دليل الفعاليات الثقافية فى مصر

الدليل - تعالى نخرج

مدرسة «الشيخ الطاهر» في الكرنك.. منبر علم تحوّل إلى أطلال

في قلب قرية الكرنك شمال الأقصر، يقف مبنى قديم متهالك، لم يتبق من ملامحه سوى الطابق الأرضي الذي أوشك على الانهيار. قد يبدو للناظر مجرد بيت مهجور، لكنه في الحقيقة شاهد تاريخي على أول مدرسة ابتدائية أُسست في الكرنك عام 1930، على يد الشيخ الطاهر عبدالله، والد الأديب الكبير الراحل يحيى الطاهر عبدالله، أحد أبرز كتاب جيل الستينيات وصاحب رواية “الطوق والأسورة” التي تحولت لاحقًا إلى فيلم سينمائي شهير.

بداية القصة.. منزل يتحول إلى مدرسة

بدأت القصة حين قرر الشيخ الطاهر عبدالله، شيخ ومعلم القرآن وخطيب مسجد القرية، أن يجعل منزله منارة للعلم. لم تكن في الكرنك آنذاك مدرسة نظامية. فوهب الطابق الأرضي من منزله للحكومة ليكون مقرًا لأول مدرسة ابتدائية في القرية. بينما اكتفت أسرته بالسكن في الطابق العلوي. هكذا تحولت الجدران البسيطة إلى فصول دراسية احتضنت أطفال القرية. ومن بينهم ابنه يحيى، الذي بدأ تعليمه بين هذه الجدران قبل أن يكتب اسمه في سجل الأدب العربي.

تكوّنت المدرسة من أربعة فصول دراسية ومكتب للناظر، إضافة إلى فناء خلفي كان ساحة للطلاب. ورغم بساطة الإمكانات، كانت المدرسة نموذجًا متقدمًا لعصرها؛ فقد كانت مجانية بالكامل. كما حظي التلاميذ بوجبات تغذية تقدم لهم خلال اليوم الدراسي، ما جعلها قبلة لأبناء الكرنك والقرى المجاورة. تولى الشيخ الطاهر عبدالله بنفسه إدارة المدرسة، فكان ناظرها ومعلمها الأول، يجمع بين دور الشيخ المربي ودور الإداري الحازم.

منارة للعلم حتى الإغلاق

استمرت المدرسة في أداء رسالتها حتى عام 1958. حين افتتحت الحكومة مدرسة الكرنك الابتدائية الرسمية لتستوعب أبناء القرية في مبنى أكبر وأكثر تجهيزًا. عندها شعر الشيخ الطاهر أن مدرسته الصغيرة قد أدت رسالتها، فقرر إغلاقها. وحين حاولت الحكومة استئجار المبنى منه لمواصلة استخدامه، رفض قائلًا إن أبناءه بحاجة إليه بعد أن أصبحت المدرسة الرسمية هي البديل الدائم.

اليوم، وبعد مرور نحو سبعة عقود تقريبا، لم يبق من المدرسة إلا الطابق الأرضي الذي كان يومًا ما فصولًا عامرة بالحياة. الجدران متصدعة، والسقف متهالك، والحوش الذي كان ساحة للطلاب صار مهجورًا. ويرى الأهالي أن المكان يحتاج إلى ترميم عاجل، ليس فقط لحفظ ذاكرة التعليم في القرية. وإنما أيضًا لتكريم إرث الشيخ الطاهر عبدالله ونجله الأديب يحيى الطاهر عبدالله الذي خرج من هذه الفصول إلى آفاق الأدب العالمي.

مبنى مهجور ورمزية باقية

يقول جمال الطاهر عبدالله، نجل مؤسس المدرسة: “والدي كان محبًا للعلم، آمن أن النهضة تبدأ من التعليم. وهب منزله ليجعله مدرسة مجانية. وأصر على أن تكون مفتوحة للجميع بلا تفرقة. لم يكن يبحث عن مجد شخصي، بل عن مستقبل لأبناء بلدته”. ويضيف أن والده ظل ناظر المدرسة وخطيب المسجد ومعلم القرآن في الوقت ذاته. يجمع بين التربية الدينية والتعليم النظامي، ليترك بصمة لا تُنسى في وجدان أهل الكرنك.

اليوم تتعدد الاقتراحات حول مصير هذا المبنى. فهناك من يطالب بترميمه وتحويله إلى قصر ثقافة يحمل اسم يحيى الطاهر عبدالله. تخليدًا لذكرى الكاتب الكبير الذي درس بين جدرانه. غير أن العقبات تقف في وجه هذا الحلم، فالمبنى ما زال ملكًا للورثة، وعددهم كبير. وكثير منهم لا يوافق على تحويله لمؤسسة عامة.

ورغم ذلك، يظل المبنى رمزًا حيًا لتاريخ القرية؛ إذ يمثل أول نافذة على التعليم النظامي لأبناء الكرنك. وبينما تحاصر جدرانه التشققات، تبقى روحه نابضة، شاهدة على تجربة فريدة لرجل آمن بقيمة العلم. الشيخ الطاهر عبدالله لم يكن مجرد معلم أو ناظر، بل رائد سبق عصره، وهب منزله ليصنع مستقبلًا لأبناء بلدته. فكان بذلك مؤسس أول مدرسة ابتدائية في الكرنك، وصاحب الفضل في أن يتفتح وعي جيل كامل. من بينهم ابنه الذي أصبح أحد أعمدة الأدب العربي الحديث.

اقرأ أيضا:

حلم «سمر» يتحول إلى مكتبة.. «بيان» نافذة ثقافية في قلب الأقصر

«العوامية» بالأقصر.. مئة عام وطقوس المولد النبوي لم تتغير

«ليلة الملوخية».. عادة متوارثة للاحتفال بالمولد النبوي بنجع العقاربة

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.