معركة «التعاويذ» بين عبدالحليم حافظ وبليع والموجي!

يتيما ولد، غريبا مات وما بين هذه البداية السوداء والنهاية الحزينة كانت قصة حياة عبدالحليم حافظ.. قصة ثمانية وأربعين عاما عاش أكثر من نصفها أسيرا للمرض وصريع النزيف. قصة حياته هي قصة الذكاء الذي يعوض به الإنسان كل الجذور الضائعة من حياته فكثيرين مثل عبدالحليم ضاعت موهبتهم لأنهم افتقدوا الذكاء ولكن هذا الفلاح الصغير ابن الشرقية استطاع أن يقفز فوق كل الحواجز ويقف بين العمالقة في فترة قصيرة ويسير في رحلة طولها خمسة عشر فيلما سينمائيا ومئات الأغنيات، ولكن في الوقت نفسه بدأ ظهور آثار المرض علي “العندليب”، وظل يعانى حتى رحيله.

في يوم وفاة جمال عبدالناصر أصيب عبدالحليم بإغماء ونزيف شديد ونقل إلى المستشفى وبعدها سافر إلى أمريكا وخيّره الأطباء الأمريكان بين أن يعيش في صحة جيدة وأن يكف نهائيا عن الغناء وبين أن يغني وينزف من حين إلى آخر، واختار عبدالحليم حافظ الغناء مع النزيف وحدث أنه سافر في منتصف شهر فبراير عام 1972 إلى الرباط لإحياء عدة حفلات على شرف ملك المغرب الملك الحسن وفي الساعة الثالثة صباحا قام يصرخ والدم يتدفق من فمه واندفع من غرفته بحثا عن الطبيب المرافق له دكتور هشام، وحاول طبيبه أن يجد وسيلة سريعة لكنه لم يستطع فنزل إلى الشارع بحثا عن بنك الدم واستقل سيارة من سيارات الفندق وذهب إلى بنك الدم ثم عثر على كمية عاجلة ونقل عبدالحليم حافظ بعد ذلك إلى مستشفى ابن سينا ونقلوا إليه خمسة لترات دم وبقى عبدالحليم فاقد النطق أربعة أيام، وبعد أن استقرت حالة عبدالحليم أمر الملك الحسن بسفره إلى باريس لاستكمال العلاج على نفقته وقد اصطحب عبدالحليم معه الدكتور ياسين عبدالغفار وكذلك الدكتور هشام والمحامي مجدي العمروسي وبليغ حمدي وسكرتيرة عبدالحليم.

سنوات المرض

حتى الآن لم يحدث أي شئ غير طبيعي لم يحدث مع عبدالحليم طوال سنوات مرضه السابقة، في ذلك الوقت – عام 1972- كان يرأس تحرير مجلة آخر ساعة أنيس منصور وما أن سمع بوجود عبدالحليم في باريس حتى ذهب إليه ومعه وفد من المجلة لإجراء تحقيق صحفي عن مرضه ويعود أنيس منصور ليكتب تحقيقا مثيرا بعنوان “عبدالحليم يطلب إحراق ملابسه الزرقاء فورا” وعلى مساحة خمس صفحات يكتب تحقيقه الذي أثار معركة حامية بين عبدالحليم وبليغ والموجي وصلت للمحاكم فيما بعد، في البداية يسهب أنيس منصور في الكتابة عن باريس ومرض عبدالحليم والصعوبات التي واجهتهم أثناء البحث عن المستشفى لينتقل بعد ذلك للفقرة التي فجرت الأزمة يقول أنيس منصور: “يؤكد لي عبدالحليم حافظ أن هذا الذي سوف يقوله صحيح مائة في المائة. والحاضرون جميعا شهود على ذلك ثم يضع يده على المصحف، جاءه بليغ حمدي يقول أن سيدة فرنسية قد ذهبت إلى أحد رجال الدين، هذا رجل مشهور بأنه مكشوف عنه الحجاب وأنه رجل طيب يفهم في الغيبيات وهذا الرجل لا يعرف شيئا عن بليغ حمدي ولا رآه وهذه السيدة الفرنسية لا تعرف عن بليغ حمدي أي شئ وإنما عرفته باسم آخر على أنه طالب جاء يدرس في باريس، ذهب بليغ حمدي إلى رجل الدين ولم يكد يراه حتى قال له: أنت قادم من عند شخص مريض مشهور جدا في العالم، وهز بليغ حمدي رأسه بما معناه أن هذا صحيح، ثم قال له: إن هذا الشخص قد وضع مصحفا تحت المخدة، ولكن لماذا يضع المصحف في كيس من القماش الأبيض؟ أطلب إليه أن ينزع الكيس الأبيض حتى لا يكون هناك فاصل بينه وبين كلام الله.. وكان بليغ لم ير المصحف قط، لأن عبدالحليم حافظ يخفي المصحف في المخدة نفسها، وقال رجل الدين لبليغ حمدي: من هي أم أمين؟ ولم يعرف بليغ من هي أم أمين هذه، قال رجل الدين: أن هذه السيدة قد عملت عملا لصديقك المريض وأن هذا العمل قد ألقته في بيته يوم زارته وأنه من ذلك اليوم لم يعرف للصحة طعما! وسأله بليغ: وما العمل يا سيدي؟، قال له رجل الدين: أن تذهب إلى البيت وسوف تجد هذا العمل فيه وحدد له المكان وقال له أيضا: نصيحة.. أطلب من صاحبك هذا أن يحرق كل الملاءات الزرقاء في بيته وألا يرتدي ملابس زرقاء، فإن هذا اللون مصيدة للشر ولن يشفى من مرضه طالما هذا اللون قريبا من جسمه!”

 

ويقسم عبدالحليم لأنيس منصور أن رجل الدين قد روى لبليغ حمدي وقائع شخصية جدا لا يعرفها أحد على الإطلاق وأن أم أمين هذه هى زوجة أحد الفنانين وتحمل هي وزوجها كراهية لعبدالحليم ولبليغ حمدي، وبالفعل طلب عبدالحليم من أسرته في القاهرة أن يحرقوا ملابسه الزرقاء والملاءات فورا..

أم أمين ترد

إلى هنا انتهى التحقيق الذي كتبه أنيس منصور على خمسة صفحات بمانشيتات عريضة مثيرة ولكن القصة لم تنته فأم أمين ظهرت على الحقيقة ولم يكن أحد يعرف من هي أم أمين لولا أنها سمعت سيدات في الكوافير يلعنون السيدة التي كانت سببا في مرض عبدالحليم والتي تدعى أم أمين فسارعت وطلبت آخر ساعة لتدافع عن نفسها ولم تكن أم أمين سوى زوجة الموسيقار محمد الموجي الذي هو بدوره أبو أمين قالت أم أمين:

أن أهلها من الفلاحين الميسورين وأن عينها مليانة وليست حاسدة وأن زوجها محمد الموجي عندما دخل الوسط الفني كان يملك عشرة آلاف جنيها وأن الحكومة قد منحته قطعة أرض مساحتها 40 فدانا بعد أن تخرج مهندسا زراعيا، وتقول أم أمين لعبدالحليم: تخاف من العين اللي دخلت عليك وانت مشهور مش من العين اللي عملتك يا عبدالحليم. والحمدلله مفيش مطرب أو مطربة دخل بيتي واشتكى من عيني، كلهم وصلوا لقمة المجد فايزة أحمد ومحرم فؤاد ومها صبري وشريفة فاضل وغيرهم، بل أن عبدالحليم نفسه كان يطلبني في التليفون يقول “أدعيلي يا أم أمين” فهل كان يلتمس دعوات إنسانة حاسدة؟”.

ولكن أبو أمين – محمد الموجي – لم يكتف بالرد الشفهي فقد طلب من محاميه أن يرفع الأمر للقضاء ضد عبدالحليم حافظ وبليغ حمدي، أما بليغ حمدي فقد حاول التنصل من رواية عبدالحليم فبادر بالإتصال بأم أمين قائلا لها: إنه لم يكن في باريس عندما روى عبدالحليم حافظ لأنيس منصور ما دار بينه وبين رجل الدين، ويعقب الموجي على مكالمة بليغ بقوله: يكاد المريب أن يقول خذوني ثم يقول الموجي لدي أكثر من سبب يدعو لإتهام بليغ حمدي بإختراع هذه القصة أو تدبير هذه المؤامرة:

  • فقد لحن الموجي لشادية أغنية ناجحة جدا هى أغنية بست القمر وتضايق بليغ من نجاح هذه الأغنية لأنه يعتبر شادية من أهم قواعد انطلاقه كملحن.
  • وكان بليغ يلحن مسرحية غنائية وسحبت منه ووزعت على أكثر من ملحن من ضمنهم الموجي ويقول الموجي: ولكي يقضي بليغ على أقوى ملحن يقف في مواجهته لجأ إلى محاربتي عائليا بدلا من المنافسة فنيا وبليغ غارق لأذنيه في الخرافات والخزعبلات وهو يعلق في رقبته سلسلة بها تعاويذ.
استمرار المعركة

ويستمر الموجي في فتح النيران على بليغ حمدي مفندا تلفيقه للقصة قائلا: كيف نطق هذا العراف الطيب إسم “أم أمين” بالفرنسية؟ وعائلة عبدالحليم بها أم أماني وأم إيمان والنطق الفرنسي لجميع تلك الأسماء يكون متقاربا فكيف فهم بليغ أنها أم أمين زوجتي؟، وما هي مصلحة زوجتي في الإضرار بعبدالحليم؟، ولابد أن أسأل عبدالحليم: هل ذهبت لباريس للعلاج أم لقراءة الكف والطالع وضرب الرمل والودع؟، وهل عملت له الأعمال لكل يستحم في ترعة الزقازيق ويشرب مائها الملوث ليصاب بالبلهارسيا؟، ألا يشكر عبدالحليم ربه لأنه وجد من ينفق على علاجه بين أمريكا فرنسا ولندن من الملوك؟، ولماذا لا يصاب عبدالحليم بالأزمات الصحية إلا أثناء وجوده في المغرب؟، وما هو الهدف المقصود من وراء الموضوع؟، هل يريد بليغ أو عبدالحليم أن أطلق زوجتي؟، هل هم يهدفون إلى خراب البيوت أو ماذا؟ قولوا لنا الصراحة واختتم الموجي نصيحته لعبدالحليم بأن يسأل رجال الدين في حكم من يقرأون الطالع ويدعون معرفة الغيب. لم تنته المعركة واستمر الخلاف بين الموجي وعبدالحليم لمدة عام كامل من القطيعة التي كان سببها هذا المقلب الذي دبره بليغ حمدي وصدقه أنيس منصور ونشره في آخر ساعة.

اقرأ أيضا

من واقع مذكراته: حكايات عبدالحليم مع عبدالوهاب وأم كلثوم وجمال عبدالناصر

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر