من أين جاء المصريون؟ قراءة في الجغرافيا والجينوم وأصل الهوية المصرية
«من أين جاء المصريون؟».. في كل مرة يُطرَح فيها هذا السؤال يتجدد الجدل حول كيفية تشكل الهوية المصرية، وتبرز آراء متعددة ومتباينة بين علم الجينات والأنثروبولوجيا، والروايات الشعبية، والقراءات الاستعمارية، والأسطورة والعلم. إذ تعد الهجرة والتفاعل الثقافي من السمات الأساسية التي أثرت في ملامح الهوية المصرية، لكن هل تركت هذه الهجرات التاريخية بصمة في التركيبة السكانية؟ وهل كان تأثيرها الثقافي أكبر من تأثيرها الجيني؟ كلها تساؤلات تتعلق بأصل المصريين ومحاولات فهم الهوية الثقافية لمصر.
الهوية المصرية
في البداية تشرح الدكتورة هبة عبدالجواد، باحثة الآثار والمشرف الأول على قسم الأنثروبولوجيا بمتحف وحدائق هورنيمان البريطانية، كيفية تعريف الهوية المصرية في منظور علم الأنثروبولوجيا. وما إذا كانت ثابتة أم متغيرة عبر الزمن.
وتقول لـ«باب مصر»: “الهوية المصرية تتشابه مع أي هوية أخرى. فجميع الهويات، من منظور علم الأنثروبولوجيا، تتحدد من خلال التجربة الشخصية للمجتمعات وتفاعلها مع البيئة الاجتماعية والسياسية والثقافية المحيطة، في إطار جغرافي محدد. ومع ما يطرأ عليها من اختلافات مع مرور الوقت، وبالتالي فهي ليست ثابتة”.
الارتباط بالبيئة الجغرافية
لكن إلى أي مدى أسهمت البيئة الجغرافية لنهر النيل في تشكيل الهوية الثقافية للمصريين؟ و كيف تفسر الأنثروبولوجيا استمرار بعض السمات الثقافية القديمة حتى اليوم في المجتمع المصري؟
تجيب الدكتورة هبة من خلال شرح نظرية المجتمعات، التي يكون الرابط الأساسي بينها وبين بعضها هو الأرض، وهي رابطة ثابتة في مصر القديمة.
وتوضح: “لأن العامل الأساسي في التأثير على شخصية مصر الجغرافية، أو المجتمع، أو الهوية، هو الجغرافيا الخاصة بها. والتي تأثرت بالهجرة وتواترها مع مجتمعات أخرى. وهو ما شرحه الدكتور جمال حمدان في موسوعته الشهيرة (شخصية مصر)”.
ويفسر علم الأنثروبولوجيا هذه النظرية من خلال فكرة مفادها أنه لم يحدث تبديل للسكان. بمعنى أن السكان لم يختفوا ليُستبدلوا بآخرين، فالسكان موجودون في مصر منذ أوائل الحضارة. وقد طرأت عليهم تغيرات وتفاعلوا مع مجتمعات أخرى، لكن لم يتم استبدال السكان الأصليين، وظلت الرواسخ كما هي. ولهذا فإن السمات الثقافية القديمة ما زالت موجودة، على حد قولها.
وتضيف أستاذة الأنثروبولوجيا: “أغلب الثقافة ترتبط بالبيئة الجغرافية، وفي حالة مصر فإن طبيعة المكان مرتبطة ارتباطا وثيقا بالبيئة الجغرافية. وهو ما أثر بشكل كبير في توارث واستمرار السمات الثقافية. وهذا الأمر مرتبط بالأرض والمكان من الناحية الجغرافية والثقافية، وليس الأشخاص”.
منشأ المصريين الأوائل
لكن هل توجد فرضيات علمية رئيسية حول منشأ المصريين الأوائل؟ توضح الدكتورة هبة: “المنشأ إفريقي، وهو المكان الذي وجد فيه المصريون، فالمصريون لم يكونوا في مكان آخر ثم وفدوا إلى مصر. ولا توجد فرضيات علمية حول منشأ المصريين الأوائل سوى أنهم نشأوا في مصر”.
وتشير إلى أن فكرة منشأ الناس عموما ترجع إلى إفريقيا، قائلة: “السبب في هذه النظرية هي تأريخ أقدم بقايا آدمية إلى ملايين السنين. وقد تم اكتشافها في تنزانيا بإفريقيا”.
وبناءً على هذا الأساس، تدعي بعض النظريات أن أصل البشرية يعود إلى تنزانيا أو إفريقيا عموما. نظرا للعثور على بقايا الإنسان الأول هناك.
من أين جاء المصريون؟
لكن هناك ادعاءات تفيد بأن المصريين قدموا من الجزيرة العربية، أو شمال إفريقيا، أو وادي النيل الجنوبي والحبشة. فما الأدلة الأنثروبولوجية التي تدعم شعب “محلي” تطور في وادي النيل؟
تجيب أستاذة الانثروبولجيا قائلة لـ«باب مصر»: “لا يوجد دليل واحد يؤكد حدوث أي تغيير في السكان المصريين عبر التاريخ. وكل ما يقال عن قدوم المصريين من الجزيرة العربية أو من مناطق في شمال إفريقيا أو من وادي النيل الجنوبي أو من الحبشة لا يستند إلى حقائق ثابتة”.
وتضيف: “مصر أساسها جغرافي، فهي تقع في نقطة تطل على الجزيرة العربية من جهة آسيا. وعلى البحر المتوسط وشمال إفريقيا، ومن الجنوب على وادي النيل الجنوبي والحبشة. ولهذا حملت ملامح من هذه المناطق منذ عصور ما قبل التاريخ. وكانت تلك المناطق نفسها لا تحمل الأسماء الحالية. ولذلك يصعب ربط المصريين بجهة محددة خارج أرضهم. فالمصريون نشأوا في مصر، وحدودها الجغرافية الأساسية لم تشهد تغيرا كبيرا منذ ما قبل التاريخ وحتى اليوم”.
وتستشهد بالأدلة الأنثروبولوجية والأثرية، ومن بينها الوثائق القديمة منذ بدايات المصريين القدماء. وصولا إلى فترات العصور الوسطى والخلافة الإسلامية والعثمانية، قائلة: “كلها لا تشير إلى أي تبدل في التركيبة السكانية. كما أن التعداد السكاني كان معروفا منذ مصر القديمة. واستمرت الثقافات المحلية في الظهور دون حدوث تحول مفاجئ”.
الدراسات الجينية
تخصصت الدراسات الجينية أو الوراثية في تصنيف البشر، فهل أظهرت هذه الدراسات الجينية فروقا بين قدماء المصريين والمصريين الحاليين؟ وما مدى الاعتماد على الدراسات الجينية في تفسير التاريخ السكاني للمصريين؟
توضح الدكتورة هبة عبدالجواد أن دراسة العرق أو الجنس، وتقسيم البشر إلى أعراق بهذا الشكل العنصري، تعود إلى التفكير الاستعماري خلال أوقات الاستعمار. حيث استخدمها المُستعمِر لرسم حدود بين الأشخاص اعتمادا على ميزات شكلية معينة، بهدف تمييز “الجنس الأبيض”.
وتتابع: “اعتمدوا على بعض القياسات مثل حجم الجماجم وغيرها. وهي ذات رواسخ استعمارية لسنا بحاجة إليها كمصريين. ولسنا بحاجة إلى التشكيك في مصريتنا. خاصة أن الدراسات الجينية لم تثبت وجود فروق واضحة بين المصريين القدماء والمصريين الحاليين”.
وتردف: “حين نقول إن لنا أصولا إفريقية أو آسيوية. فهذا ليس للتشكيك في مصريتنا، بل بسبب جغرافيا المكان، فمن الطبيعي أن تكون لنا امتدادات إفريقية أو آسيوية، وهو أمر يرتبط بجغرافيا مصر”.
تأثير الهجرات التاريخية
على صعيد آخر، شهدت مصر العديد من الهجرات التاريخية (الهكسوس، الليبيون، الفرس، اليونان، العرب)، فهل كان لها تأثير على التركيبة السكانية؟
«الهجرات أثرت في مصر مثلما تحدث الهجرات في أي مكان بالعالم»، هكذا أجابت الدكتورة هبة عبدالجواد، لافتة إلى تأثير هؤلاء الوافدين في الحضارة المصرية ببعض المدخلات. وتأثرهم هم أيضا بها، مثل أساليب الفن، وبعض الأكلات، وتربية الحيوانات. فضلا عن التزاوج الذي نتج عنه تعدد ثقافي. ومع ذلك، ظل من استقر في مصر جيلا بعد جيل مصريا.
وتضيف: “البطالمة مثلا كانوا في أصلهم يونانيين، لكنهم بعد تأسيس الأسرة الحاكمة عاشوا في مصر سنوات طويلة، وولد معظمهم فيها. ومع مرور الزمن صاروا جزءا من النسيج المصري، رغم أن جذورهم ترجع إلى مقدونيا. لكن حياتهم انتمت لمصر، وكليوباترا مثال واضح. فربما لم يولد جدها بطليموس الأول في مصر، لكنها وعائلتها عاشوا فيها منذ أجيال طويلة”.
مصر والتعدد
ترى عبدالجواد أن هذا التنوع هو ما يميز مصر وجعل هويتها قائمة على التعدد، فمصر، عبر تاريخها الطويل، تشكلت بثقافات مختلفة سبقت التاريخ ذاته. كما أن جغرافيتها أتاحت الحركة والهجرة من أكثر من جهة، وبهذا ظلت مصر متنوعة ثقافيا على مر التاريخ.
وتؤكد على أن الهوية المصرية واحدة، لكنها تقوم على أساس من الغنى الحضاري والتنوع الثقافي. وبذلك يكون ما نسميه “مصريا” هو في جوهره نتاج تعدد وتفاعل تاريخي طويل.
ارتباط الإنسان بالأرض
هل يمكن تلخيص معنى الهوية المصرية في عبارة واحدة؟ توضح عبدالجواد قائلة: “إذا أردت تلخيص معنى الهوية المصرية في عبارة واحدة، فسأجدها عند جمال حمدان. الذي أوضح أن الهوية تنبع من ارتباط الإنسان بالأرض، لا من فكرة الأعراق التي استخدمها المستعمر الأجنبي لتمييز العرق الأبيض عن غيره باستخدام علوم منحازة وعنصرية. ونحن لسنا في حاجة إلى الخوض في هذه المفاهيم. لأن الهوية المصرية تقوم أصلا على الارتباط بالأرض وعدم تبديل السكان عبر التاريخ”.
وتردف: “هناك لغط واسع في هذا الموضوع، وغالبا ما يلجأ البعض إلى أفكار غربية لا أميل إلى الاعتماد عليها. خاصة أن الدكتور جمال حمدان كتب رؤيته في أواخر الثمانينات قبل أن تتناول المصادر الغربية هذه القضايا. وأراه مرجعا محوريا في نقاش كهذا، ولا يستطيع أحد التشكيك في مصريته أو في دوافعه للكتابة. وأنا أتفق معه ومع آرائه وما عرضه في موسوعة “شخصية مصر”. فهي موسوعة واسعة تناولت جوهر معنى مصر. وبينت أن مصر في أصلها جغرافيا ذات خصوصية”.
نظرية د. جمال حمدان
تفضل عبدالجواد استخدام نظرية الدكتور جمال حمدان، وتقول: “هذا المفهوم يوضح كيف أن جغرافيا مصر ليست مجرد تضاريس، بل هي عامل رئيسي في تحديد هويتها وعبقرية مكانها وتاريخها ومكانتها العالمية. وهو ما أبرزه جمال حمدان بعبقريته في ربط الجغرافيا بالسياسة والتاريخ”.
ومصطلح “ملكة الحد الأوسط” هو وصف أطلقه المفكر والجغرافي المصري الكبير جمال حمدان على مصر في موسوعته الشهيرة “شخصية مصر: دراسة في عبقرية المكان”. لتبيان موقعها الفريد والمتوسط بين قارات العالم وحضاراته (إفريقيا وآسيا وأوروبا)، وبين الشرق والغرب. ما منحها شخصية فريدة متعددة الأبعاد والثقافات، ومحورية في التاريخ والسياسة العالمية. فهي قلب العالم العربي، وواسطة العالم الإسلامي، وحجر الزاوية في إفريقيا.
- موقع جغرافي استراتيجي: مصر تقع على ملتقى طرق رئيسية بين القارات، ما جعلها جسرًا للحضارات والمؤثرات.
- أمة وسط: لا يعني أنها “أمة نصف” بل “أمة وسط” متعددة الجوانب. تجمع بين خصائص مختلفة (إفريقية، آسيوية، متوسطية).
- تنوع ثقافي: هذا الموقع جعلها بوتقة تنصهر فيها ثقافات وحضارات مختلفة. ما أثرى الشخصية المصرية.
- قوة محورية: هي قوة بر بفضل النيل، وقوة بحر بفضل السواحل، ومركز لدوائر جغرافية وتاريخية متعددة. ما يجعلها حلقة وصل حيوية للعالم.
رفات مصري قديم من النويرات بالمنيا
في الوقت نفسه، تُسلط العديد من الدراسات العلمية الضوء على أصل المصريين القدماء. ومن بينها دراسة علمية نشرت مؤخرا بعنوان: “أصل الجينوم الكامل لمصري من المملكة القديمة“.
وقدم فريق من العلماء والباحثين رؤية حول أصل المصريين في هذه الدراسة المنشورة بمجلة “نيتشر” العلمية في يوليو 2025. مشيرين إلى أن المجتمع المصري القديم ازدهر لآلاف السنين. وبلغ ذروته خلال العصر الأسري (حوالي 3150- 30 قبل الميلاد).
الحمض النووي
بحسب الدراسة، ونظرا لسوء حفظ الحمض النووي. لم يكن من الممكن سابقا الوصول إلى إجابات واضحة للأسئلة المتعلقة بالترابط الإقليمي عبر الزمن. لعدم القدرة على دراسة تسلسل الجينوم الكامل.
ومن خلال الدراسة، نجح العلماء في تقديم تسلسل جينوم كامل لرجل مصري بالغ. حُفِظت رفاته في منطقة النويرات بالقرب من قرية “بني حسن” بالمنيا. وتم تأريخه بالكربون المشع ليعود إلى الفترة ما بين 2855 و2570 قبل الميلاد.
ولضمان دقة النتائج، أوضح فريق البحث أن اختيار هذه الرفات جاء بسبب العثور عليها محفوظة داخل وعاء خزفي في مقبرة منحوتة في الصخر. ما ساعد على الحفاظ على الحمض النووي.
توحيد مصر السياسي
تطرقت الدراسة إلى تطور الحضارة المصرية القديمة على مدار آلاف السنين. وجاء فيها: “بعد التوحيد السياسي للمناطق الشمالية والجنوبية من مصر – السفلى والعليا – في نهاية الألفية الرابعة قبل الميلاد. شهدت المملكة القديمة تقدما ملحوظا. تمثل في بناء أول مجمع هرمي مدرج للملك زوسر. ثم الهرم الأكبر بالجيزة الذي بناه الملك خوفو”.
وتشير الدراسة إلى اعتبار المصريين من أصل محلي، مع وجود مدخلات محدودة من مناطق مجاورة. كما تُظهر الأدلة الأثرية الأحدث أن روابط تجارية كانت قائمة عبر الهلال الخصيب منذ الألفية السادسة قبل الميلاد.
شمال إفريقيا وغرب آسيا
أسهمت التحليلات الأثرية في تحديد أصل رفات هذا الشخص. إذ اعتمد البحث العلمي على الدراسات المورفولوجية للأسنان. التي تُظهر ارتباط المصريين بسكان آخرين في شمال إفريقيا وغرب آسيا.
وفي الوقت نفسه، لفت البحث إلى الافتقار إلى الجينومات القديمة. خاصة للفترات المبكرة من تاريخ الأسرات المصرية، وهو غياب لا يشكل عائقا أمام فهم الجينات المصرية عبر الزمن.
ومن خلال تحليل السمات المورفولوجية للأسنان وقياسات الجمجمة، إلى جانب النتائج الجينومية، اتضح النظام الغذائي لصاحب الرفات وأصله البيولوجي.
حياة المصري القديم
تنص الدراسة على أن: “تتفق جميع النتائج مع نشأته في مناخ وادي النيل الحار والجاف. كما اعتمد نظامه الغذائي على البروتين الحيواني والنباتي، والنباتات مثل القمح والشعير. إضافة إلى أسماك النيل، وهو نمط غذائي معتاد لدى المصريين حتى العصر القبطي”.
وقارن فريق الدراسة جينوم عينة النويرات ببيانات وراثية لأكثر من 3000 شخص معاصر. خضع بعضهم لتحليل جينومي كامل، بينما حددت الأنماط الجينية لآخرين عبر مصفوفات متخصصة في دراسة الأصول البشرية. إلى جانب بيانات تخص 805 أفراد من البشر القدماء، من خلال تحليل نحو 1.2 مليون مؤشر وراثي.
تقارب الجينات مع مناطق أخرى
خلصت الدراسة إلى أن: “رفات الرجل المصري القديم من المنيا، أظهرت تقاربا وراثيا مع سكان شمال إفريقيا وغرب آسيا في الوقت الحاضر”.
وأضافت نتائج الدراسة: “وهو ما تؤكده أيضًا نتائج تحليلات ADMIXTURE، التي أظهرت نمطا متسقا مع هذا الارتباط”.
المنهجية العلمية
اعتمد فريق البحث في تحليل رفات الرجل المصري القديم لمعرفة أصوله على أداة “qpAdm” المتخصصة في بناء نماذج تُظهر الأنساب الجينية الأكثر تمثيلا للجينوم.
ويختبر هذا المنهج مجموعات مختلفة من السكان المحتملين بوصفهم مصادر وراثية. بينما تُستخدم مجموعات أخرى كسلالات خارجية للمقارنة. واختار الباحثون 13 مجموعة سكانية تعود للعصرين الحجري الحديث والنحاسي في مناطق غرب آسيا وشمال إفريقيا وشمال المتوسط. وبحسب الدراسة “فإن جميع هذه المجموعات أقدم زمنيا من عينة النويرات في مصر”.
وكانت النتيجة واضحة. إذ لم يتمكن أي نموذج يعتمد على مصدر واحد فقط من تفسير البيانات، حيث جاءت أعلى قيمة احتمالية للملاءمة منخفضة جدا.
تشابه الجينات
عند اختبار النماذج الثنائية؛ اتضح أن جينوم عينة النويرات بالمنيا يضم مزيجا يقارب 78% من الأصول المرتبطة بجماعة “الصخيرات الروازي” في المغرب. والتي تعود إلى الفترة ما بين 4780 و4230 قبل الميلاد، إلى جانب نحو 22% من أصول ترتبط بسكان بلاد الرافدين في العصر الحجري الحديث (9000–8000 ق.م).
كما ظهرت نماذج أخرى تضم ثلاثة مصادر نسب متشابهة، أضافت نسبة محدودة من الأصول المرتبطة ببلاد الشام. تعود إلى العصرين الحجري الحديث والنحاسي. وخلصت الدراسة إلى وجود جذر وراثي قوي مرتبط بالمغرب خلال العصر الحجري الحديث الأوسط داخل جينوم عينة النويرات.
امتداد سكاني مشترك
بحسب الدراسة: “يشير ذلك إلى احتمال وجود امتداد سكاني مشترك عبر شمال إفريقيا خلال تلك الفترات. كما يسهم في دعم فرضية أن المجتمعات المحلية في مصر خلال العصر الحجري الحديث. أسهمت جينيا في تكوين السكان الذين عاشوا لاحقًا خلال فترات الأسرات والمملكة المصرية القديمة”.
وأشارت الدراسة إلى إشكالية أخرى، مفادها أن تشابه جينات رفات المصري القديم مع بلاد لشام قد يكون نتاج موجات متعددة من الهجرة. مؤكدة ضرورة إجراء مزيد من التحليلات على بقايا بشرية تعود إلى ما قبل العصر البرونزي في شمال إفريقيا.
الأصول والعلاقات بين المصريين القدماء
تطرقت دراسة علمية أخرى إلى محاولة معرفة أصول المصريين القدماء في ورقة بحثية بعنوان: “الأصول والعلاقات بين المصريين القدماء: استنادا إلى دراسة الاختلافات غير القياسية في الجمجمة”.
وشكَّلت هذه الورقة إحدى المساهمات في ندوة حول بيولوجيا سكان المصريين الأوائل. نظمها بي. أ. كياريلي (معهد الأنثروبولوجيا، جامعة تورين) ودي. آر. بروثويل (المتحف البريطاني للتاريخ الطبيعي، لندن). وعُقدت الندوة في قلعة مونتالدو بمدينة تورين خلال الفترة من 16 إلى 18 إبريل عام 1969.
ونشرت الدراسة في مجلة “تطوّر الإنسان”. ثم أعادت مجلة “ساينس دايركت” العلمية نشرها لاحقا. واعتمد البحث على تحديد العلاقات بين الجماعات البشرية القديمة من خلال توصيف البقايا الجسدية وراثيا عبر قياسات العظام. وقد أظهرت الأبحاث على الفئران سهولة الاعتماد على السمات غير المترية. خاصةً الجمجمة، بوصفها علامات وراثية.
جماجم مصرية من الحفريات
أشار ملخص الدراسة إلى بحث آخر توصل إلى أن المصريين، أي سلسلة الجماجم المصرية المستخرجة من حفريات مختلفة والمحفوظة حاليا في المجموعات البريطانية. لم يطرأ عليهم سوى تغير طفيف خلال عصور ما قبل الأسرات، والدولة القديمة، والدولة الوسطى. ولم يحدث تغير ملحوظ في الاستقرار السكاني إلا في الدولة الحديثة. عندما شهد وادي النيل موجات هجرة كبيرة.
وأظهرت المقارنة مع السلاسل غير المصرية أن النمط المصري المبكر كان قريب الشبه إلى حد كبير من سلاسل شمال الهند ذات الأصول السامية أو الزنجية أو الأوروبية الشمالية.
اقرأ أيضا:
الكشري المصري بـ«اليونسكو».. كيف يواجه الطعام الشعبي غزو الثقافة الأجنبية؟
التشكيلي محمد البحيري عن معرضه «مولد يا دنيا»: لوحاتي لا تقدم إجابات جاهزة
مزاد ومستودع سري.. كواليس سقوط شبكة «روبن سايمز» لتهريب الآثار المصرية



