مكتبة الحضارة الإسلامية.. هنا حُفظ التاريخ في أكثر من 4 آلاف كتاب

ليست القلعة الواقعة في أول الشارع هي الأثر التاريخي الوحيد في شارع شيخون، فبعد خطوات تصل إلى منتصف الشارع لتجد أمامك وجهة خشبية عريضة المساحة ذات شبابيك خشبية طويلة، واقعة على زاوية شارع جانبي، تقف للتأمل قليلًا ولا تفكر أن ما ترآه هو منزل أثري أو تحفة معمارية، بل هي حضارة كاملة وضعت جميعها داخل كُتب ومجلدات لتحفظ في مكتبة الحضارة الإسلامية.

تقع مكتبة الحضارة الإسلامية في سبيل وكُتاب قايتباي في شارع شيخون الذي يصل بين مدرسة السلطان حسن ومسجد أحمد بن طولون، يعتبر أحد ملامح القاهرة الإسلامية، وقام بإنشائه السلطان المملوكي الأشراف أبوالنصر قايتباي عام 1479، الذي ظل يحكم لمدة 28 عامًا حتى وافته المنية.
سبيل وكتاب قايتباي هو أول سبيل منفصل يعلوه كتاب في عمر مصر الإسلامية، وامتاز بثراء زائد في زخارفه الحجرية.

العمارة الخارجية

تتكون عمارته الخارجية من ثلاث واجهات حجرية، أولها رئيسية من الناحية الشمالية تطل على شارع الصليبة؛ بها مدخل رئيسي عبارة عن حجر غائر ذو عقد مدائني، تكتنفه من أسفل مكسلتان حجريتان، ويعلوها إزار كتابي بخط النسخ المملوكي البارز نصه “أمر بإنشاء هذا السبيل المبارك السعيد من فضل الله تعالى وجزيل عطائه العميم مولانا المقام الشريف السلطان المالك الملك الأشراف أبو النصر قايتباي بتاريخ ذي الحجة سنة أربع وثمانين وثمان مائة”، وبين هاتين المكسلتين فتحة باب ذات مصراع خشبي يعلوه عتب مستقيم من صنجات رخامية معشقة.
على يسار هذا المدخل ثلاث دخلات ذات صدور مقرنصة؛ بها شبابيك أوسطها أوسعها، وتعشية درفة خشبية، وعلى جانبي المدخلين الأخريين شباكين تشابهان ذواتي حجابين من المصبعات المعدنية، وعلى يمين هذا المدخل ثلاث دخلات أخرى بكل منها فتحة شباك ذات حجاب من المصبعات المعدنية أيضًا.
من بين هذه الشبابيك الستة شباك للتسبيل أسفله ثلاثة كوابي حجرية؛ كانت مخصصة في غالب الظن لحمل السبيل غير الموجود حاليا، ويعلو هذا الشباك عتب مستقيم من مصنجات حجرية ذات زخارف نباتية.
تنتهي هذه الواجهة في طابقها الأول بشريط من الكتابات النسخية البارزة نصه بدءا من الطرف الجنوبي “أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم، صدق الله العظيم وبلغ رسوله الكريم ونحن على ذك من الشاهدين”.
أما الطابق الثاني من هذه الواجهة ففيه شرفتان خشبيتان؛ إحداهما كبيرة للكتاب وبها أربعة عقود نصف دائرية ترتكز على خمسة أعمدة خشبية؛ في أسفلها مجموعة من الكوابيل الخشبية، وفي أعلاها رفرف خشبي، والأخرى صغيرة ترتكز على أربعة كوابيل خشبية يغشيها حجاب من المصبعات المعدنية وتنتهي هذه الواجهة في أقصى يسارها بعمود رخامي مندمج أسفل تاجه كتابة نسخية نصحها “الأشرف أبو النصر قايتباي”.
ثاني واجهات هذا السبيل في الناحية الشمالية الشرقية؛ تطل على شارع شيخون، وبها شباك ثان للتسبيل يغشيه حجاب من المصبعات المعدنية، أسفله ثلاثة كواميل حجرية، ويعلو هذا الشباك عتب مستقيم على جانبية وحدتان زخرفيتان ذواتي زخارف نباتية ملونة، يليه فوقه عقد من صنجات معشقة ذات زخارف نباتية، على يمين هذا الشباك ثلاثة رنوك كتابية للمنشي.
وثالث واجهات هذا السبيل في الناحية الجنوبية الغربية؛ بها فتحة باب يعلوها عتب مستقيم من صنجات حجرية معشقة، يليه نفيس فوقه عقد عاتق من صنجات معشقة أيضًا يلي ذلك نافذتان صغيرتان، ذواتي حجابين خشبين فوقهما كابولي حجري يحمل طابقا ثانيا حديثا وعلى جانبي هذا الباب ست دخلات ذات صدور مقرنصة؛ بها ستة شبابيك ذات أحجبة من المصبعات المعدنية فوق كل منها عتب مستقيم من مصنجات حجرية معشقة.

مكتبة الحضارة الإسلاميةالعمارة الداخلية

عمارته الداخلية عبارة عن ممر مسقوف ببراطيم خشبية؛ فرشت أرضيته ببلاطات حجرية، على يمينه فتحة ذات عقد مدبب يحيط به جفت، وعلى يساره فتحة باب ثان ذات عقد مدبب أيضًا يحيط به جفت لاعب ذو ميمات دائرية تعلوه نافذة صغيرة يقضي إلى ممر مسقوف بعروق خشبية حديثة، وفي نهايته سلم على يساره باب يفضي إلى السبيل.
ولكن الآن يضم الدور الأول والذي يضم قاعتي الندوات وقاعة الطفل، يقول سيد صالح، مدير المكتبة، إن المكتبة أطلق عليها مكتبة الحضارة الإسلامية لما تحتويه من كتب متخصصة في مجال التاريخ الإٌسلامي والأدب والتاريخ والفنون والعمارة الإسلامية.
مكتبة الحضارة الإسلامية
أما عن الخدمات التي تقدمها مكتبة الحضارة الإسلامية فيكمل: تقدم خدمات ثقافية وعلمية؛ منها خدمات مرجعية وبحثية للمترددين عليها، وخدمات معلومات تتضمن خدمة البث الانتقائي للمعلومات، من خلال التليفون والفاكس وموقع المكتبة على الفيس بوك، وخدمة التصوير والاستنساخ وإعداد أرشيف، من خلال الجرائد اليومية عن أشهر المساجد في مصر
ومقالات كبار الكتاب، إضافة إلى خدمة المكتبة الرقمية التي تضم شرائط الفيديو عن أشهر المساجد في مصر.
أما الدور الثاني يضيف صالح أن المكتبة تنظم نشاطا ثقافيا متميزا في مجال الحضارة الإسلامية ويشمل ندوات متخصصة وعامة وعروض مسرحية وموسيقية ومعارض فن تشكيلي وفن فوتوغرافي، والاحتفال بمناسبات خاصة كالاحتفال بيوم اليتيم وبنصر أكتوبر.
ويشير إلى أن هذه الندوات ساهمت في إعادة إحياء النشاط الثقافي في المكتبة، وجذب أكبر عدد من الزوار، وتقدم المكتبة نشاط فنيا متميزا الأطفال في جميع الأعمار؛ يشمل فن الرسم والتلوين وعمل أشكال بالصلصال وعرائس، وعمل مجلدات حائط ومسرح للعرائس وأشغال يدوية، ويقام معرض سنوي لعرض مشغولات الأطفال.

السبيل

يتكون من حجرة مستطيلة يتصدر ضلعها الجنوبي الغربي شاذروان عبارة عن دخلة ذات صدر خشبي مقرنص بمقرنصات من ست حطات؛ في أسفله لوح رخامي تزينه زخارف نباتية، ويتصدر ضلعها الجنوبي الشرقي دخلتان فوق كل منهما عتب حجري، ويتصدر ضلعها الجنوبي الشرقي شباك للتسبيل عبارة عن دخلة ذات عقد مدائني زخارف هندسية من أطباق نجمية، تعلوها قمرية دائرية ذات حجاب من خشب الخرط، أما ضلعها الشمالي الغربي فيتشابه مع ضلعها الشمالي الشرقي، وقد غظي هذا السبيل بسقف من البراطيم الخشبية ذات المربعات والمستطيلات المنقوشة بزخارف هندسية نجميه ملونة.
يتكون هذا السبيل من طابقين، أولهما حجرة مستطيلة في ضلعها الشمالي أثني عشرة نافذة ذات أحجبة من المصبعات المعدنية في صفين فوق بعضهما، بكل منها ست نوافذ قد غطيت هذه الحجرة سقف خرساني حديث، وفرشت أرضيتها ببلاطات حديثة أيضًا، وتجاورها بعض الحجرات الأخرى.
يتكون ثانيهما من كتاب يصعد إليه بسلم في نهايته ممر؛ على جانبيه مجموعة من الحجرات المستحدثة ذات السقوف الخرسانية والأرضيات الخشبية، لم يبقى من مظاهره الأثرية سوى واجهته المطلة على شارع الصلبية ببائكة خشبية ذات عقود محمولة على ثمانية أعمدة خشبية أيضًا.

محتويات المكتبة

عن محتويات مكتبة الحضارة الإسلامية توضح إيمان هندي، أخصائية المكتبات بالمكتبة، أنها تضم جوعة من المراجع والمصادر؛ من أهمها مجموعة ناصر خليلي، باحث إيراني يهودي الجنسية، اهتم بدراسة الفنون الإسلامية بصفة عامة وبمجموعة والدة بصفة خاصة.
توضح أن المكتبة تحتوي على كتب في الفنون والعمارة والتاريخ والآداب والفلسفة، ولكن أغلب الباحثين مقبلين على كتب الفنون والعمارة.
وعن أهم المصادر تقول إنها كتب الخطط المرقزية، والخطط التوفيقية للكاتب علي باشا مبارك، والمراجع مساجد مصر وأولياء الله الصالحين، للدكتورة سعاد ماهر، وفي الفنون مجموعة ذكي محمد حسن، فنون الإسلام والفنون الإيرانية.
ويقول ياسر عثمان، مدير مكتبة القاهرة الكبرى، إنه في عام 1996 وقع الاختيار على الكتاب ليكون منارة ثقافية للزائرين من المصريين والأجانب، والمكان يقع إلى عاتق عدد من الهيئات، أولها قطاع الشؤون الثقافية في المكتبة.
والدور الثاني هو السينما العربية، وهي مدرسة تقدم  في مجال السينما، ويتبع أيضًا صندوق التنمية الثقافية، والدور الأرضي وتحت الأرض “السبيل”.
ويتكون السبيل من جزئين فوق الأرض وكان يظهر لـ”السقا”، الذي كان يستلم المياه اليومية لتوزيعها على المواطنين، في جوف المياه نزلنا عبر السلالم أكثر وجدنا بئر مملوء بالمياه، لرفعها للسائقين.
مكتبة القاهرة الكبرى تم تسميتها بمكتبة الحضارة الإسلامية، وتحوي أكثر من 7 آلاف كتاب بلغات مختلفة، العربية والإنجليزية، وهناك أيضًا الفرنسية والأسبانية، بالإضافة إلى دوريات متخصصة، جميعها مطروح بالمجان.
ويدعو مدير مكتبة القاهرة الكبرى الجمهور المصري وغير المصري بالتردد على المكتبة، فهي تضم كتب من أندر الكتب الإسلامية، والتي مع غلاء الأسعار يصعب اقتنائها، مشيرًا إلى أن المكتبة على استعداد بشرائها، قائلًا “ما على أي شخص سوى التوجه للمكتبة وكتابة اسم الكتاب والكاتب والناشر”.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر