دليل الفعاليات الثقافية فى مصر

الدليل - تعالى نخرج

«مسجد اليوسفي» في أسيوط.. أربعة قرون من التاريخ انتهت تحت الجرافات

في شارع ضيق وسط الدكاكين التاريخية بمنطقة العتبة الزرقاء بحي غرب أسيوط، كان «مسجد اليوسفي» يقف شامخًا. وربما لا يعلم كثيرون قيمته التاريخية كثاني أقدم مسجد في أسيوط بعد المسجد الأموي. يعود تاريخه إلى ما يقرب من 400 عام، ولم يدرج اسمه في قوائم الآثار، ولم يظهر على الخرائط السياحية قط، لكن اليوم، تئن أعمدته المصنوعة من الجرانيت وقد سقطت على الأرض، بعد أن طاله الهدم في واقعة لا تزال أسبابها الحقيقية غامضة.

 هدم المسجد وصدمة الأهالي

يُرجّح أن المسجد بني قبل نحو 400 عام، ونسب إلى أحد أمراء الدولة العثمانية في أسيوط. وكان شاهدًا على مراحل التحول العمراني في المدينة القديمة. لكن منذ أيام قليلة، فوجئ الأهالي بهدم المسجد ليختفي أحد أهم المعالم التراثية والتاريخية في مدينة أسيوط.

ويرجع بناء المسجد إلى عام 1027 هجريًا (1618 ميلاديًا تقريبًا). وينسب بناؤه إلى يوسف بك القيطاس، أحد أعيان ذلك الزمان، والذي ينسب إليه أيضا مسجد آخر بنفس الاسم في مدينة ملوي بمحافظة المنيا.

تم تجديد المسجد في عهد الخديوي توفيق، وتميز بوجود أعمدة ضخمة من الجرانيت الوردي يقال إنها جلبت من بقايا معبد قديم لأخناتون. أما صحن المسجد فقد تجاوز عرضه 9 أمتار تقريبًا، تحيط به مظلات، تعد مظلة القبلة أكبرها.

التاريخ الفريد

يعد مسجد اليوسفي من المساجد التي تجمع بين القيمة الدينية والبعد المعماري والتاريخي الفريد. إذ يمتد تاريخه لعقود طويلة، ويعتبر من المعالم التراثية المحلية في قلب أسيوط.

يقول أحد الأهالي المقيمين بجوار المسجد: “المكان الآن أصبح خرابة تسكنها الكلاب الضالة، وأكوام التراب والقمامة تتكدس في زواياه”. ويتابع: “المسجد كان بيجمع الحبايب، وكانت حالته جيدة، ويمكن أن يصمد يصمد لمئتي عام أخرى أو أكثر. لكنهم هدموه وضاع تاريخه وذكرياتنا معه دون أي سبب واضح”.

جرافات تمحو التاريخ

يحكي محمد عبد السلام، 70 عاما، أحد رواد المسجد: “المسجد كان مميزا جدًا، رصفت أحجاره بأعمدة من الجرانيت الوردي. وتروي تفاصيله تاريخا طويلا، وتحكي كل زاوية فيه قصة. عشنا معه أجمل الذكريات، وبين ليلة وضحاها أصبح أمامنا كومة تراب”.

ويكمل: “بني المسجد بأحجار تم جلبها من معبد فرعوني، وهذا ليس أول مسجد أو مبنى في الصعيد يبنى من بقايا معابد فرعونية. فقد كان ذلك شائعا قديما. تميز المسجد بصحن مكشوف تحيط به الأروقة، وقبلة ذات جدار طويل ونقوش إسلامية جميلة”. ويضيف: “فوجئنا بوصول الجرافات والبدء في أعمال الهدم دون هوادة، أسقطت أعمدته على الأرض. ولم ترحم الجرافات تاريخه العريق، ولم تشفع نقوشه النادرة لبقائه”.

تصريحات الأوقاف تناقض نفسها

منذ أعوام، تم إيقاف الصلاة بالمسجد بأمر من وزارة الأوقاف بقصد تجديده، لكن الأهالي اشتكوا من محاولات للاستيلاء عليه. وفي أغسطس الماضي، أعلنت مديرية الأوقاف بمحافظة أسيوط تشكيل لجنة موسعة برعاية الشيخ محمد عبد اللطيف محمود، مدير الدعوة والقائم بأعمال مدير المديرية -وقتها-. وبرئاسة الشيخ ناصر محمد السيد علي، مدير المتابعة، لاتخاذ الإجراءات الفورية لإزالة التعدي الواقع على المسجد.

وصرح الشيخ محمد عبد اللطيف وقتها للصحافة بأن مديرية الأوقاف “لن تسمح بأي شكل من أشكال التعدي أو العبث بحرمة بيوت الله عز وجل. فهي ليست مجالًا لمطامع شخصية أو تعديات سافرة”. لكن، بعد شهرين فقط من هذا التصريح، بدأت أعمال الهدم.

قرار وزاري بهدمه

رغم قيمته التاريخية والمعمارية، لم يسجل مسجد اليوسفي ضمن الآثار الإسلامية. ما جعل حمايته القانونية غائبة وسهّل عملية هدمه دون الرجوع إلى الجهات المختصة. وفي تصريحات سابقة، أوضحت هيئة الآثار أنها رفضت تسجيل المسجد بسبب عدم توافر الاعتمادات المالية اللازمة لتجديده، وليس لعدم أثريته.

تواصل «باب مصر» مع مسؤولي هيئة الآثار في أسيوط، فنفت الهيئة تبعية المسجد لها، مؤكدة أنه يتبع لوزارة الأوقاف. وأضافت أن المساجد الأثرية المسجلة ضمن قوائمها هي: مسجد الكاشف الكبير في مدينة منفلوط، والكاشف الصغير في القيسارية، والمسجد الأموي في أسيوط، ومسجد المجاهدين بميدان المجاهدين. أما مسجد اليوسفي فقد صدر بشأنه قرار وزاري بالهدم.

وأكد أحد المسؤولين بالهيئة العامة للآثار الإسلامية والقبطية واليهودية – رفض ذكر اسمه- أن اللجنة الدائمة للآثار رفضت تسجيل المسجد منذ أربع سنوات، معتبرة أنه “لا يستحق التسجيل”. بينما يرى أحد المختصين في الآثار أن مسجد اليوسفي كان يستحق أن يدرج ضمن الآثار، لكن ما حدث أنه “ضاعت من أسيوط قطعة حقيقية من تاريخها لن تعود”.

رد مديرية الأوقاف 

في رد مديرية أوقاف أسيوط على «باب مصر» حول واقعة الهدم قال مصدر -رفض ذكر اسمه-: “المسجد حاليا في حالة إحلال وتجديد. وقد أرسلت المديرية خطابا إلى هيئة الآثار الإسلامية والقبطية  للتأكد من كونه غير أثري. وجاء الرد بأنه غير مدرج كأثر، لذلك تم هدمه”.

تجريف الهوية الثقافية لأسيوط

يقول الدكتور أحمد مصطفى علي، كاتب وقاص ومسؤول الإعلام التنموي لجنوب أسيوط بالهيئة العامة للاستعلامات: “أسيوط من أكثر المحافظات التي عانت من تجريف هويتها الثقافية. وربما لا توجد محافظة مصرية واجهت ما واجهته في هذا الصدد. تهدم القصور الأثرية والسينمات والمساجد الأثرية، نرى قصرا يهدم تلو الآخر، وسينما بعد أخرى”.

ويكمل: “المدهش أن ما يحدث منذ نصف قرن متصل، وفي مواقع واضحة للمارة وفي قلب الميادين العامة بالمدن والمراكز والقرى. والأغرب أن أسيوط تضم فروعا لهيئات الآثار والسياحة وشرطتهما. فضلا عن النخب الثقافية وأساتذة الجامعات، ومع ذلك تمحى معالمها التراثية أمام أعين الجميع”.

ويختتم علي حديثه قائلا: “ما حدث لمسجد اليوسفي يسلط الضوء على ضرورة إعادة تقييم المباني ذات القيمة التاريخية بالمحافظة، وتوثيقها لحماية ما تبقى من ذاكرة المدينة الإسلامية”.

اقرأ أيضا

صناعة المراكب الخشبية.. مهنة تواجه الاندثار على ضفاف النيل

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.