من أعماق البحر إلى صفحات العلم.. قصة معهد علوم البحار ومتحفه العريق بالسويس

يُعد «متحف معهد علوم البحار» في السويس أحد أبرز المعالم العلمية والبحثية في مصر، وهو جزء من المعهد القومي لعلوم البحار والمصايد التابع لوزارة البحث العلمي. يعكس هذا المتحف الإرث العريق والتطور المستمر في مجال علوم البحار، ويمثل نافذة هامة على الحياة البحرية في البحر الأحمر، خاصةً في منطقة خليج السويس، ويفتح أبوابه مجانا للمؤسسات المختلفة.

وتعود أصول هذا المعهد إلى عام 1928، حين أنشئت محطة الأحياء البحرية، التي تُعد أول محطة علمية بحرية متخصصة في الأحياء المائية على ساحل البحر الأحمر، في مدينة السويس. بدأت هذه المحطة عملها البحثي فعليًا عام 1932 تحت رئاسة العالم البريطاني سيريل كروسلاند، وكانت آنذاك تتبع كلية العلوم بجامعة الملك فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليًا). وقد تميزت المحطة بكونها الوحيدة المتخصصة في دراسة البيئة البحرية والأحياء المائية على ساحل البحر الأحمر لمدة ثلاثين عامًا.

نشأة وبداية متحف معهد علوم البحار

في عام 1934، تولى العالم المصري الكبير الدكتور حامد جوهر رئاسة محطة الأحياء البحرية. واستمر في هذا المنصب لمدة أربعين عامًا. وقد شكّلت هذه المرحلة طفرة في تاريخ المحطة، حيث شهدت نشاطًا علميًا مكثفًا ومؤثرًا. أسس الدكتور جوهر متحف الأحياء المائية التابع للمحطة، وهو المتحف الذي أصبح لاحقًا من أبرز معالم السويس. حيث يضم العديد من الكائنات البحرية النادرة، ومنها أسماك ضخمة تم اصطيادها خلال فترة إشراف الدكتور جوهر على المعهد.

كما أجرى الدكتور جوهر العديد من الأبحاث الرائدة في مجال علوم البحار. مما أسهم في ترسيخ مكانة المعهد كصرح علمي مرموق في المنطقة والعالم العربي.

تطور حديث لمعهد ومتحف علوم البحار

اليوم، تعرف المحطة باسم المعهد القومي لعلوم البحار والمصايد – فرع البحر الأحمر، وهي جهة حكومية تابعة لوزارة البحث العلمي. وقد توسع المعهد ليشمل عدة فروع، من أبرزها فرع خليج السويس والعقبة، الذي أُسس لرصد الموارد البحرية في شمال البحر الأحمر وقناة السويس، والمساهمة في الحفاظ عليها وتنميتها. يعد هذا الفرع مركزًا مهمًا للبحث العلمي والتطبيق العملي. حيث يركز على مصايد الأسماك والتنمية المستدامة للمناطق الساحلية. بالإضافة إلى إدارة الموارد المائية بكفاءة.

متحف الأحياء المائية: ذاكرة البحر الأحمر

يضم المعهد متحفًا للأحياء المائية يحتوي على مجموعة فريدة من الأسماك والكائنات البحرية، منها أنواع نادرة وضخمة تم اصطيادها في الفترات السابقة. خصوصًا أثناء تولي الدكتور حامد جوهر إدارة المعهد. وقد تم طلاء بعض الأسماك المحنطة بمواد صناعية مثل “البوية” بعد فقدانها لألوانها الطبيعية. وعلى الرغم من ذلك، لا يزال المتحف يشكل مرجعًا علميًا وثقافيًا هامًا، ويستقطب الزوار والمهتمين بعالم البحار من داخل مصر وخارجها.

ويعتبر متحف الأحياء المائية من الوجهات التعليمية والترفيهية المميزة. حيث يجمع بين المعرفة والمتعة في آنٍ واحد، ويضم مجموعة متنوعة من الكائنات البحرية التي تعكس التنوع البيولوجي الفريد في البحر الأحمر وخليج السويس.

مقتنيات متحف الأحياء المائية

من أبرز المعروضات في المتحف “عروسة البحر” أو ما يعرف بـ”الدوجونغ”، وهو من الكائنات البحرية النادرة والمهددة بالانقراض، كما يحتوي المتحف على نماذج حقيقية ومحفوظة لأسماك القرش بأنواعها، بالإضافة إلى الدلافين التي تُعرض بطريقة تعليمية شيقة.

ويضم المتحف أيضًا مجموعة رائعة من الشعب المرجانية الملوّنة التي توضح أهمية هذا النظام البيئي الحساس، إلى جانب نماذج من الترسة البحرية (السلحفاة البحرية) والسلاحف المختلفة.

ويهدف المتحف إلى توعية الزوار، خاصة الطلاب، بأهمية البيئة البحرية وضرورة حمايتها. كما يوفر معلومات قيمة عن الكائنات التي تعيش في أعماق البحار. وتعد زيارة هذا المتحف تجربة غنية تسهم في تعزيز الوعي البيئي لدى الجمهور، وتفتح آفاقًا لفهم أسرار الحياة تحت الماء.

فرع خليج السويس والعقبة: بوابة البحر الأحمر العلمية

يعتبر فرع المعهد في خليج السويس والعقبة من المراكز الحيوية، حيث يختص بدراسة وتحليل الموارد البحرية في المنطقة. ويحتوي على ثلاثة أقسام علمية: مصايد الأسماك، البيئة البحرية، وتربية الأحياء المائية. تشمل هذه الأقسام مختبرات متخصصة تغطي معظم فروع العلوم البحرية، مثل: (علم الأحياء البحرية، الكيمياء والفيزياء البحرية، الجيولوجيا البحرية، تربية الأحياء المائية، بيئة الشعاب المرجانية، التلوث البحري). ويعمل الفرع أيضًا على التعاون مع مؤسسات علمية محلية ودولية بهدف تطوير حلول علمية للمشكلات البيئية والاقتصادية التي تواجه البيئة البحرية المصرية.

ويمثل معهد علوم البحار في السويس، بمتحفه العريق وفروعه البحثية، جزءًا أساسيًا من البنية العلمية في مصر. ومنذ تأسيسه قبل ما يقرب من قرن، لعب دورًا محوريًا في استكشاف وحماية البيئة البحرية، وتنمية الثروات المائية. وبين إرث الدكتور حامد جوهر، ورؤية العلماء والباحثين الحاليين، يواصل المعهد أداء رسالته في خدمة العلم والبيئة، ويعد نموذجًا يحتذى به في ربط البحث العلمي بالتنمية المستدامة.

الخدمات البحثية والعلمية

يقدم المعهد عددًا من الخدمات العلمية والبحثية التي تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة للثروة السمكية بالمياه المصرية، وتشمل هذه الخدمات:

  • تنمية المصايد الطبيعية ونشاط الاستزراع السمكي

يتم ذلك من خلال تحديد مواقع تجمعات الأسماك الاقتصادية، وتطوير تقنيات الصيد بالجر القاعي. بما يسهم في زيادة الإنتاج السمكي من الأسماك القاعية في المياه المصرية. كما يعمل المعهد على تعزيز الاستزراع السمكي وتقليل التكلفة باستخدام نظم الاستزراع المكثف في المياه العذبة. إلى جانب التركيز على تنمية استزراع اللافقاريات البحرية على سواحل البحر المتوسط.

  • البحث في المواد الفعالة للكائنات البحرية ومكافحة الملوثات بالتكنولوجيا الحيوية

يقوم الباحثون في المعهد بدراسة إمكانية استخلاص مواد فعالة من الكائنات البحرية الموجودة في البحر الأحمر، لاستخدامها في تطبيقات متعددة، منها الطب والصناعة. ويسعى المعهد إلى استخدام التكنولوجيا الحيوية لمواجهة التحديات البيئية. خاصة الملوثات التي تهدد البيئة البحرية.

  • الحفاظ على المسطحات المائية وتنميتها والبحث عن مصادر الطاقة البحرية

تشمل جهود المعهد حماية البحار والبحيرات من التدهور، وتنمية مواردها الطبيعية على مستوى وطني. ويتم العمل على استكشاف الثروات الطبيعية في المياه المصرية. بما في ذلك الموارد المحتملة للطاقة. ويسهم المعهد في تعزيز الثقافة العلمية لدى الجمهور. من خلال برامج توعوية وفعاليات تعليمية تهدف إلى تعريف المجتمع بأهمية البيئة البحرية وثرواتها.

اقرأ أيضا:

«متحف قناة السويس».. تاريخ من سخرة الحفر إلى إرادة التأميم والتطوير

«متحف السويس القومي».. كنوز تُجسد عبقرية المصري القديم

«متحف النصر للفن الحديث».. ذاكرة بورسعيد في لوحات ومنحوتات

ملف| «متحف آثار طنطا».. هنا حكايات التاريخ تُروى في صمتٍ

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.