دليل الفعاليات الثقافية فى مصر

الدليل - تعالى نخرج

من بين الأزرار والكُلف.. حكاية «ويصا» أقدم بائع خردوات في شارع الأفراح بالمنيا

كل يوم، ومنذ أكثر من نصف قرن، ينهض «العم ويصا» باكرًا ليذهب إلى محله الصغير لبيع «الخردوات» في شارع القماشين بالمنيا. يسير بخطى وئيدة حتى يصل إلى واجهة المحل القديمة التي تحمل اسم “بوتيك ماجد”، كما كانت منذ افتتاحها. لم تشهد أي تغيير سوى أن ألوان طلائها بهتت ولم تعد زاهية كما كانت. يدخل الرجل العجوز محله ويجلس خلف طاولة تحيط بها شرائط الكُلف الملونة والعشرات من بكرات الخيوط والأزرار مختلفة الأحجام والألوان، تحكي عن عمر طويل في عالم الخردوات.

أقدم محل خردوات في شارع الأفراح

بمجرد أن تخطو داخل المحل تشعر كأنك عبرت بوابة الزمن وعدت إلى الوراء، على الجدران صور باهتة، وعلى الأرفف كُلف وخيوط ملونة تملأ المكان. يرفع العم ويصا رأسه ويستقبلك بابتسامة ودودة. كأنك زبون يعرفه منذ زمن بعيد.

المهندس ويصا أنور، صاحب محل “ماجد” وأقدم محل لبيع الخردوات في المنطقة، عمل سابقا بشركة الكهرباء. وأحيل إلى المعاش، كما خدم ضابط احتياط في الجيش لعدة سنوات.

وعن سر تعلقه بالعمل في بيع الخردوات رغم مرور السنين، يقول: “كان هذا الشارع يضم الكثير من محلات القماش والميني فاتورة. وكان يعج بالأفراح والحفلات، حتى أطلق عليه الناس شارع الأفراح. كانت العروسة تأتى بزفة مع أقاربها لشراء الأقمشة الخاصة بفساتينها. وكذلك أقمشة تنجيد المراتب والألحفة الستان الملونة”.

ويضيف: “كانت أصوات الزغاريد تدخل بلا خجل من نوافذ البيوت لتعلن أن هناك زفة لعروس جديدة. وكان الشارع قبلة للهوانم والبشوات في الزمن الجميل. حيث كانت السيدات يترددن على المحال لشراء الأقمشة وتفصيلها عند الترزية”.

بوتيك ماجد بالمنيا.. تصوير: أسماء منتصر
بوتيك ماجد بالمنيا.. تصوير: أسماء منتصر
شراء الخردوات

يتابع العم ويصا حديثه: “كانت السيدات يأتين لشراء الخردوات -أي الإكسسوارات اللازمة للملابس- من زراير ودانتيل وخيوط مطرزة بالفضة والذهب، وحبات كريستال لامعة وزجاج ملون لفساتين السهرة الفاخرة. إضافة إلى الترتر وحبات اللولي والقيطان الذهبية”.

ويقول: “كنا نبيع جميع أنواع مستلزمات الخياطة، من خيوط الكتان والحرير والجبير، إلى الإبر والمقصات وأشرطة القياس والدبابيس. وكذلك تل التطريز والخرز وكُلف القصب والتطريز والورود والسوست وأشرطة الستان وشبك التطريز”.

“هوانم زمان” وبريق الذكريات

عن سيدات الزمن الماضي يقول العم ويصا: “كانت السيدات ينزلن من الحنطور للتسوق بكامل زينتهن. حتى اللاتي كن يرتدين الملاية اللف، كن يلبسن تحتها أجمل الفساتين والجوارب الشفافة الأنيقة، ولا ينسين الخلخال في القدم”.

ويضيف: “اكتسب السوق شهرته من الأقمشة والحرير ومستلزمات العرائس والنساء، لا سيما المقبلات على الزواج. كما كان يضم العديد من محال الذهب والفضة. هذا الشارع يحمل في طياته قصصا كثيرة نسجتها النساء وخطها التجار. ولا يزال حتى اليوم مزارا لا تغيب عنه الذكريات”.

الطابع الشعبي

عن أنواع البضائع قديما وحديثا يقول ويصا: “تغيرت أنواع البضائع، فلم تعد كما كانت. بينما اختفت المناديل الحريرية المطرزة بالترتر. أما ما لم يتغير فهو الملابس النسائية والحقائب الجلدية والعطور والزيوت الطبيعية التي ما زالت تجد زبائنها”.

ويشير إلى أن السوق، رغم طابعه الشعبي منذ نشأته وحتى الآن، ما زال مفضلا لدى السيدات من مختلف الطبقات الاجتماعية. خصوصا المتوسطة والفقيرة، لشراء مستلزمات العرائس والمفروشات وأدوات المطبخ بأسعار مناسبة.

ويصا أنور صاحب محل خردوات بالمنيا.. تصوير: أسماء منتصر
ويصا أنور صاحب محل خردوات بالمنيا.. تصوير: أسماء منتصر
توارث الأجيال

يقول العم ويصا: “الكثير من المحال في هذا الشارع لم تغير نشاطها وما زالت كما هي، وتوارثتها الأجيال. والأحفاد الذين يدبرونها الآن يعرفون الزبائن وعائلاتهم جيدا. علشان كده تلاقي الروح في الشارع مختلفة عن أي سوق تاني”.

ويضيف: “تجار السوق يسعون دائما لمتابعة أحدث الصيحات في كل شيء. وهناك محال ملابس تشتري من تجار الأقمشة والإكسسوارات لتصميم منتجات جديدة وبيعها في صورتها النهائية”.

تغير ملامح السوق

يتابع العم ويصا: “كان السوق في الماضي يشتهر بتجارة الأقمشة والعطارة فقط. ثم ظهرت أنشطة جديدة مثل بيع المشغولات الذهبية، ومنها نشأت سوق الصاغة. واليوم يضم الشارع محال لبيع الملابس والإكسسوارات وأدوات التجميل بالجملة. بالإضافة إلى مهن جديدة كالتطريز والطباعة على الملابس”.

ويضيف بأسف: “اندثرت بعض المهن مثل صناعة الطرابيش وكيها، التي كانت من أهم رموز الزي المصري. كما اختفى كثير من الترزية الحريمي والرجالي، وحلت محلهم محلات الملابس الجاهزة”.

 تجارة الكُلف والخردوات

يختتم العم ويصا حديثه قائلا: “زمان كان الشغل هادي ومليان فن وإتقان، والموردين كانوا بييجوا يعرضوا منتجاتهم بأنفسهم. وكان كل شيء متقن ومتنوع. دلوقتي معظم البضاعة صينية، وكل تاجر بقى يستورد لحسابة عشان الأرخص”.

ويضيف: “حتى نوعية الزبائن تغيرت أيضا، واختلف الوضع تماما. فالمعروضات اليوم معظمها من الصين، حتى الإكسسوارات. لم نعد نملك القدرة على المواكبة، بعد أن أصبح كل تاجر يستورد بنفسه بحثا عن الأرخص سعرا”.

ويكمل: “تغيرت كذلك اهتمامات الزبائن، واختفت مستلزمات الخياطة والتطريز وأدوات التجميل القديمة. لم نعد نبيع المكاحل، ولاحُلي مناديل الرأس المطرزة بالترتر، ولا خرج النجف. ولا إكسسوارات الملايات اللف، أو البراقع والمنديل واليشمك، أو خيوط الطاقية الشبيكة ورز الطرابيش. وغيرها من العناصر التي كانت تمثل خطوط الموضة قديما”.

يبتسم العم ويصا وهو ينظر حوله كمن يتفقد عمره المعلق على الجدران. وبصوت يمتزج فيه الحنين بالرضا يقول: “هنا قضيت عمري بين الخيوط والأزرار. المحل دا مش شغل وبس، دا بيتي الثاني وذكرياتي كلها. هنا كل حاجة ليها روح، وهفضل فيه لحد آخر يوم في حياتي”.

اقرأ أيضا:

«بحيرة البهنسا» الغامضة.. ظاهرة طبيعية أم خطر خفي؟

حسن ونعيمة وألمظ وعبده أفندي: «المنيا» تُحيي «المولد» بعرائس الحكايات الشعبية

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.