«مدارس قنا التراثية».. قصور مهجورة وأخرى في انتظار الهدم

في قنا، لا تقتصر الحكايات على المعابد والمعالم الأثرية فقط، بل تمتد أيضا إلى المدارس التراثية التي شكلت يوما من الأيام منارات للعلم ومراكز لبناء الأجيال. مبان عتيقة تحمل في جدرانها بصمات الزمن. وفي أفنيتها صدى ضحكات وصخب طلاب مروا عبرها. لكن هذه المدارس، تواجه اليوم خطر الاندثار، فالإهمال وغياب الترميم والصيانة حولها إلى أطلال صامتة. بعضها أغلق، والبعض الآخر عالق في نزاعات قضائية، فيما يقف جزء كبير منها على حافة المجهول.. «باب مصر» يحاول تتبع مصير هذه المباني التعليمية التراثية، التي تعد جزءا من هوية محافظة قنا وذاكرتها الحية.
مدرسة البهاء زهير الإعدادية بقوص
يعود تأسيس مدرسة البهاء زهير الإعدادية إلى بدايات القرن العشرين. إذ كانت مقرًا لإحدى المحاكم في قوص، قبل أن تتحول إلى مدرسة إعدادية تابعة لوزارة التربية والتعليم. وقد حملت اسم الشاعر والوزير في العصر الأيوبي “البهاء زهير”، الذي نشأ في قوص. وفق ما ذكره الإمام جلال الدين السيوطي في كتابه “حسن المحاضرة”.
تتكون المدرسة من دور واحد يضم عشرة فصول، لكنها بفعل الزمن أصبحت متهالكة. ورغم قيام إدارة قوص التعليمية بأعمال صيانة بسيطة بين الحين والآخر. فقد تقرر هذا العام نقل طلابها إلى مدرسة النيل. فيما ينتظر المبنى التراثي مصيرا قد ينتهي بالهدم.
مدرسة الخواجة طوبيا «الإعدادية بنات»
في عام 1945 اجتمع أعيان قوص لبحث إنشاء مدرسة ثانوية للطلاب الذين كانوا يتوجهون إلى قنا، فبرز دور الخواجة “طوبيا”. يقول الدكتور سليمان جادو، باحث في التراث: “كان الخواجة طوبيا بقطر بشارة، أحد أعيان المدينة. الذي يمتلك 500 فدان من أجود الأراضي وقصرًا بناه عام 1904 على مساحة 14 قيراطا على الطراز الإيطالي”.
وتابع: تبرع طوبيا بالقصر ليكون مدرسة ثانوية. وقام بتأجيره لهيئة الأبنية التعليمية بقيمة إيجارية رمزية لم تتجاوز ربع جنيه مصري. ليس هذا فقط، بل عاش الخواجة في بدروم القصر حتى وفاته في السبعينات، رافضا الانتقال إلى القاهرة.
ظل القصر مدرسة ثانوية حتى التسعينيات، ثم تحول إلى مدرسة إعدادية للبنات. ومع إهمال الصيانة، سقطت بعض جدرانه فتم نقل الطالبات إلى مدرسة النصر بنات. واستخدم القصر كمكاتب إدارية، قبل أن يتسلمه جهاز التنسيق الحضاري لترميمه. لكن منذ عام 2016 لم يشهد القصر أي ترميم، وما زال ينتظر مصيرا مجهولا.
مدارس داوود تكلا
في قلب قرية بهجورة بمركز نجع حمادي، تقع مدارس داوود تكلا ومنيرة تكلا، أولى مدارس المركز بتصميم معماري يضاهي القصور.
يقول محمود مدني، مدير عام الشؤون الأثرية بمناطق آثار مصر العليا، إن لعائلة تكلا دورا بارزا في بناء المدارس ببهجورة. إذ أرادت تسهيل وصول الطلاب للتعليم دون عناء السفر إلى نجع حمادي أو قنا. وتابع: بدأ داوود تكلا، الحاصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة، في بناء مدرسة ابتدائية عام 1903. ثم شرع عام 1942 في بناء مدرسة ثانوية لكنه توفي قبل إتمامها. فأكملت زوجته وابنته منيرة تكلا البناء، وافتتحت المدرسة عام 1929.
طراز يوناني وروماني
تتكون المدرسة من ثلاثة مبانٍ رئيسية: المبني الأول يضم الإدارة والمعلمين والمكتبة في الدور الأول. و10 فصول في الدور الثاني. المبنى الثاني غرب الأول، ويتكون من طابقين وبدروم. يضم الأول معامل العلوم (الأقدم في قنا)، بينما يحتوي الطابق الثاني على ورش الرسم.
وتتميز واجهة المدرسة بأعمدة على الطراز اليوناني والروماني والفرعوني. وقد نقش اسمها وتاريخ افتتاحها بالهيروغليفية. وكان يوجد بالمدرسة إسطبل لربط الحمير، وسيلة انتقال الطلاب من القرى المجاورة.
مدرسة منيرة تكلا
استكملت منيرة تكلا مسيرة والدها، فبعد بناء المدرسة الثانوية، أنشأت مدرسة أخرى تحمل اسمها.
يقول مدير عام الشؤون الأثرية عنها: “المدرسة عبارة عن مبنى من طابقين يضم 12 فصلًا. وصمم على طراز الباروك والروكوكو، أحد أجمل الأساليب المعمارية الأوروبية في القرن السابع عشر. تتميز أسقفها الخشبية المزخرفة بزخارف ورسوم لأطفال ونساء وملائكة. وقد دعمت بطبقة من الأسمنت. لكن المدرسة اليوم تعاني من الإهمال، وتحتاج إلى ترميم عاجل حتى لا تلقى مصير قصر طوبيا”.
مدرسة سيدي عمر الابتدائية «قصر مكرم عبيد باشا»
مدرسة سيدي عمر الابتدائية، أو قصر مكرم عبيد باشا، شيدت في أربعينيات القرن الماضي. وتُعد من أبرز المباني في قنا، يقع القصر بجوار مديرية الأمن بوسط المدينة، ويقف اليوم نصف متهدم في انتظار مصيره.
بحسب محمود مدني، فقد بُني القصر على الطراز الأوروبي الحديث. ويتكون من طابقين وفناء واسع، وأعمدة ذات طراز كورنثي، ومداخل رخامية ملونة، وسلم تزينه زخارف خشبية على طراز الباروك والروكوكو. وقد جرى تأجيره لوزارة التربية والتعليم ليكون مدرسة ابتدائية.
وظل الورثة يعيشون في القصر حتى أربعينيات القرن الماضي، ثم تركوه ليستغل كمدرسة. وظلت المدرسة تعمل حتى تهدمت بعض أجزائها الداخلية، ليخلى المبنى عام 2013. ثم تهدم جزء آخر من واجهته. ومنذ ذلك الحين يقف القصر مهملا في انتظار مصيره.
مدارس اختفت ولكنها في الذاكرة
الكثير من المدارس والقصور التراثية في قنا تواجه مصيرا مجهولا رغم القيمة التاريخية والتعليمية، حيث كانت شاهدا على بدايات التعليم بالمحافظة. بعض هذه المدارس لم يتبق منها سوى الذكرى، مثل مدرسة الجامع العتيق أو “مدرسة السوق” التي تأسست عام 1912.
وسميت بهذا الاسم لوقوعها أمام الجامع العمري، كما كانت تعرف بمدرسة السوق لأن سوق المدينة كان يقام حولها كل يوم اثنين. ولأنها بلا سور، كان المتسوقون يشاركون الطلاب طابور الصباح في ذلك اليوم. أما الآن فقد تحولت إلى مخزن للكتب.
مدارس البنات بقوص
عُرفت مدينة قوص بمدارسها الخاصة للبنات، ومن أبرزها مدرسة “الطواب” الابتدائية، التي كانت عبارة عن بيت قديم من الطوب اللبن يتكون من طابقين، يضم فصولا دراسية للطالبات، وغرفة للناظر، وأخرى للمدرسين، وقاعة لتناول الوجبة المدرسية، بالإضافة إلى دورات مياه.
وكان بالمدرسة سكن مخصص للمعلمات المغتربات، كما كانت تدرس الفنيات الأشغال اليدوية. وكانت الطالبات يحصلن على الأدوات والأقلام مجانا، بجانب وجبة غذائية يومية تتكون من الحليب والفول السوداني وأطباق البلح. لكن منذ ثلاثة أعوام تسلم الورثة المبنى، وقاموا بهدمه وبنوا على أرضه عددا من المنازل السكنية.
المدرسة الريفية الابتدائية
بنيت عام 1950 في منطقة الطواب بمدينة قوص، واقتصر القبول فيها على البنين فقط. وقد عاصرت المدرسة أجيالًا عديدة من الطلاب والمعلمين لعقود طويلة.
وفي عام 1973 تحولت إلى مدرسة عبد الباسط الابتدائية المشتركة، نسبة إلى أحد أبطال حرب أكتوبر، واستمر التعليم بها حتى عام 2011، ثم توقفت الدراسة وعادت الأرض للورثة.
مدرسة قوص الإعدادية المشتركة القديمة
أنشئت في ستينيات القرن الماضي، وكانت تضم فصولًا للبنين والبنات، لتكون أول تجربة للتعليم المشترك في قوص.
وتميزت المدرسة بأنشطتها المتنوعة مثل الموسيقى، والتربية الزراعية، والتدبير المنزلي، كما ضمت أول قاعة للفنون التشكيلية. وفي الثمانينيات تحولت إلى مدرسة التجارة المشتركة، وما زالت تؤدي دورها حتى الآن رغم تراجع مستواها.
اقرأ أيضا:
قنا تحتفل بالمولد النبوي.. طقوس تتوارثها الأجيال منذ قرون
«ليلة الملوخية».. عادة متوارثة للاحتفال بالمولد النبوي بنجع العقاربة
من العمارة للألعاب الشعبية.. تفاصيل مهرجان الفنون التراثية الأول في قنا