مخطوط نادر: الأطعمة المفقودة في المطبخ المصري

يزخر التراث الفكري والأدبي لقاهرة المعز بالعديد من الكتب التي تناول مؤلفوها الكثير من أسرار الطبخ، إذ يعتبر الطعام ومكوناته وأنواعه من دلالات المستوى الحضاري والتطور الاجتماعي، ومن خلال معرفة أنواع الطعام يوضع تصور لكافة مظاهر الحياة. ومن أشهر هذه الكتب، كتاب “الطبيخ” لمحمد بن الحسن، الذي ظهر في القرن الثالث عشر.

أدب الطعام

ذكرت العديد من النصوص الأدبية  أصناف الطعام، ومنها القصة التي كتبها أحمد بن يحيي بن حسن، بعنوان “الحرب المعشوق بين لحم الضأن وحواضر السوق”، حيث يصف الكاتب مظاهر حربًا خيالية بين ملك الضأن وجنوده، من الخراف، ولحوم البقر، والماعز، والدجاج  وأتباعه وأشياعه من الجزارين، وفي المواجهة لهذا الجانب حواضر السوق التي يمثلها ملكة العسل والسكر والألبان والأجبان والمخللات والحوامض.

وظهر ما عرف بأدب الطعام، وهو ما يطلق على الكتابات والقصائد الشعرية التي ينظمها أصحابها لوصف أطايب الطعام، ومنها ألفية الأنبوطي للشيخ “عامر الأنبوطي”، الذي نظم ألفية على وزن ألفية بن مالك النحوية، لكن الأنبوطي نظمها في الطبخ وصنوف الطعام، وقال المؤرخ الجبرتي عن الأنبوطي، إنه كان يقلب قصائد الشعراء في وزنها وقافيتها ويحولها إلى وصف الطبخ وأصنافه، وهو ما كان الشعراء يخشونه، وكان بعضهم يعطيه مقابل حتى لا يقلب قصيدته، وقال أحدهم له “لا تزفر قصيدتي يا شيخ عامر، ولك جائزة.” ومن تلك المنظومات ما تركه  موسى بن عبدالله الدهمراوي، بعنوان “نزهة القلوب في المأكل والمشروب”، الذي يصف العديد من الأطعمة التي كان المصريين يتناولونها، وترجع إلى العصر المملوكي وسنعرض بعضها:

“لذة القلوب في المأكل والمشروب”، يعود تاريخ الكتاب إلى عام 1592، وهو لشاعر يدعى  موسى الدهمراوي، وكان ذلك في عهد والى مصر حافظ باشا الخادم، ويذكر الدهمراوي السبب في كتابة هذا الكتاب، فيقول: “فأني لما رأيت الأطعمة تكاثرت، والأدهان عليها تناثرت، سألني بعض الطلبة أن أصنف لهم منظومة في الأطعمة شاملة لأكثر الطعامات، محشوة من النقل والفاكهة والمشموم والحلاوات، فنظرت في أحوالهم وأجبت إلى سؤالهم، وأبذلت المجهود في طلب المقصود، فتيسر لي من ذكر الأطعمة والحلاوات ما لا أنظره في المنامات، وصنفت لهم مقدمة سنية وللأنفس شهية، تشتاق إليها النفوس وتطرب على حسها الأحناك والضروس”، ورتب الدهمراوي كتابه فجاء في عشرة فصول وخاتمة .

عرف الدهمراوي نفسه في مقدمة الكتاب، فقال على وزن قصيدة أبو الطيب المتنبي: “الأرز واللحم والأدهان تعرفني، والخبز والموز والأجبان والعسل”، وعرفه نفسه أيضًا بأنه الشيخ الشاطر، النسر الطاير، الضبع الكاسر، عدو الأطعمة الفواخر، قاهر الطعامات الفايقة، والأدهان الرايقة، شيخ الوكالين، كبير اللفافين.

تظهر في صفحات الكتاب وفصوله المختلفة روح الدهمراوي المرحة التي تميل إلي الفكاهة والسخرية، فيقول: “فيا أيها الناظر في المقدمة أنظر إلي ما حوته من الأطعمة ففيها من الأطعمة الفاخرة ما لا أذوقه إلا في الآخرة، وأسألك أن تدعو لي بالنصر من الغلبات على هذه المأكولات”، كما يخبر القارئ بأنه سيكتب منظومة أخرى في أفخر الطعامات وأطيب الحلاوات، وأنه سوف يسميها ضو الصباح في الأكل الملاح”. ويقول سائلاً الله الرحمن الرحيم أن يجمع بينه وبين حب الرمان قريبًا غير بعيد لأن قلبه له في المحبة لشديد، ولاسيما إذا خلط معه الأرز والمفلفل.

ويقول في الفصل الأول ناظمًا في ذكر طعام الخاص:

بدأت ببسم الله في الأكل أولاً * على كل مأكول أكون مبسملا

على حـب أوز وأرزٍ مفلفـــلٍ  * بسمنٍ طريٍ رايقٍ طعمه حـلا

وثنيت بالرعفان يافرحتي بها  * إذا حضرت حول الزبادي معجلا

وثلثت أن الوز لاشك طيبٌ * ولاسيما إن كان في الفرن يعملا

ويصف الدهمراوي لذة اللحم مسلوقًا أو محمر أو مشويًا، وأعتقد أن اللحم المشوي كان مرتفع السعر فقال عنه صعب لقاؤه قائلا:

وبعد فكل لحمًا سمينًا منعمًا   *   يكن من صغير السن يا صاح تكملا

بسيس بلحم قم تلذذ بأكله    *   ومن قبل فعل الأكل يا صاح بسملا

محمصة حنت لها جوارحي  *   وراحت لها روحي كذا القلب أرسلا

محرقة صعب علينا لقاؤها   *   ولكن كشك البيت في الأكل أسهلا

ويتناول الدهمراوي في هذا الفصل العديد من وصفات طبخ اللحم وطهيه، فيقول :

ويا حبذا إن جيت يومًا بجرة * وفي بطنها لحم من العظم قد خلا

ودحرجتها في الفرن حتى شويتها * ومن بعد ذاك الشي للأكل عجلا

ولا تترك المشوي إذا كنت قادرًا * عليه وإلا فالكبيبات أسهلا

وباكر إلي لحم سمين وجرةٍ  * إلى أن يصير اللحم والدهن كالسلا

وخذ ورق النعناع واترك عروقه * واخلط عليه الأن إن شئت فلفلا

واجعل على هذه الحوايج قرفة * بها زر وردٍ يا أخي وقرنفلا

وخذ زنجبيلاً واسحق الكل خلطة * واخلط على اللحم السمين معولا

وخذ من رقاق البيت واحشو بلحمة * وسويه بالدخان إن رمت تأكلا

الفصل الثاني

يحفل الفصل الثاني من الكتاب في ذكر طعام السادج، والمقصود به أصناف الطعام التركية والرومية والأعجمية، فيذكر العديد من الأصناف منها، “دنارشته، شناعية، رخامية، بورانيا، ديناريا، عصفوريا، كمونيا”.

ويتناول الفصل الثالث العديد من الأطعمة التي يدخل في تجهيزها الثوم فيذكر الباميا والقلقاس والعدس والفولية وغيرها من أصناف تحتوي على الثوم، وفي الفصل الرابع يتناول أطعمة اللبن فيصف الهيطلية والمهلبية، فيقول:

مقطعة يا صاح مع هيطلية * تهطل منها السمن فازلط مسهلا

مهلبة هلب عليها ورح لها  * ولاسيما من فوقها السمن يعملا

كما يصف البليلة ويقول فيها:

وقمحية الشيخ الجبرتي بخيرها * فكم من فقيه جاء إليها مهرولا

ويذكر في الفصل الخامس حواضر السوق وغيرها، العديد من الأطعمة التي تعتمد على العسل أو الزيت والطحينة والأجبان، بينما يتناول الفصل السادس ما يؤكل من صيد البحر فيذكر بعض الأنواع قائلا:

قجاج وسقساق فيا ما ألذه * وما أحسن البلطي سخنًا إذا أنقلا

قروص وحطيني  ولوت وشاردٍ * شموص وقمهورٍ إلي الكل ميلا

وإياك والقرموط لا تقربنه  * ففي تركه خير لمن كان يعقلا

خصص الدهمراوي الفصل السابع من كتابه في ذكر الحلاوات، فيذكر الفولية واللوزية ولقمة القاضي والجوزية والمشبك والطحينية وغيرها من أصناف الحلاوات. وبعد تناول الحلاوات وقبل النوم بساعات يبدأ النقل من تناول الحلاوات إلى أكل أصناف التسالي، فيخصص الدهمراوي الفصل الثامن للحديث عن اللب والترمس والحمص وحب العزيز واللوز والبندق، قائلا:

فلافل مع حب العزيز وفستقٍ * وملبن مع تين وجوز وقسطلا

وكعك وخروب ولوز وبندقٍ  * وقصب وصيحاني وبرني مفضلا

ويتناول الفصل التاسع أنواع الفاكهة ومنها الجميز والدراق والخوخ والمشمش والتوت والتين والأعناب والبرقوق والرمان، ويختم هذا الفصل بنصيحة فيقول:

وليمون والنارنج أيضًا فواكه * ولكن ليسا للمساطيل مأكلا

ينتهي يوم المصري الحافل بتناول العديد من الأطعمة والفاكهة والأشربة على اختلاف درجاتها، حيث منها الشائع الشعبي الذي تتناوله كافة الطبقات ومنها الخاص المخصوص على الأغنياء لارتفاع ثمنه، ينتهي اليوم الحافل بصنوف الطعام بأنواع وأصناف المشموم وهي التي خصص لها المؤلف الفصل العاشر من كتابه قائلاً:

وعجل برطل ياسمين ونرجسٍ * وأس وريحان وورد قد اشعلا

وبان ونسرين وزهر بنفسج  * وتامر حنا  ومنتور فاحملا.

 الحلوى في مصر المملوكية

القاهرية: وفيها ﻳﻘﻠﺐ ﻋﺴﻞ ﺍﻟﻨﺤﻞ ﻣﻊ مقدار ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻗﻴﻖ، ويوضع ﻓﻮﻕ ﻧﺎﺭ ﻫﺎﺩﺋﺔ، ثم ﻳﻀﺎﻑ للخليط ﺍﻟﻠﻮﺯ ﻭﻳﺘﺮﻙ ﺣﺘﻰ يتماسك ﻭﻳﺘﻢ رفعه من على النار ويقطع.

الخبايص: تجهز الخبايص عن طريق خلط الدقيق مع العسل والسمن والسكر، ثم يتم فرد العجينة وتحشى بمهروس اللوز، ويغطى الوجه بملعقة من السمن، ثم يوضع فى الفرن.

ﺍﻟﻨﻴﺪﺓ: هي عبارة عن ﺣلوى من ﺍﻟﻘﻤﺢ ، ويتم تحضيرها من خلال غلي القمح في الماء ﺣﺘﻰ ﻳﻨﻀﺞ ﻭﻳنزع منه ﺍﻟﻨﺸﺎ، وﻳﺼﻔﻰ القمح بعد ذلك ﻭﻳﺆﺧﺬ ماؤه ﻭﻳﻀﺎﻑ ﺇﻟﻴﻪ الدقيق وﺍﻟﺴﻜﺮ، ﻭﻳﺘﻢ ﻏﻠﻴﻪ ﺣﺘﻰ ﻳتماسك ﻗﻮﺍﻣﻪ.

 

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر