نجيب الريحاني في نجع حمادي

قنا- نورهان دسوقي:
من كاتب حسابات بشركة السكر إلى أشهر فنان في تاريخ السينما العربية
“نجيب الريحاني” يروي في مذكراته تفاصيل أيامه في الصعيد
عارضت والدته حبه للتمثيل فتحمل مرارة الفقر من أجل الشاشة الفضية
ادخر 200 جنيه من الذهب ليجهز نفسه لمقابلة “جورج أبيض”

ولد نجيب الريحاني في 21 يناير1889م في حي باب الشعرية بالقاهرة لأب عراقي وأم مصرية. وكان والده يعمل تاجر خيول، وعندما تدهورت تجارته اكتفى “نجيب” بشهادة البكالوريا.

ثم بحث عن عمل يساعد به أسرته، فالتحق بوظيفة كاتب حسابات بشركة السكر بنجع حمادي بالصعيد، حيث كان يتقاضى أجرا يوميا بقيمة ١٦ قرشا.. ما يعادل 4 جنيهات شهريا.

مقر إقامة الريحاني قديما

شسكن الريحانى

قصة نجيب الرحاني

يقول مهندس عادل أيوب، مدير قطاعات المصانع بشركة السكر، إنه تم تعيين الموظف نجيب الريحاني بمقر الشركة في عام ١٩١٠م في عهد victor herray فيكتور هيرري، رئيس مجلس إدارة شركة السكر، الذي تولي الإدارة في الفترة من 1910 ـ 1939.. وكان عمره آنذاك 21 عاما.. وعمل بوظيفة كاتب حسابات بخزينة المصنع، مقابل ١٦ قرشا يوميا.. وأمضى بها ٧ شهور فقط ليترك العمل بعدها، مضيفا أن الريحاني كان يقيم بفندق العزاب في مستعمرة الشركة، حيث كان الأكل والشرب وأجر الغرفة التي يقيم بها على حساب المصنع.

دور السينما

ويروى عبد الصبور عبد اللاه، مسؤول نادي المستعمرة، المكان الترفيهي للموظفين ومن بينهم الريحاني، أن النادى يضم دور سينما وصالة ديسكو وبار، وجميعها على حالها منذ ذلك الحين كان يقام بها حفلات تنكرية وحفلات رقص للأجانب والفرنسيين.

دعونا نتعرف على مزيد من تفاصيل عمل الريحاني بالمصنع وفترة إقامته بنجع حمادي من خلال تلك السطور التي ذكرها في مذكراته التي نشرتها دار الهلال في الذكرى العاشرة من وفاته بعنوان “مذكرات نجيب الريحاني”.

فصل الريحاني من العمل

مذكرات الريحاني

يحكي نجيب، في مذكراته، عن تجربته القصيرة في شركة السكر.. رغم أن الوظيفة لم تكن طموحه المثالي، إلا أنها وفرت له راتبا جيدا يعينه على تكاليف الحياة.. لذلك كان يسعى بشكل جاد لإثبات كفاءته داخل الشركة.

وبالفعل أظهر نشاطا ملحوظا، ودام الحال على هذا سبعة أشهر، حتى ظهر ما عكر صفو حاله.. حيث فصل نجيب من الشركة بسبب واقعة سردها بنفسه في مذكراته بخجل واستحياء. قائلا: “كان باشكاتب الشركة رجلا مسنا اسمه (عم. ت). وكان رحمه الله على نياته. وكان مسكني مواجها لمسكنه وقد ولدت هذه الجيرة بيننا اتصالا وثيقا”.

ويستكمل الريحاني حكايته قائلا “كانت السيدة حرم العم (ت) على جانب كبير من الجمال، وكانت في سن تسمح لها بأن تكون ابنة للعم (ت) وليس زوجة له، وفي ليلة من ليالي الشهر السابع له في الشركة، اضطر الباشكاتب إلى السفر لمصر في مهمة مصلحية، فحدث أن اتفق هو وزوجة العم (ت) على ألا تغلق السيدة بابها الخارجي، حتى يستطيع المرور في منتصف الليل.

لقاء منتظر

وتم الترتيب كما اتفقا، وذهبت السيدة إلى مخدعها بعد أن تظاهرت أمام خادمتها أنها أغلقت الأبواب، لكنه لا يدري أي شيطان دفع بهذه الخادمة اللعينة إلى القيام بعد ذلك بإحكام القفل من الداخل، حتى حان موعد اللقاء فتسللت، وما أشد دهشتي حين وجدت الباب موصدا، فاتجهت إلى منفذ في السقف (منور) تدليت منه، ولكن الخادمة استيقظت في اللحظة نفسها، وظنتني لصا يسطو على المتاع، فصرخت بصوتها المنكر، واستيقظ الجيران ووفد الخبراء وألقي القبض علي، وكانت فضيحة، واكتفوا عقبها بفصلي من عملي، فعدت إلى محلي المختار في قهوة الفن بشارع عبدالعزيز”.

صالة الديسكو

لم يعد لنجيب مجال في البيت بعد فصله من شركة السكر.. لأن والدته كانت قد ضاقت به بسبب سعيه الدائم للفن وعدم استقراره في الوظائف. فأغلقت بابها دونه ليقضي 48 ساعة لم يذق خلالها للأكل طعما. لا زهدا منه ولا أسفا على شيء.. ولكن لأنه لم يجد وسيلة يكتسب بها ثمن لقمة العيش.

عودة للعمل

على أن فصل نجيب من الشركة، بسبب فضيحته مع زوجة رئيسه في العمل.. لم يمنع الشركة من إرسال خطاب إليه بعد فترة تطلب منه العودة لاستئناف عمله مرة أخرى. حيث يقول: بعد فصلي من العمل أقمت بطنطا مع إحدى الفرق الفنية.. وإذا في يوم بوالدتي تطرق الباب، وكان سبب الحضور المفاجئ لها، الذي لم أكن أتوقعه، أنه وصل خطاب لي بعنوان المنزل في القاهرة من شركة السكر بنجع حمادي تدعوني فيه للعودة لاستئناف عملي بها، فجاءت لي بالخطاب لتقنعني بالعودة وهجر التمثيل.

وربما هنا يدور سؤال: كيف تطلب شركة من موظف طرد منها بسبب فضيحة أن يعود مجددا؟

يجيب الريحاني عن هذا في مذكراته قائلا “وقع خلاف بين موظفي الشركة والعم (ت) استحكمت حلقاته، ولكنهم لم يتمكنوا منه، ولم يجدوا سببا مبررا لفصله من عمله، فهداهم تفكيرهم إلى استعمال الحيلة كي يحملوه على الاستقالة.

عودة نجيب الريحاني لعمله

وكانت الحيلة هي أن يعيدوا الريحاني إلى عمله بالشركة، وعندها يضطر العم (ت) لهجر الشركة”.

يقول الريحاني: لم أتوان بعد الاضطلاع على خطاب الشركة في جمع أشيائي والعودة سريعا للقاهرة، ومنها إلى نجع حمادي، حيث استلمت عملي وأنا اقسم أني لن أعود إلى التمثيل مهما حدث، وعن علاقاتي بعم “ت” رأى الرؤساء أنه من باب النكاية فيه أن يجعلوه تحت رياستي وأن يكون من اختصاصي مراقبة عمله، لكن العم لم ييأس ولم يتبرم من تصرفاتي، فقررت أن أحسن معاملته وصرنا أصدقاء، واتجهت لإتقان عملي حتى نلت ثقة مدير الشركة ورؤسائي فارتفع مرتبي إلى ١٤ جنيها في الشهر.

التمثيل مرة أخرى

نجيب الريحاني

يقول نجيب “ظللت قرابة العامين هانئا بعيشي وأقتصد من هذا المرتب مبلغا يزيد على مائتي جنيه، وفي عام ١٩١٢م تسلمت وأنا في نجع حمادي خطابا من الأستاذ عزيز عيد يخبرني فيه أن التمثيل ارتفع شأنه وأن الأستاذ جورج أبيض قد عاد من أوروبا وهو ينوي تأليف فرقة”.

ويضيف “بعد تلاوة الخطاب وازنت بين ما يحويه من مزخرفات ومشوقات، وبين ما أنا فيه من نعمه شاملة وراحة كاملة، وأخيرا فضلت البقاء في نجع حمادي، ولتفعل فرقة جورج أبيض بالممثلين ما تشاء، وبعد وقت بدأت أرى الصحافة تهتم بالتمثيل والجرائد تكتب عن فلان وفلان من زملائي، وكنت اقرأ هذه الأشياء وأنا في نجع حمادي فضعفت قوة المقاومة في نفسي ولم أعد أحتمل البقاء في أقاصي الصعيد، تاركا هذا العالم يفتح ذراعيه لزملائي الأقدمين، فعملت على الحصول على إجازة أقضيها في القاهرة لأرى عن كثب هذا الفن”.

آخر أيام بنجع حمادي

ويقول الريحاني “جئت إلى القاهرة بإجازة شهرين، ومعي مائتين من الجنيهات الذهبية الصفراء، وكانت كل ما ادخرته في السنوات الماضية، ورحت أشاهد تمثيل جورج أبيض وأتوسع في الإنفاق هنا وهناك، كمن ينتقم من أيام الجفاف التي أمضيتها في الصعيد، ولم تأت نهاية الإجازة إلا بعد أن أتت على آخر قرش أبيض من قروشي المدخرة للأيام السوداء، وأخيرا اقترضت أجرة القطار لنجع حمادي في الدرجة الثالثة”.

وبعد عودته بدا يراوده الحنين للفن، فأمضى أيامه بنجع حمادي على هذا الحال وبداخله صراع بين البقاء في أقاصي الصعيد وبين حلم التمثيل بالقاهرة، ولم يجد سبيلا سوى الصبر والتنفيس عن نفسه بالتمثيل والبروفات الفنية بصحبة بعض الأصدقاء.

فصله من الشركة

وفى يوم من أيام عام 1914م جاء خطاب لنجيب في مكتبه، وإذ بالمفاجأة، حيث تم فصله من الشركة مرة أخرى، دون ذكر الأسباب هذه المرة، وعندها اضطر الريحاني للرحيل من نجع حمادي وفي جيبه مبلغ 70 جنيها، راتب آخر شهر له بالشركة، ليعود إلى القاهرة ويستأنف مشواره الفني بعد أنا أمضى بالنجع قرابة 5 سنوات منذ عام 1910 إلى 1914م.

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر