداية حلمها وشغفها بالتراث ورؤيتها لمستقبل الحرف اليدوية والأزياء في مصر.
-
ما اللحظة التي شعرت فيها أن التلي الصعيدي يمكن تحويله من زي تراثي إلى منتج عالمي؟ ولماذا هو تحديدًا؟
التَلي زي عالمي قبل أن يقع اختياري عليه، وهو معروف عالميًا أكثر من المستوى المحلي. أما سبب الاختيار، لأن في رأيي أنه من أجمل الأزياء التراثية المصرية الموجودة. منذ سنوات طويلة وأنا أحب التَلي وتصميماته. حتى بدأت الفكرة تتبلور في معرض تراثي وجدت المعروضات مقتصرة على الشال والجلابية. ولا يوجد من بينها فستان أو بناطيل متاحة للارتداء اليومي. لأن حينها لم تكن هذه الاستايلات معروفة.
من هنا بدأت الفكرة تترسخ لدي أنا والسيدة عفاف عارف، إحدى رائدات التلي في جزيرة شندويل بسوهاج، وشعرنا إننا من الممكن أن نعمل على تنفيذ الفكرة معًا. خاصة وإنها شخصية ذكية وتحب التطوير من نفسها وشغلها. وبالفعل بدأنا ومع أول مجموعة تصميم ظهرت للنور وجدت العديد من الناس لديهم الرغبة في ارتداء التلي بشكل عصري ولكل يوم، وليس فقط كزي تراثي فلكلوري.
ومع البحث، اكتشفت أن التلي كان حاضرا بقوة في السينما المصرية وهوليوود، خاصة لأن خيوطه اللامعة كانت مناسبة للسينما، وأجواء هوليوود والنجوم. بالتالي هو منتشر عالميًا منذ القدم، وحتى في فترة الأفلام الصامتة في العشرينات ظهر نجوم يرتدونه. أتمنى الناس في مصر تعرفه أكثر وتقبل عليه وترتديه في الحياة اليومية وليس المناسبات الخاصة فقط. خاصة وأن تطريزها بسيط ومناسب كملبس يومي، وفي نفس الوقت إشارة للحفاظ على هويتنا.
-
هل التصميمات مستوحاة من موتيفات محددة، أم مستلهمة من الفكرة بشكل عام؟
موتيفات التلي كلها تاريخية، ويقارب عددها 70 إلى 80 موتيفة. كنت حريصة منذ البداية على جمعهما ورسمهما بشكل مضبوط دون أن يكون فيه أي تغيير، لأن الموتيفة جزء أساسي من هوية التلي. ولا يجب التغيير فيها أو التعديل عليها أو الإضافة لها، لأنها ثابتة مثل حروف اللغة. نستطيع التطوير في التصميم وتوظيف الموتيفة داخله. ومنذ بدأت تأسيس “تلينا”، حرصت على أن تعمل كل البنات بنفس عدد الغرز الخاصة بكل موتيفة.

-
هل ساعدك دورك الأكاديمي في تكوين رؤيتك للتراث؟
بالتأكيد. فقد ساعدني بصفة عامة أن أعرف أولًا تاريخ التلي أكثر واقرأ عنه وأبحث عن دراسات عنه سواء في مصر أو عالميًا. وأن جزء من اهتمامي بالتلي يكون له علاقة بالتوثيق، بمعنى أن كل أشكال الموتيفات حتى الأشكال غير المنتشرة في الاستعمال جمعتها. وأيضًا في توظيف موتيفات أصعب تستطيع بنات أكثر احترافية أن يتقنوها، مع مراعاة الاستمرار في استعمالها حتى تظل موجودة ولا تندثر. وحتى لا يكون التركيز على شكلين أو ثلاثة هم الأكثر انتشارًا، مثل العروسة والجمل والشمعدان. هناك ما يستحق أيضًا أن يُعرف.
كما جعلني الجانب الأكاديمي أكثر حرصًا على تقديم معرفة للناس عن تاريخ التلي ومعاني الموتيفات. فعلى السوشيال ميديا يقوم نعرض أحيانا الموتيفات بالجرافيك ديزاين وكتابة اسمها باللغة العربية والإنجليزية. بحيث يعرفها الناس بعد ذلك حين رؤيتهم لها، لأن كل موتيفة لها اسم.
وهناك أيضًا جانب تاريخي مهم، يظهر في توثيقي لكل المراحل التاريخية المثبتة عن تاريخ التلي في المراجع التاريخية، بداية من الجبرتي في “عجائب الآثار في التراجم والأخبار”. لأننا نسعى لتسجيل التلي كتراث مصري في اليونسكو. لذا لا بد أن يكون عندنا ما يثبت منذ متى وجد في مصر. وهذا موجود عند الجبرتي وأشار له، وذكر أن محمد علي حين وصل الحكم احتكر التلي لأنه كان صناعة عائدها المادي قوي، فقرر احتكارها وانشأ مصنع للخيوط في القاهرة. والتي كانت وقتها تصنع من الفضة، وبالتالي أرجح أن المصنع خيوط التلي هذا هو نفسه مصنع خيوط كسوة الكعبة. وهذا مؤشر يجعلنا نؤكد أن التلي كان موجودًا كزي للمرأة في صعيد مصر على الأقل قبلها بـ20 أو 30 عامًا.
-
ما التحدي الأكبر الذي تواجهينه.. الحفاظ على الأصالة أم إقناع السوق بأن التلي تراث مصري؟
الحفاظ على الأصالة مهمة، ولا بد لها من إدراك ووعي، ولا أراه تحدي كبير، لأن الإدراك والوعي موجودين سواء لدي أو لدى آخرين مقتنعين أنه من المهم الحافظ عليه كتراث. أما العالم بالفعل معترف أن التلي مصري، لكن التقصير محلي أكثر، أما فكرة أن التلي مصري أم تابع لدول أخرى فلا أجد فيها تعارض لأن بعض الدول لديها ما تشبه التلي، أو يطلقون عليها تلي، لكنها مختلفة تمامًا عن التلي المصري. لأن التلي المصري مميز جدًا، وليس مجرد تطريز شكله حلو ومبهر، بل بصمة لها علاقة بالهوية، له معنى ولغة وليس خيوط. وهذا سر الحفاظ عليه كهوية مصرية أصيلة لا أحد يقدر على أن ينازع مصر عليها.
-
هل دخول التراث في مجال الموضة ممكن أن يتسبب في تفريغه من معناه الأصلي؟
ما دمنا حريصين على الحفاظ على الأصل مع توظيفه بشكل عصري، فإن ذلك سيكفل له الحماية والانتشار. أما تحريفه فهو طمس لهويته، وهذا ما أحرص عليه، أن نطور التصميم دون الإخلال باللغة والمعنى الأصلي للتلي.
-
ما أهمية مشاركة “تلينا” في أسبوع القاهرة للتصميم؟ وهل هناك رسالة يحملها؟
بالتأكيد، يوجد رسالة وأعتقد أنها وصلت وتحققت خلال الفترة الماضية، خاصة وأن الإيفنت كله مهتم بالابتكار والتصميمات الفريدة. كانت مشاركتي للتأكيد على أن الابتكار والتصميمات الفريدة ليست بالضرورة أبدا أن تبقى متجهة للغرب أو تكون عصرية بشكل كبير. ولا يوجد ما يمنع أن تبقى مستوحاة من التراث المصري، ويظل بها إبداع أيضًا وفكرة مختلفة. بحيث تكون مناسبة لعصرنا الحالي.
الرسالة هي أننا نقدر على أن نفرض موضة خاصة بنا مستوحاة من تراثنا، وفي نفس الوقت نستطيع ارتدائها ونحن فخورين بها، وهذه الرسالة اعتقد وصلت حينما جاء الجمهور وشاهدوا التصميمات وجزء منهم لم يكن يعرف التلي. ومع ذلك أعجبوا به وقالوا لما لا، وظهر أيضًا مع إقبال الأجيال الجديدة والشباب في العشرينات حينما شاهدوا التصميمات وقالوا ممكن أن نرتديها. اطمأننت أن تصميماتنا لن تكون مناسبة للأجيال الكبيرة فقط، لكن كذلك الشباب الفخورين بهويتهم المصرية ممكن أن يرتدونه.
-
هل لاحظتٍ اختلافا في نظرة الجمهور الأجنبي مقابل المصري للأزياء التراثية؟
الجمهور الأجنبي بصفة عامة لديه تقدير واحترام لكل ما هو تراثي وأشغال وحرف يدوية وكل ما بُذل فيه مجهود ومبدع. بالإضافة إلى الخامات الطبيعية، نحن دائما نحرص على أن تكون كل الخامات طبيعية، سواء كتان أو قطن أو غيره. وأن تكون مشغولة على النول اليدوي في أخميم.
أرى أن تصميم التلي ينهض بكل الصناعات التراثية الأخرى، لذا كل البنات العاملات معنا من سوهاج، منبع التلي. حتى القماش نأتي به من سوهاج، لأن النول حرفة قديمة ومصرية صميمة تحتاج إلى دعم حتى لا تندثر، ولأن خاماته ممتازة ومتقنة، حين يخرج منتج يجمع كل هذه العناصر. فهو رسالة واضحة أن لدينا حرفا تراثية مصرية حلوة وقيمة نستطيع أن نفخر بها.

-
هل فكرتٍ في إطلاق ورش تدريبية لتعليم التلي على مستوى المحافظات؟
التلي كنوع تطريز شديد الصعوبة والدقة، ويحتاج إلى شخص بالغ الصبر، فهو أصعب من باقي أنواع التطريز، خاصة وأنه يحتاج موهبة وبذل جهد كبير حتى يصل مرحلة الإتقان. تاريخيًا، هو نوع من التطريز كانت تتوارثه الأجيال، الأم تعلم ابنتها، أو الأخت تعلم أختها، لذا كانوا يعملن من بيوتهن خاصة أنه لا يحتاج ماكينات.
الورش مفيدة وتعلم ناس جديدة لكن ورشة واحدة غير كافية، فالشخص في حاجة طوال الوقت للمتابعة مع محترف حتى يصل لمرحلة الإبداع. لأنه يحتاج وقت كبير للتعلم، ويوجد ورش في القاهرة أو الإسكندرية، أو باقي المحافظات. لكن تدريباتنا بشكل أساسي في سوهاج، بعدما يكون الناس تعلموا في الورشة ونحن نكفل لهم الشغل ومتابعته.
-
في رأيك.. من يحدد الشكل العام للأزياء في مصر حاليًا؟ السوق أم الموضة العالمية أم السوشيال ميديا؟
كل ما سبق له تأثير، مع ظهور عنصر جديد غير مقتنعة به وهو “الإنفلونسرز”، لأن الناس تتأثر بهم. أرى أننا يجب ألا نلتفت له، ونخلق خاصة بنا وتليق علينا، سواء كمصريين أو تليق بمرحلة عمرية أو استخدام. لأن الموضة يجب أن تطوع لاحتياجاتنا، وإلى أي مدى تكون مناسبة لنا كشكل واستخدام وسن. فالذكاء أن نوظف عناصر الموضة مع طبيعتنا كأشخاص أو مجتمع.
-
هل يمكن أن نصنع موضة خاصة بنا؟
لا بد من ذلك. الأزياء المصرية يجب أن تفرض نفسها في السوق. أعتقد ما جعل المستهلك يبعد عن الصناعات المصرية هو الجودة والإتقان. بمعنى أن المنتج المصري لم يكن متقن بشكل كافي، من حيث الخياطة والتشطيب، مع وجود مشاكل في الخامة عند الغسيل. كذلك قد يكون السعر عائق لأن من الصعب أن ننافس مع صناعات الصين نظرًا لأسعارها التنافسية بالنسبة للمنتج المصري.
هذا يحتاج صبرا وتقديرا من المشتري، ووعيا بتشجيع صناعات بلده. ويحتاج من المصمم أو البائع أن يكون على قدر من الذكاء يقدر أن يجذب به المصريين أن يقبلوا على شراء المنتج المصري.
اقرأ أيضا:
«التراث بين السطور».. شهادات تكشف دور الصحافة في إنقاذ المباني الأثرية
«الجلباب المصري».. رحلة «زي» عبر الحضارات من نقوش المعابد إلى بيوت اليوم
سليمة إكرام: كرسي «أميليا بيبودي» يعزز مستقبل علم المصريات في مصر





