من الأدب الفرعوني| كيف انتقمت العقارب السبع لـ«إيزيس»؟

يورد دون ناردو في كتابه “الأساطير المصرية”، قصة الربة إيزيس والعقارب السبعة؛ وهي إحدى قصص فصول ملحمة الصراع بين حورس وست، الذي بدأ بمقتل الإله أوزوريس على يد أخيه ست وانتهى باستعادة حورس لعرش أبيه، وبحسب ناردو لعبت الإلهة إيزيس دورا محوريا في الصراع، فبعد أن وضعت طفلها الوحيد، كان عليها أن تفر من بطش ست، الذي كان يسعى لقتل حورس ليقطع نسل أوزوريس تماما ويستقر الأمر له لحكم البلاد.
ويقول ناردو إن القصة وردت في لوحة ميترنك، التي اكتشفت بالإسكندرية عام 1828، وشخصياتها الرئيسية هي: إيزيس والإله تحوت “إله الحكمة”، والعقارب السبعة، وامرأتان مصريتان.
خذي حذرك
بدموع منهمرة وهي تعمل على تكفين جسد زوجها المقتول، وبينما كان الرضيع حورس يرقد في مهده، لا يعلم أن أباه قد ترك عالم الأحياء واختار دنيا الأموات ليحكمها بعد أن تعرض لظلم بالغ من شقيقه ست، نظرت الأم تجاه الرضيع وكلها أسى من مصيره المجهول، وفي نفس الوقت لا تعرف هل سيشب يوما ليثأر من مقتل والده أم أنه سيلحق أباه؟ في خضم تلك المشاعر المتصارعة، يحضر إليها الإله تحوت ليهمس في أذنها: “خذي حذرك يا إيزيس، ست يبحث عنك وعن ولدك، وأخشى أنه ينوي قتلكما معا”.
اذهبي هناك
“لابد أن أحمي أبني، مهما كلفني ذلك”.. هكذا ردت إيزيس على تحذير تحوت لها، ولكنها عادت وشعرت بالخوف والقلق متسائلة: “ولكن أين أفر بأبني؟ فست يعرف كل حجر وكل كهف وكل شجرة، ومن المؤكد أنه سيجدنا”، ويطمئنها الإله تحوت قائلا: “لا تيأسي، وأشار عليها أنه هناك مستنقعات في أقصى شمال البلاد لا يعلم ست عنها شيئا”، مردفًا: “اذهبي هناك، ربي حورس جيدا، وعندما يبلغ أشده، يستطيع أن يرجع ليثأر لأوزيس ويأخذ العرش من ست”.
سبع عقارب
استجابت إيزيس لنصائح تحوت وقررت أن تتوجه إلى أحراش الدلتا في أقصى الشمال، وزيادة في حمايتها هي وولدها خصص لها الإله تحوت سبعة عقارب ضخمة، لكي يصحبوها في رحلتها الشاقة والخطيرة ويضمنوا سلامتها هي وولدها، وكان يمشي أمام إيزيس ثلاثة عقارب هم: “بتيت وتتيت ومانتيت”، على الجانبين “مستيت ومستتيف”، وفي الخلف “تيفن وبيفن”، مضت الرحلة بهم بسلام دون مواجهة أي خطر من ست أو غيره، لتصل إيزيس إلى وجهتها في أحراش الدلتا، وعثرت على مكان آمن تختبئ فيه هي وأبنها، بحسب وصية الإله تحوت.
امرأة وفتاة
خرجت إيزيس بحثا عن الطعام، تتجول في القرية، توقفت أمام منزل يبدو عليه الثراء أملا في أن يستضيفها أصحاب المنزل، خرجت صاحبة المنزل في ردائها الفخم، ولكن بمجرد أن وقعت عيناها على العقارب أغلقت باب منزلها في وجه الضيوف، حملت إيزيس أبنها في بؤس عائدة إلى المستنقعات وقد أجهدها السير لمئات الأميال واستبد بها الجوع والعطش، لتفاجأ بابنة الصياد، والتي اقتربت منها في حذر ترقب العقارب وبالرغم من أنها لم تعرف أن هذه الأم هي الربة إيزيس إلا أنها أدركت أنها خاضت رحلة صعبة وتحتاج إلى الطعام والراحة، فقالت لها: “لا أستطيع المساعدة، ولكن ألاحظ على وجهك الجوع والتعب، فلتأتي معي إلى بيتي لأعطيك بعض الطعام لك ولولدك”، وفي داخل كوخ من حجرة واحدة قدمت الفتاة كل ما لديها من طعام للأم وأبنها.
انتقام
في الوقت الذي كانت تنعم فيه الربة إيزيس بقليل من الطعام والراحة في كوخ الفتاة، كانت العقارب السبعة تستشيط غضبا من جحود ووقاحة المرأة الثرية التي رفضت تقديم العون للأم وطفلها، وقررت العقارب أن تلقن المرأة الثرية درسا قاسيا، رفع العقرب تيفن ذراعه اللاذع وأفرغت الستة عقارب الأخرى سمهم فيه، ليحمل تيفن سم السبع عقارب معا، ويتجه إلى غرفة نوم ابن السيدة الثرية ويلدغه، هرعت المرأة إلى غرفة نوم أبنها بعدما سمعت صرخته لتجده منتفخ الجسد ومحموم وعلى وشك الموت، حملت طفلها وجابت به أبواب القرية كلها طالبة النجدة له، ولكن أوصدت جميع الأبواب في وجهها خوفا من انتقام العقارب، فقد علم جميع سكان القرية بما فعلت المرأة مع إيزيس، وكيف انتقمت منها العقارب، أدركت الأم أن لن يساعدها أحد فاحتضنت أبنها وجلست تبكي.
رحمة إيزيس
علمت إيزيس بما حدث لابن المرأة، وبالرغم من موقفها السابق معها ومع أبنها إلا أنها لم تتحمل أن تترك طفلا يعاني ويموت بالسم، فذهبت إلى المرأة وعرفتها بنفسها وأخبرتها أنها ستعالج ابنها من سم العقارب، حملت إيزيس الطفل وبدأت تتلو تعاويذ سحرية معينة وراحت تذكر كل عقرب باسمه لتوقف فعل السم في جسد الطفل، وأثناء ذلك عم السكون والذهول كل أرجاء القرية، إذ كان الأهالي يتابعون من وراء الأبواب ما يحدث في الخارج، وبعد لحظات بدأ الطفل يستعيد وعيه وقد انقشعت من على وجهه سحابة الشحوب وأفاق وتعرف على والدته، لتحتضنه أمه وكلها شكر وعرفان للربة إيزيس.
درس
استوعبت المرأة الثرية الدرس وأدركت أن شكر الربة إيزيس ليس كافيا، فرجعت إلى منزلها وجمعت جزءا كبيرا من مجوهراتها وأموالها وذهبت بها إلى ابنة الصياد ووهبتها لها كمكافأة لها، لأنها ساعدت إيزيس أولا، فقد أدركت المرأة الثرية أن قيمة المرء ليست فيما يملكه بل فيما يقدمه للآخرين، وأنه لو لم تساعد ابنة الصياد إيزيس ما كانت إيزيس أنقذت أبنها من الموت، أما ابنة الصياد فقد نالت جائزتها بأن عاشت في رخاء مادي لم تعرفه من قبل، بعد أن قدمت كل ما تملك للربة إيزيس.
تعليق
يوضح ناردو أن القصة تحتوي على قيم أخلاقية رفيعة  تحث على كرم الضيافة وإغاثة الملهوف، كما أن القصة تؤكد أن جزاء الإحسان هو الإحسان؛ وتمثل ذلك في موقف ابنة الصياد، والتي جادت بكل ما تملك لامرأة لم تعرفها وكان جزائها أن أصبحت ثرية، كما يشير ناردو إلى رمزية الرقم سبعة، وهو عدد العقارب الموكلة بحماية إيزيس وابنها، والذي كان رقما ذو قوى روحية مؤثرة، وقد استعمل في الإشارة إلى الحاتحورات السبع المكلفين بتقرير مصير المواليد.
ويلمح ناردو إلى أن القصة أبرزت دور الربة إيزيس كأم حامية لابنها؛ حين تكبدت المشاق لتهرب بعيدا عن ست وأبرزتها كربة للسحر والشفاء حين عالجت الطفل من سم العقارب.
هوامش
– الأساطير المصرية القديمة (بي دي أف) – تأليف دون ناردو – ترجمة: أحمد السرساوي – المشروع القومي للترجمة – الطبعة الأولى 2011 – من ص 55 إلى 65.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر