دليل الفعاليات الثقافية فى مصر

الدليل - تعالى نخرج

من الغناء إلى الصمت.. كيف تغيّرت طقوس جني القطن في حقول أسيوط؟

القطن أو «الذهب الأبيض»، ليس مجرد محصول زراعي، بل جزء من ذاكرة الريف المصري ومصدر رزق وفرح للفلاحين، ورغم تغير الزمن ما زال يحتفظ بمكانته الاقتصادية والاجتماعية. وتُعد محافظة أسيوط واحدة من أبرز المحافظات التي تشتهر بزراعته، حيث وصلت مساحاته هذا العام إلى أكثر من 3 آلاف فدان، ليظل موسم جنيه حدثا ينتظره الفلاحون كل عام بما يحمله من خير وذكريات.

موسم جني بدون أغاني  

ارتبط موسم جني القطن في الذاكرة الجمعية للفلاح بالعديد من الأغاني الشعبية التي كانت تردد خلال عملية الجمع. ولا تزال الذاكرة العامة تحتفظ بالأغاني التي خلدتها السينما المصرية. ومن أشهرها أغنية المنولوجست عمر الجيزاوي في فيلم “خضرة والسندباد القبلي”، الذي عرض في ديسمبر 1951. وفيها صور الشاعر فتحي قورة فرحة المصريين بجني القطن بكلمات بسيطة: “يا قطن سبحان من صور، يا أبيض وناعم ومنور، زرعة إيدينا يا قطن مصر، يا نور عينينا يا قطن مصر”.

وكانت الحقول منذ سنوات مضت تعج بالغناء الشعبي الذي يصف الفرحة بالقطن. ويعدد ما سيتم إنجازه بعد انتهاء موسم الجني. حيث كانت الفتيات والنساء المشاركات في جمع المحصول هن من يتولين الغناء. أما اليوم، فقد بات من النادر أن تسمع أغنية واحدة خلال عملية الجمع. إذ لم تعد الأجيال الجديدة تحفظ شيئا من تلك الأغاني، واقتصر الفرح على روح التنافس في إنجاز عملية الجني بسرعة.

موسم الخير 

“القطن كله خير زي لونه الأبيض”، بهذه الكلمات عبر المزارع محروس محمد عن فرحته بجني محصول هذا العام، خاصة بعد نجاحه في الوصول بإنتاجية الفدان إلي 10 قناطير. ويؤكد أن موسم جني القطن يعود بالخير على الفلاحين، باعتباره ثمرة جهدهم المبذول طوال عدة أشهر. لكونه من الزراعات التي تحتاج إلى رعاية واهتمام كبيرين.

ويضيف أن الكثير من بيوت الفلاحين كانت تقام بها الأفراح لزفاف الأبناء عقب انتهاء الموسم. كما كانت أعمال استكمال بناء المنازل تتم في هذا الوقت. بالإضافة إلى أن معظم احتياجات البيت الأساسية كانت تلبى بما يدره موسم القطن من عائد مالي.

مهارة في الجني

يقول أحد المزارعين إن جني لوزات القطن المتفتحة يحتاج إلى مهارة خاصة لدى العاملين. إذ يجب جمع كل كمية القطن المتدلية من اللوزة وعدم ترك أي بقايا. وتتم عملية الجني يدويا بشكل كامل، دون استخدام آلات أو معدات. حيث يجمع القطن في أجولة صغيرة يضعها الشخص أمامه أو على ظهره.

وبعد امتلاء الأجولة الصغيرة، تُفرغ في مكان مخصص، ليبدأ الجميع في عملية “الكبس” داخل أجولة كبيرة مصنوعة من الجوت. وتغمر السعادة الفلاحين كلما زاد عدد الأجولة الممتلئة. وغالبا ما يقوم بعضهم بوزن الأجولة في الحقل قبل بيع المحصول للتجار أو توريده إلى شون الجمعيات الزراعية. تمهيدا لنقله إلى شركات الغزل والنسيج.

ذكريات جني القطن 

يستعيد محمد عبدالله، 45 عاما، مدرس، ذكرياته قائلا: “ما زلت أتذكر الكثير من التفاصيل الصغيرة المرتبطة بهذا الموسم. فقد كنت ماهرًا في جمع القطن، وكنت أشعر بقمة سعادتي حينما يثني علي الخولي. وهو الشخص المسؤول عن تنظيم عملية الجمع للأطفال والفتيات”.

ويشير عبدالله إلى أن الدراسة كانت تؤجل أحيانا حتى انتهاء موسم الجني. بل كان يمنح الطلاب إجازة في بعض المحافظات نظرا لاتساع المساحات المزروعة بالقطن آنذاك.

مكاسب للجميع

يضيف عبدالله أن موسم جني القطن كان مصدر خير لكل من شارك فيه، فصاحب المحصول كان يحقق أكبر المكاسب. بينما يحصل “الجمال”- الذي ينقل الأجولة على جماله- على مقابل أقل. حتى الأطفال من تلاميذ المرحلة الابتدائية كانوا يجنون بعض الجنيهات القليلة من جمع ما تبقى في اللوزات. ويبيعونه للتجار الصغار أو لأصحاب محال الغلال.

محالج الغزل

يقول عبدالرازق أحمد، بالمعاش: “تتميز محافظة أسيوط بوجود عدد من المحالج التاريخية الضخمة، أبرزها محلج أبوتيج بمبانيه التاريخية الكبرى المطلة على النيل. فضلا عن محالج مصر أبوتيج، مصر ديروط، والعربية أبوتيج. وكانت هذه المحالج تعج بالحركة والنشاط طوال العام. وكان للعاملين بها ذكريات مهمة تحكي جزءا من تاريخ الصناعة المرتبطة بالقطن أسيوط، قبل أن تغلق”.

زراعات القطن بأسيوط.. تصوير: حسن فتحي
زراعات القطن بأسيوط.. تصوير: حسن فتحي
المساحات المزروعة بالقطن 

قال اللواء د.هشام أبوالنصر، محافظ أسيوط- في تصريحات صحفية- إن المحافظة تضم مركزين لتجميع الأقطان: الأول بقرية موشا (قطن الإكثار)، والثاني بمحلج أبوتيج (التجاري). وأضاف أن إجمالي المساحات المزروعة هذا الموسم بلغ نحو 3214 فدانًا، منها 1653 فدانًا للإكثار و1561 فدانًا تجاريًا موزعة على مختلف مراكز المحافظة.

وأكد أنه تم توجيه جميع القائمين على مراكز التجميع بضرورة تذليل العقبات أمام المزارعين. والتواصل المستمر مع مديرية الزراعة وغرفة عمليات المحافظة. بما يضمن سلاسة عملية التوريد وراحة الفلاحين.

خطوات جادة

شدد المحافظ على أن الحكومة تعمل بخطوات جادة لإعادة القطن إلى مكانته التاريخية. من خلال التوسع في مصانع الغزل والنسيج، وزيادة مراكز التجميع وحلقات التسويق لضمان عائد عادل ومجزي للفلاح. كما أوضح أن المحافظة توفر منذ بداية الموسم البذور والأسمدة والإرشاد الزراعي. ضمن رؤية الدولة الهادفة لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل فاتورة الاستيراد. مع اعتماد أحدث الأساليب العلمية في الزراعة.

اقرأ أيضا:

«عرائس السمسم» تزين الحقول.. موسم الحصاد من التجفيف إلى التنفيض

موسم الرمان في أسيوط.. خلية نحل بين الزراعة والتصدير

كيف احتفلت أسيوط بعيدها القومي؟

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.