«مونيكا حنا»: جميع الوثائق تؤكد أحقية مصر في استعادة «نفرتيتي»

هل يحق لمصر المطالبة برأس نفرتيتي؟ كان هذا السؤال محورا للمحاضرة التي ألقتها منذ أيام الدكتورة مونيكا حنا، عميد كلية الآثار بالأكاديمية البحرية، تحت عنوان «عودة نفرتيتي» بالتعاون مع مؤسسة مجراية للتدريب وتطوير الفنون. إذ طالبت بضغط شعبي مصري على الحكومة الألمانية في ظل وجود وثائق تاريخية تؤكد أحقية مصر في استرداد التمثال بعد تعثر المفاوضات التي تمت مع الجانب الألماني. «باب مصر» يستعرض قصة خروج رأس نفرتيتي وكذلك المعارك التي خاضتها الحكومات المصرية المتعاقبة لاستعادتها.

موازين القوى

قالت مونيكا إن الاستعمار سرق التراث الإفريقي بشكل عام. فهناك إحصائيات تقول إن التراث الإفريقي الموجود داخل القارة لا يتعدى سوى 30%. أما النسبة المتبقية فهي موزعة على متاحف العالم، كذلك فموازين القوى تختلف بشكل كبير فعلى المستوى الأكاديمي تمت سرقتنا. إذ أننا غير قادرين على الكتابة أو النشر عن تاريخنا، لأنه بنسبة 90% من الكتب المقدمة عن الحضارة المصرية القديمة تصدر من جانب دوائر غربية، لكننا كمصريين نحاول تقديم أبحاث خاصة بنا، لكن بشكل عام فموازين القوى مختلف حتى الآن.

وتحكي عن المتاحف داخل أوروبا إذ تشير إلى أنها عبارة عن سلطة ثقافية استعمارية تقوم بوظيفة إمبريالية؛ لذلك فهناك ضرورة ملحة لاسترجاع رأس نفرتيتي من أوروبا وكذلك القطع الأثرية الأخرى. إذ أن بداية الاستعمار الثقافي لمصر بدأ مع نابليون عندما دخل واصطحب علمائه. فقد كان يتخيل نفسه امتدادا للإسكندر الأكبر. لكنه أراد الإيحاء أننا مجتمع يرفض التنوير، وهذا التصور ظهر تحديدا من خلال اللوحات التي رسموها، والتي حاولوا من خلالها تقديم المواطن المصري باعتباره رجعيا يرفض أي تحديث داخل مجتمعه، وذلك لأننا رفضنا فمرة الاحتلال الفرنسي.

نفرتيتي
نفرتيتي
انتصار مزعوم!

تضيف حنا: عندما خسرت فرنسا الحرب أمام بريطانيا في معركة أبوقير البحرية، أخذت بريطانيا بعض القطع الأثرية كغنيمة حرب ومنها حجر رشيد، والذي يعرض حاليا في المتحف البريطاني. لكن بعد أن خسر نابليون الحرب حاول التغطية على هزيمته فأعلن عن كتاب وصف مصر وادعوا أنهم قد انتصروا ثقافيا، من خلال التعرف على حضارة مصر القديمة التي لم يكن يعرفوا عنها شيئا.

وحين جاء محمد عليّ إلى الحكم لم يكن مهتما بمصر، بل كان اهتماما نابعا من حبه لعائلته. فقد صدر أول قرار للحفاظ على الآثار سنة 1831، لكنه في الوقت نفسه كان يعطي للإنجليز والفرنسيين وأصدقائه ما يريدوه من آثار مصرية. فقد فعل ذلك لأنه احتاج دعم الدول الأوروبية عندما واجه السلطان العثماني.

تأزم العلاقات

وتستطرد: عندما جاء الخديوي إسماعيل بدأ عملية التطوير، لكنه في السياق ذاته اهتم بالتراث المصري. وكذلك المقربين منه مثل رفاعة الطهطاوي الذي أراد تعليم المصريين التاريخ المصري القديم. نتيجة معرفته بالولع الذي شاهده عند الغرب بهذه الحضارة. وفي سنة 1912م تم العثور على رأس نفرتيتي لكن قبل الاكتشاف بستة أشهر تم إصدار أول قانون لحماية الآثار. إذ تم العثور على التمثال بإيعاز من رئيس المعهد الألماني للدراسات الشرقية في برلين. وتم العثور على الرأس وخرجت إلى ألمانيا في نوفمبر سنة 1912، لكن بعدها بفترة تم اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون وهنا حدثت غيرة بين الألمان والإنجليز بسبب رغبة الإنجليز في نقل المقبرة.

لكن هنا حدث حراك ثقافي إبان ثورة 1919، فقد ظهرت أصوات تنادي بإلغاء قانون “القسمة” وقد طالبوا بإبقاء الآثار المكتشفة داخل مصر، لكن في هذا الوقت عرضت ألمانيا رأس نفرتيتي داخل المتحف ردا على بريطانيا التي اكتشفت مقبرة توت عنخ آمون. وهنا بدأ الصحف المصرية الكتابة عن فكرة تمرير خروج رأس نفرتيتي. وحدث رفض شديد، ودخلت مصر في مفاوضات مع ألمانيا لاستعادة الرأس مقابل تنازل مصر عن تمثالين لصالح الألمان.

وقد فشلت هذه المفاوضات في المرة الأولى بسبب هلتر. فقد اعتبرت الصحف المصرية أن مكتشف الرأس عالم المصريات لودفيج بورشاردت “حرامي”. وهنا بدأ بورشاردت يرد على هذه الاتهامات وذكر أن القطعة في محضر “القسمة” لم يتم رفض تسليمها للجانب الألماني، وقد بدأت تتأزم العلاقات في تلك الفترة.

فشل المفاوضات

تشير حنا إلى أن المصريين دائما ما اعتبروا أن رأس نفرتيتي قد “سرقت”. إذ أن القانون أثناء تلك الفترة كان يمنع حفر “الأفراد” ويسمح للجهات العلمية في عملية التنقيب. وكان بورشاردت على علم بالقوانين المصرية التي كانت تمنع التحايل على القانون. فالقانون نفسه كان ينص على أن عملية بيع القطع الأثرية هي ملك للحكومة المصرية، ويجوز لها شراء أي قطعة ترى أنها تحتاجها مقابل دفع أجرة الحفر، لكن الذي حدث أنه تحايل على القانون.

ففي أواخر العشرينات وبداية الثلاثينيات حدثت نقاشات كما ذكرت على مستوى الرأي العام، لكن على مستوى الحكومة لم يتم الضغط على الجانب الألماني بالقدر الكافي. فعندما وصل هتلر للحكم، كان الشعب الألماني وقتها، يرفض بشدة باسترجاع الرأس. وقد أرادت مصر تجنب دخول أي سجالات سياسية مع ألمانيا. إذ تركت مجال التفاوض لرجال الآثار، وفشلت المفاوضات في النهاية.

نفرتيتي وهتلر

وتحكي مونيكا عن مرحلة أخرى عاشتها مصر في رحلة المحاولة لاستعادة الرأس “عندما جاء الملك فؤاد للحكم أراد ذات مرة. وقبيل الاحتفال بعيد الجلوس على العرش أن يحتفل بعودة التمثال إلى مصر. وهنا يجب أن نلتفت إلى أن رغبته في استعادة الرأس لم يكن نابعا من إيمانه بالقضية الوطنية باعتبار أن الرأس مصرية وتمثل التراث الثقافي لمصر، بل إنه أرادها كنوع من الوجاهة السياسية واحتفالا بعيد جلوسه على عرش مصر.

ونكتشف أن الحكومة الألمانية التي كانت منقسمة لحكومتين، أحدهما في بروسيا والأخرى في الرايخ. فقد وافقت الحكومة الألمانية في بروسيا على استعادة الرأس باعتبار أن الحصول عليها كان خطئا. بينما رفضت حكومة الرايخ بقيادة هتلر عملية تسليم القطعة. فقد وافق هتلر في البداية ولكنه في النهاية رفض تسليم التمثال. وعندما زار الملك فؤاد برلين، رفضت الصحافة النازية فكرة تسليم رأس التمثال لمصر، نتيجة أنه كان يفكر في إقامة متحف ألمانيا الكبير والذي يضم داخله جميع الآثار المسروقة من الحضارات التي كان يحتلها. فقد أراد وقتها أن تكون نفرتيتي هي مركز لهذا المتحف”.

رأس نفرتيتي

وقد كتبت الصحف الفرنسية كذلك أن رأس نفرتيتي ستظل سجينة عند هتلر. لكن بدأت تظهر حركة نسوية داخل مصر تنادي بضرورة عودة الرأس مرة أخرى لأرض الوطن باعتبارها امرأة تمثل الهوية النسوية لنساء مصر. وبعد هزيمة هتلر ظهرت مطالبات حكومية من جانب مصر تطالب باستردادها. وقد خاطبت الخارجية المصرية العديد من دول العالم للضغط على ألمانيا. وقد دمر المتحف الذي كانت داخله الرأس نتيجة الحرب لكنها لم يصبها شيئا. في سنة 1946 توقفت المفاوضات فجأة، لكن ظل المثقفين داخل مصر والكتاب على استحياء يطالبون باسترداد الرأس.

تقول حنا: إن رأس نفرتيتي هي جزء من الحركة الفنية لمصر. فقد تم استدعائها كثير في الأعمال الفنية، وظهرت كذلك بعد ثورة يناير 2011 في الميادين العامة باعتبارها “رمز”، فالألمان دائما ما يزعمون أنها لو كانت موجودة داخل مصر لعانت إهمالا كبيرا لكني أراه حق يراد به باطل.

ضغط شعبي

تتطرق مونيكا حنا لقضية أخرى تخص توقف المفاوضات مع ألمانيا بعد سنة 1946. إذ ترجع الأمر إلى أن ألمانيا كانت جزءا من الصراع العربي الإسرائيلي فهي “ترجح” أنه لم يتم تقديم طلب لألمانيا لاستعادة التمثال في تلك الفترة باعتبارها طرفا في المعادلة. إذ كانت تمد الدول العربية بالسلاح “أرى أيضا أن رأس نفرتيتي يجب أن تعامل معاملة التراث اليهودي الذي كان موجود داخل ألمانيا. فجميع اليهود يستطيعون الآن استرجاع التراث اليهودي الذي يرجع لأجدادهم وهم بدورهم ينقلوه داخل إسرائيل وقتما أرادوا.

وتضيف: لدينا وثائق تؤكد موافقة حكومة ألمانيا الموجودة في بروسيا بطلب استعادة الرأس. ومن المفترض أن نرتكز على القانون الدولي، لأن خروج الرأس منذ البداية كانا خرقا للقانون المصري. وتوجد هذه الوثائق في  دار الوثائق القومية، وقد تم الاطلاع عليها بمشاركة الفريق البحثي المشارك معي، وأيضا بمساعدة من الدكتور خالد فهمي، الذي قدم لنا الدعم والمساعدة”. وتضيف: نحتاج لرأي عام مصري لاستعادة الرأس لأننا بدونه لن نستطيع استرجاعها. فالغرب يعتبر دائما أننا كمصريين لسنا مهتمين بتراثنا ولا نحافظ عليه. وبالتالي علينا أن نثبت العكس.

ومصر حتى الآن لم تتقدم بملف حقيقي لاستعادة الرأس من ألمانيا. وبدوره يجب أن يتم ضغط شعبي من قبل الشعب المصري للضغط على ألمانيا. ويجب أن يتم تقديم حوار ثقافي بين دول الشمال والجنوب”.

اقرأ أيضا

«أرشيف شبرا»: مينا إبراهيم والبحث عن المدينة القديمة

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر