هل اخترع الفراعنة المصباح الكهربائى؟!

قبل أيام قليلة، بدأ الجدل حول علاقة المصريين القدماء واكتشافهم للكهرباء من عدمه من خلال تفسير نقوش موجودة بمعبد دندرة بقنا، وترددت عدة تساؤلات عن كيفية رسمها بدقة عالية في سراديب غير مضيئة.

النقوش روجت لفكرة اكتشاف الكهرباء، عقب تصريحات وصفها متخصصين في علم المصريات بالافتراءات والمغالطات، وأن العالم “أفولتا” اكتشف ذلك خلال وجوده ضمن بعثة العلماء القادمة مع الحملة الفرنسية على مصر عام 1798.

اكتشاف الكهرباء

من جانبه يوضح الدكتور أيمن وزيري، أستاذ ورئيس قسم الآثار والحضارة المصرية بكلية الآثار جامعة الفيوم ونائب رئيس اتحاد الأثريين المصريين، إن الصورة التي تم تداولها عبارة عن ثعبان في داخل زهرة اللوتس في نهايتها زهرة اللوتس، مصاحب لها نص بالهيروغليفية يعني بالعربية “على اسمك جميل بشكل القرد ووجهك بشكل الضفدعة أنني أذبح عدوك في الأرض بواسطة السكين وأسقط عدوك في مكان الذبح”.

وتابع: هذا يعني مكان ذبح ومكان عقاب للمذنبين في العالم الآخر، وأن هذا الثعبان كان يمثل  المذنبين وأعداء الإله في دروب العالم الآخر ولا وجود لموضوع الكهرباء والشاحن، والربط بين عالم الحملة الفرنسية “أفولتا” أحد الباحثين من مكتشفي الكهرباء بالنقش هو هراء وربط عبثي، ولا يمت بصلة علميا أو نظريا أو أكاديميا للعلم بشىء.

ولفت وزيري إلى أن معبد دندرة من ضمن مجموعة المعابد التي تنتمي للعصرين البطلمي والروماني، أي اليوناني والروماني وأنشئ في الفترة البطلمية وخصص للإلهة حتحور التي ترمز للأمومة في مصر القديمة والجمال الحب والموسيقى والعزف والغناء.

كما أن ‏دندرة اسمها “تانتر” بمعنى الأرض المقدسة أو المكان المقدس، وهناك نظرية من نظريات الخلق تقول أن فى هذا المكان خلق الإله الخالق نفسه بنفسه.

النقوش المرسومة بمعبد أبيدوس بكوم أمبو
النقوش المرسومة بمعبد أبيدوس بكوم أمبو

ونوه أستاذ الآثار، بأن الافتراء على التراث والتاريخ القومي بالتشويه والمغالطات على حد تعبيره، لم يكن الأول، ففي معبد أبيدوس وهو من المعابد التكريسية التذكرية، الذي أنشئ في عصر الدولة الحديثة، تعرض منذ 3 أعوام لمغالطات في نشر صورة فوتوشوب لأحد النقوش به تحوي طائرة وقيل إن الطائرة اكتشفت في العصور الفرعونية.

واستطرد: كلها أقاويل لا تمت للعلم بشيئ، فالنقش الذي تم تداوله على أنه طائرة في العصر القديم، هو نقش تذكاري يقول إن الملك سيتي يذكر فيه ألقابه ما إلى ذلك تم تحريف بعض علامات التصويرية في الهيروغليفية وقالوا أنها شكل طائرة.

معبد دندرة 

يوضح عبدالحكيم الصغير، مدير معبد دندرة بقنا، لـ”باب مصر”، أن النقش الموجود في السرداب المفتوح للزيارة هو عبارة عن نظرية خلق الكون الذي يتمثل في المعبود حر سماتاوى، متمثل على هيئة ثعبان بداخل زهرة لوتس مغلقة مستند على عمود الجد على المياه، ثم يخرج حر سماتاوى ويتخذ شكل الصقر وهي فكرة أن الأرض كانت مغطاة بالمياه، ثم ظهر التل الأزلي، ثم ظهر الإله الخالق وبدأت عملية الخلق نفس الشيئ مع اختلاف التل الأزلى بزهرة اللوتس، وهذا شرح مختصر للمنظر الموجود بالسرداب.

ويضيف، الكلام المتداول في الصحف أو السوشيال ميديا أنه عبارة عن لمبة كهربائية، حديث غير صحيح بالمرة ولا مجال لاعتباره دعاية للمعبد، خاصة أن وزارة الآثار والجهات لديها خطة للدعاية شرعت في تنفيذها منذ أكثر من عام، كانت عبارة عن إقامة متحف في بداية المعبد، ثم مهرجان موسيقي.

ولفت الصغير إلى أن معبد دندرة يعتبر من أهم المعابد في جمهورية مصر العربية التي لابد من رعايتها والمحافظة عليها، بصفة عامة وهذه الحقبة التاريخية بصفة خاصة، وهو من المعابد البطلمية المكتملة النادرة التي يعشقها أي إنسان مصري محب لآثار وتاريخ بلده ويجب على كل فرد أن يكون لديه وعي أثري ولو بسيط حتى يتفكر يتدبر الأمور.

وذكر أن المعبد له شهرة عالمية وعلمية هامة، فهو مجمع لكل العصور التاريخية من بداية عصور ما قبل التاريخ وحتى الدولة الحديثة.

جامعة القاهرة

يقول عمر صلاح، باحث ماجستير بكلية الآثار جامعة القاهرة، نقش بسيط من معبد كوم أمبو بأسوان يوضح ماهية العلامتين في معبد دندرة مرتين، الأولى، في قاعة حور سماتاوي، والثانية، في سرداب المعبد السفلي.

والعلامة الواحدة منهما عبارة عن شكل بيضاوي محوّر عن زهرة اللوتس أحد رموز البعث في مصر القديمة، العلامة الواحدة منهم اسمها (itrt) والاتنين على بعض مثنىٰ (itrty) والتي لها العديد من المعاني:

1- معبد صغير، حِنية (لوضع تمثال)، صندوق (لوضع تماثيل أوشابتي).

2- صف (من الرجال)، صف (من الشجيرات)، صف (من المقصورات في احتفال اليوبيل).

3- مجلسي مصر العليا والسفلى.

وبكل بساطة منظري يعبران عن فكرة بعث حور سماتاوي وهو بهيئة الثعبان (sȝ tȝ) من داخل زهرة اللوتس إحدى رموز البعث، وليس لها علاقة لا بمصباح كهربي و لا بكشاف لمبة ليد، هذا الكلام القائل بأن المصري القديم قد عرف المصباح الكهربائي خاطئ تماما جملة وتفصيلا، ولا يمت لعلم المصريات بأي صلة لا من قريب ولا من بعيد، والكارثة أنه يقال على التلفزيون الرسمي للدول.

وخلاصة القول، المصري القديم لم يعرف المصباح الكهربائي على الإطلاق، ونقش معبد دندرة الذي يتم الاستناد عليه، يمكن الرد عليهم علميا بكل بساطة، هذا المنظر المتواجد بمعبد حتحور بـ(دندرة) لا علاقة بينه وبين المصباح الكهربي على الإطلاق، لكنه طبقا للنصوص المصرية القديمة المنقوشة بالخط الهيروغليفي والمُصاحبة له، فتخبرنا أن المنظر ونصوصه تُعبِّر عن تبجيل للمعبود حور سماتاوي (ابن حتحور وحور) وهو متجسد في هيئة الثعبان الأزلي “إحدى هيئاته” يخرج من زهرة اللوتس وقت إشراقة الشمس وسقوط أول أشعتها على الأرض المصرية، وذلك كما فعلها رب الشمس وهو مُتجسد في صورة (رع) في بداية الخليقة، وذلك بأن خرج من زهرة اللوتس كرمز لبداية تجليه وإشراقه وبداية حياته.

أما عن الشكل البيضاوي الأول الذي يخرج من زهرة اللوتس، فيمكن قراءته باللغة المصرية القديمة (ỉtrt) وشكل بيضاوي ثاني يقرأ أيضاً (ỉtrt) مقابلة له يصبح الاتنين على بعضهم مُثنّى نقرأهم (ỉtr.ty) أي المقصورتان “تلك التي خاصة بالجنوب ويُقابلها تلك الخاصة بالشمال”، ويُساعد في تدعيم ورفع هذه المقاصير وإقامتها حرصا على استقرارها عمود الچد المُجسد بذراعين آدميين، وهو رمز الثبات والرسوخ والدوام والاستمرار الذي اتخذ كأحد أشهر رموز أوزير.

مصدر الإضاءة

أما عن تقنية الإضاءة داخل المعابد والمقابر المصرية القديمة أثناء العمل داخلها لنقش نقوشها دون تصاعد أدخنة، فقد ثبت علميا وأثريا استخدام المصري القديم لزيت السمسم لمنع تصاعد الأدخنة من المشاعل المستخدمة، وذلك حتى لا تؤثر على الألوان.

إذا فالفكرة الرئيسية من هذا المنظر أنه يُخبرنا عن أحد الأحداث الكونية الأزلية، وليس المصباح الكهربائي كما يدَّعي البعض جهلا بطبيعة ما تتحدث عنه النصوص المُصاحبة للمنظر نقلا عن أشخاص غير متخصصين علم المصريات، مع الأسف الشديد عدم احترام التخصص هو أحد آفات هذا العصر الذي نعيشه.

تأثير المغالطات

حول تأثير هذه المغالطات، ذكر وزيري، عندما أبحث في محركات البحث جوجل بكلمات مفتاحية مثل الفراعنة أو الكهرباء، ستظهر مواقع كثيرة تداولت دون تحقق علاقة الكهرباء بالفراعنة، وهذا كله دعاية سيئة وتشويه للتاريخ والحضارة وسيعود الأمر بالسلب حتى وإن صدقت نية وهدف الجذب السياحي والدعاية.

وشدد وزيري على ضرورة أن يكون لوزارة الآثار دورا في التصدي والرد على مثل هذه المغالطات من قبل داعين العلم، خاصة وأن علم المصريات ظهر حين أتت الحملة الفرنسية وظهر مصطلح Egyptology أي علم المصريات مصطلح فريد من نوعه، والعبث فيه بالتشويه المتعمد أو غير المتعمد هوس بعلم المصريات، ويؤدي لتدمير الإرث الحضاري والعلم الوحيد الذي سمي باسم البلد، بدون وعي.

ويشير وزيري إلى أن معبد دندرة من المعابد الشهيرة والنادرة في مصر، وأيضا معبد إسنا ومعبد كوم أمبو من المعابد الأسطورية، لا يلقى الدعاية الكافية لهم من قبل الوزارة، والتي وجب الدعاية لها، هي معابد تحمل ثقافة الكهنة والتي اخترعوا بها الكتابة الطلسمية معلوماتهم الهيروغليفية الخاصة بالفكر الكهنوتي، نظرا لورود اليونان والبطالمة والرومان في تلك الفترة وخشيتهم على تراثهم.

واختتم: حاولوا المحافظة على هذا الإرث الذي للأسف نحن نخيب أمالهم بتدميره بتلك المغالطات والإدعاءات بدون وعي وعلم، على حد تعبيره.

 

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر