دليل الفعاليات الثقافية فى مصر

الدليل - تعالى نخرج

من الكورونا والحرائق إلى السقوط من فوق ونش: الموت في موقع تصوير!

هذه الثواني الفاصلة بين تعثر مديري التصوير ماجد هلال وكيرلس صلاح من فوق رافعة الونش، وحتى ارتطامهما بالأرض، تقول كل شيء عن ظروف العمل في الوسط الفني (وكثير من المجالات الأخرى) في مصر.

هذه اللحظات التي يتوقف فيها وعندها الزمن، حيث يستبدل الضحك بالألم، والحياة بالموت، ويمر شريط العمر أمام المرء، كاشفاً عن الخواء، وعن هشاشة العيش في تلك الأوضاع السيئة.

ما أصعب أن يموت المرء عبثا، في عز الشباب، لأن شروط عمله (أو بالأحرى عدم وجود شروط) اقتضت منه أن يتأرجح فوق سقالة مبنى قيد الإنشاء دون حماية كافية، أو يركب ونشا في موقع تصوير لأن الشركة المنتجة، والشركة المعلنة، قررتا توفير قيمة إيجار رافعة (“كرين”) مخصصة لهذا النوع من العمل.

***

يضطر المرء في مصر إلى العمل في أسوأ الأحوال، لأسباب أولها بالطبع الحاجة إلى المال، ولكن أيضا بسبب القبول العام لهذه الأحوال، مع عدم وجود نقابات أو مؤسسات رقابية تحمي العاملين أو تدافع عن حقوقهم. ويكفي أن نقول إن الحيوان الذي يساء معاملته في أحد الأفلام، في معظم بلاد العالم، يجد من يتصدى لحمايته وتغريم وربما سجن أصحاب الفيلم.

أما في مصر، فلا قوانين ولا قواعد تحدد ساعات العمل أو الحد الأدنى للأجور، وبالطبع لا وجود لما يسمى بقواعد الحماية المدنية أو التأمين على العاملين. وفي كل الأحوال، هناك عقود مطاطة تسمح بالتلاعب في كل البنود من أول دفعات تسديد المستحقات وحتى ساعات العمل الإضافية.

ولعل القارئ يذكر حادث الحريق الهائل الذي شب في أحد استوديوهات الهرم العام الماضي، في غياب الحماية المدنية الكافية، وكاد يتسبب في وفاة الكثيرين بجانب الخسائر المادية التي تسبب فيها. وكانت النتيجة أن وزارة الداخلية زادت من تضييقها على رسوم وتصاريح وشروط الحماية المدنية في مواقع التصوير.

ومع ذلك، لم تنفع هذه الشروط في حادث سقوط المصورين، لأن شروط الحماية المدنية تركز على الحرائق والكوارث الطبيعية، وليس على التفاصيل التقنية الخاصة بحماية وتأمين المهن المختلفة.

***

وبجانب السقوط من فوق “ونش”، فشبح الحوادث اليومية يخيم على معظم أماكن التصوير، وغالبا لا يوجد حماية، ولا تأمين. وفوق ذلك، فأماكن التصوير نفسها قد لا تكون صالحة للعمل، وقد تكون سيئة التهوية وغير صحية، أو تخلو من دورات مياه، ولعل القارئ يذكر أيام وباء الكوفيد وإصابة العشرات من الفنانين بالمرض بسبب عدم توفر الشروط الآمنة، ومنهم الراحلان سمير غانم ودلال عبد العزيز.

وبالطبع لا يوجد ساعات عمل محددة، ما يسبب ضغوطاً صحية ونفسية هائلة على العاملين، حتى وإن كان معظمهم لا يشكو وسعيد فرحان لأنه يعمل ويكسب تحت أسوأ الظروف!

منذ حوالي عام تقريبا، أصدرت الشركة المتحدة، مشكورة، لائحة للأجور أسوة بما يعمل به في العالم، وهي لائحة بدائية كانت تحتاج إلى ترحيب واحتضان وصقل وتجويد وملء للثغرات، ولكنها ووجهت برفض واعتراض وتهكم، ولست أعرف إذا ما كان لا يزال معمولاً بها، أم عادت إلى الأدراج مأسوف عليها.

***

المطلوب، بجانب لائحة الأجور وضع قوانين عمل ولوائح بمشاركة النقابات الفنية وغرفة صناعة السينما وشركات الإنتاج والتوزيع ودور العرض، تصبح بمثابة قانون يطبق على الجميع دون استثناءات ودون تساهل وتواكل أو تلاعب لصالح الأقوياء على حساب الضعفاء.

حال النقابات الفنية، كغيرها من النقابات، مزرٍ، وغرفة صناعة السينما غارقة في صراعات فردية تضر بالجميع والمهنة كلها، وأصحاب الشركات كل يفكر في الأمور من زاوية مصلحته الشخصية.

أما الأفراد، من أول الممثلين (باستثناء العدد المحدود من النجوم الذين يفرضون طلباتهم وشروطهم على الجميع) وحتى المجاميع والعمال باليومية، مروراً بكتاب السيناريو ومديرين التصوير والمونتيرين.. إلى آخره.. فهؤلاء مضطرون إلى قبول الظروف السيئة لأنها لصيقة لصقة التوأم السيامي بالحصول على العمل. وسواء كان الشخص من الذين يحصلون على مئات الآلاف أو الذين يحصلون على جنيهات معدودة يومياً، يجد نفسه مضطرا، بل راضيا، وسعيدا، بالعمل، حتى لو استدعى منه التحليق في الهواء على ارتفاع عشرات الأمتار دون حماية تذكر!

***

منذ أيام، وأثناء وجودي في مهرجان “الجونة”، كنت أتحدث إلى صديق عن نيتي لكتابة سلسلة مقالات عن ظروف العمل في الوسط الفني في مصر، حيث يتعرض المرء لكل أنواع السرقة والخداع والنصب والاحتيال.. بداية من المؤلف ووصولا إلى المنتج نفسه أحيانا. ومعظم هذه الجرائم في حق بعضهم تنتج عن شيء واحد هو عدم وجود عقود وتعاقدات قانونية سليمة ونظيفة بين العاملين في الوسط الفني.

وجاء حادث مصرع المصورين ماجد هلال وكيرلس صلاح كخبطة على الرأس، بقدر ما هي صادمة، بقدر ما تكشف عن حقيقة أوضاع يعلم بها، ويقبلها، معظم العاملين في الوسط الفني.

وللحديث شجون!

اقرأ أيضا:

الفيلم الفائز بنجمة «الجونة» الذهبية: «شاعر» ضد الشعر وسينما ترفض السينما!

عن أفضل أفلام مهرجان «الجونة»: الكابوس الأمريكي كما تنبأ به أورويل وجسده ترامب!

الفيلم المصري في الأوسكار.. «الشوشرة» مستمرة!

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.